نقولا شماس… صندوق النقد يُعفي الدولة من مسؤولياتها!
رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، وبعد اجتماع له وأعضاء الجمعية مع خبراء في صندوق النقد الدولي زاروا لبنان، قبل أيّام، شنّ هجومًا عنيفًا على التصلّب غير المسبوق لهذا الصندوق، معتبرًا أنّ نجاح الخطّة المطلوبة من قبله، ضئيل للغاية، لصعوبة إقرارها في المجلس النيابي من جهة وشبه استحالة تطبيقها في حلّتها الراهنة على أرض الواقع من جهة ثانية. وبرّر شماس هذا الهجوم بالقول: “أنّ الصندوق ضرب بعرض الحائط المبادئ الأساسيّة والحظوظ العريضة لخطّة الهيئات والتي كانت قد لاقت استحسانًا وتقبّلاً كبيرَيْن من كافة الأوساط اللبنانيّة المعنيّة”.
وكانت خطة الهيئات الاقتصاديّة قد حدّدت في الورقة التي قدّمتها، المسؤوليات بدقّة، ووزّعت الخسائر بعدل، وإحترمت قدسية الملكية الخاصة، وعلى رأسها الودائع على إختلاف أحجامها، وإذ بصندوق النقد “قفز فوق هذه الثوابت والمبادىء الجوهرية لدى جميع اللبنانيين، مبرّئًا الدولة من كافة مسؤولياتها، وإعفائها من أي مساهمة في ردم الفجوة المالية الهائلة التي تسبّبت بها هي أساساً”، كما قال شماس.
وكان الصندوق، في طرحَيْه، قد اعتبر أن أصول الدولة لا تُمَسّ من ناحية المبدأ، فواجهته الهيئات بأمثلة مضادة في عدد من الدول، اليونان على سبيل المثال ومصر، إذ أتاح لهما فرصة إستعمال بعض الأصول العامة. وبهذا الصّدد، يقول شماس: “إنّ خطة الهيئات ترمي فقط إلى إستثمار أصول الدولة وليس بيعها، والغرض إستعادة أموال المودعين، لكنّ الصندوق أصرّ على حماية الودائع دون الـ 100 ألف دولار وتحميل الحسابات الأخرى وِزْر الخسارة المالية الضخمة بعشرات المليارات. ذلك أن الصندوق يعتبر أن قضية الودائع المصرفية صارت وراءه، فيما الهيئات الإقتصادية ومجلس النواب يعتبران أن معضلة الودائع لا تزال مطروحة وقائمة بقوة أمامنا”. ودائمًا حسب شماس الذي اعتبر “أن المماطلة والتسويف في قضية حماية الودائع تسبّبا في تأخير تنفيذ خطة التعافي ليومنا هذا، وفي تغذية العنف ضد المصارف، وفي إرجاء قوانين مثل “الكابيتال كونترول” والتي ليس للودائع علاقة مباشرة بها”، علمًا أنّ عدد الودائع التي تفوق الـــ 100 ألف دولار، “هو رقم مرتفع جداً”، يقول رئيس جمعية تجار بيروت، إذ “يناهز الــ 175 ألف وديعة، أي ما يمثل شريحة كبيرة من الإقتصاد الوطني والمجتمع اللبناني”. والأخطر أن هذه الحسابات “تعود للجامعات والمؤسسات الخيرية والنقابات المهنية وصناديق التعاضد وشركات التأمين، إضافةً إلى “مؤسسات القطاع الخاص على تنوّعها والتي تستعملها في الظروف الطبيعية لتغطية نفقاتها التشغيلية وحاجاتها الإستثمارية وإلتزاماتها في الداخل والخارج، فضلاً عن أن الأفراد الذين تعود لهم هذه الحسابات هم في طليعة من يستثمر، ويُنتج، ويُصدّر، ويستهلك، ويسدّد الضرائب”. ودائمًا حسب شماس الذي أردف قائلاً: “تحميل عشرات مليارات الدولارات لهذه الفئات يقع في خانة الإنتحار الإقتصادي، إلى جانب كونه جريمة أخلاقية ودستورية موصوفة”.
وفي إشارة إلى الخطأ الدستوري الذي يرتكبه صندوق النقد الدولي بحقّ المودعين، قال شماس: “إنّ الدستور اللبناني يمنع التمييز بين المواطنين، كذلك وضعْ اليد على الملكية الخاصة، خاصة أن تلك الودائع قد تمّ إستغلالها لتحقيق المنفعة العامة لعشرات السنين من خلال دعم العملة الوطنية، والسلع الإستهلاكية على إختلافها، وصولاً إلى المحروقات على أنواعها. فغريب أمر صندوق النقد الذي يرفع المسؤولية عن الدولة ويرميها بالكامل على كاهل فئة من المودعين، مع التذكير أن ما تمّ إرتكابه من خطايا بعد 17 تشرين الأول (اكتوبر) 2019، هو التخلّف عن تسديد الـ Eurobonds ودعم سلع وجهتها الأساسية هي التهريب، لا يقلّ خطورة عما إرتُكب من أخطاء قبل هذا التاريخ، وليس للمودعين أي علاقة بالموضوع في كلتا الحالتين. والأنكى من ذلك، أن صندوق النقد لم يكتفِ بالمطالبة بالتدابير الآيلة إلى شطب الودائع بشطحة قلم، بل أنه بدأ أيضاً بالتسويق لسلّة متكاملة من الضرائب والرسوم، تبدأ بالدولار الجمركي على سعر صيرفة وما بعد صيرفة، ولا تنتهي بالضريبة على الدخل وعلى القيمة المضافة، وسواهما من الضرائب. وذريعة الصندوق في ذلك أن مداخيل الدولة أصبحت الأدنى منذ إنتهاء الحرب، متناسياً أن جميع المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية وقعت هي أيضاً في القعر، في حين أن أسعار الخدمات إرتفعت بشكل صاروخي، وأن مؤشر التضخم العام ناهز إرتفاعه 1 بالألف منذ بداية الإنهيار”.
بناءً على كلّ ما تقدّم، أنهى شماس حديثه بالقول: “تطالب جمعية تجار بيروت، وبإلحاح، صندوق النقد الدولي، بضرورة الإقلاع عن الوصفات الجاهزة والتي لا تتناسب البتة مع الوضع اللبناني الراهن، والأخذ بالحسبان خصوصيات لبنان المالية والإقتصادية والإجتماعية، علمًا أنّ أيّ طرح يُعفي الدولة من مسؤولياتها الجسيمة ويصادر أموال المودعين، ويرهق الإقتصاد الوطني ويستنزف المجتمع اللبناني، هو مدمِّر لثقة الأقربين والأبعدين، ولن يقوم للبنان قائمة في ظلّه”.