الرئيس الفرنسي وعقيلته يتقدمان الحضور للترحيب بهم
بحضور العشرات من رؤساء الجمهورية والحكومات والملوك والقادة، إضافة إلى السيدة الأولى للولايات المتحدة جيل بايدن ممثلة زوجها الرئيس جو بايدن (81 عاماً) الذي يتعافى من فيروس كورونا، انطلق حفل الإفتتاح غير المسبوق للألعاب الأولمبية الصيفية على نهر السين وسط تعزيزات أمنية استثنائية، عكّر صفوها، بطبيعة الحال، تعرّض شبكة سكك الحديد الفرنسية لهجوم تسبب باضطرابات كبيرة في حركة القطارات السريعة، وكذلك أدّى الى اغلاق المطار السويسري الفرنسي لأسباب أمنية. وقد لوحظ في هذا المجال أن أي دعوة لم توجّه الى أي مسؤول روسي لتمثيل الرئيس فلاديمير بوتين، بسبب الحرب التي شنّتها روسيا على جارتها أوكرانيا، في حين عُززت الإجراءات الأمنية للوفد الإسرائيلي بعد تصاعد التوتر بسبب القصف المستمر على قطاع غزة بعد الهجوم الذي شنته حركة «حماس» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وحتى كتابة هذه السطور لم يُعرف اذا الرئيس الأوكراني زيلينسكي سيحضر أم لا، مع الإشارة الى أنه سُمح لمجموعة صغيرة من الرياضيين الروس والبلاروس بالمشاركة في الألعاب تحت علم محايد وبشروط صارمة. وما لفت أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر، الحريص على تعزيز العلاقات مع فرنسا، كان حاضراً في المدرّجات المطلّة على نهر السين لمشاهدة العرض النهري المذهل، اذ أن “ألعاب باريس 2024 هي حدث كبير لفرنسا ولكن لبريطانيا أيضاً”، كما قالت سفيرة بريطانيا في فرنسا مينا رولينغز، مضيفة أن “حوالي 500 ألف بطاقة بيعت في بريطانيا”.
ومن الجدير ذكره أن الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ حضر مراسم حفل الافتتاح تحت حماية مشددة، على رغم احتجاجات طهران، ومثّل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية جبريل الرجوب. علماً أن الرئيس الصيني شي جينبينغ غاب عن النسخة الحالية في باريس، ومثلّه نائبه هان تشنغ. كما كلّف الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا عقيلته روزانجيلا بتمثيل البلاد، بينما أكد الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي ونظيره الكولومبي غوستافو بيترو حضورهما. في حين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ليسا على قائمة ضيوف الإليزيه.
وهكذا تعود باريس، انطلاقاً من الجمعة 26 تموز حتى 11 آب، إلى استضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية، بعد مئة عام على تنظيمها في 1924، وذلك بحفل افتتاح تاريخي وغير مسبوق، وسط تعزيزات أمنية استثنائية، وبأنظار مسلّطة على كثير من النجوم لترسيخ مكانتهم الأولمبية والعالمية.
ولا بدّ من الإشارة هنا الى أنها المرة الأولى في تاريخ الألعاب الصيفية، ينظّم هذا الحدث خارج الملعب الرئيس لألعاب القوى في العرض الافتتاحي، اذ نقل المنظّمون الحدث إلى خارجه، وتحديداً إلى قلب العاصمة، تماشياً مع شعارهم «الألعاب مفتوحة على مصراعيها”. ومن المقرّر أن يبحر ما بين 6 الى 7 آلاف رياضي على مسافة 6 كيلومترات في نهر السين على متن 85 عبّارة وقارباً، وذلك في ظل حماية أمنية استثنائية يُشارك فيها عشرات الآلاف من قوات الأمن والجيش من أجل ضمان أمن حفل الافتتاح، علماً أنه لم يحدث من قبل أن تمّ حشد هذا العدد الكبير للمشاركة في عرض الوفود المشاركة.
وككل حدث رياضي عالمي يُصرف له جهدان: تنظيمي ومالي، لا بدّ من انتقادات توجه من هنا أو هناك ولأمور لا تستحق التوقف عندها أمام ضخامة هذا المهرجان العالمي. من ذلك ما تحدث عنه البعض من أن “نوعية الطعام داخل القرية الأولمبية بعيدة عن المعايير التي اعتُمدت في «أولمبياد طوكيو 2020»، اذ كانت خدمات الإطعام في مستوى عالٍ من الجودة”. ولم تقتصر الانتقادات على نوعية الطعام”، بل امتدت إلى خدمات النقل، حيث اضطر عدد من الرياضيين ومدربيهم إلى استخدام المترو وحتى سيارات الأجرة للتنقل من القرية الأولمبية إلى أماكن التدريب، ثم العودة إليها، هرباً من اختناقات المرور، وأيضاً اختصاراً للوقت. وقد لاحظ ضمن هذا الإطار أن رؤساء الوفود المشارِكة في دورة «باريس 2024» تناولوا علناً هذه «المشكلات» في اجتماعاتهم اليومية، ورفعوا الصوت كذلك لعلّ لجنة التنظيم تأخذ بملاحظاتهم وتصحح هذه الاختلالات؛ لضمان نجاح كبير لهذه الألعاب.
الى ذلك، يُشار الى أن المسؤولين عن تغطية هذا الحدث الرياضي العالمي، يتوقعون حصول أكثر من 4 مليارات قرصنة سيبرانية استعدوا لمواجهتها في أول مركز موحّد للأمن السيبراني في تاريخ الأولمبياد ويفرق استخبارات ونماذج الذكاء الإصطناعي، علماً أن دورة ألعاب طوكيو عام 2021 شهدت حوالى 450 مليون حادث من هذا النوع. لكن حجم الحوادث السيبرانية المتوقعة للألعاب الحالية، أعلى بعشر مرات على الأقل، ما استلزم اجراءات وتدابير اضافية. ومن القرصنة التي حصلت انتشار مقطع فيديو مزيف يُزعم أنه من وكالة المخابرات المركزية الأميركية وفيه تحذير للأميركيين من استخدام مترو باريس بسبب خطر وقوع هجوم إرهابي. كما ظهر فيلم وثائقي مزيف منسوب إلى «نتفليكس» يظهر فيه الممثل الأميركي توم كروز يدين قيادة اللجنة الأولمبية الدولية.
عند السؤال عن أنواع التهديدات السيبرانية التي قد تواجهها الألعاب الأولمبية، قال مدير الأعمال والتكنولوجيا في “سيسكو فرنسا” التي تتولى ادارة مركز الأمن السيبراني الموحدّ للأولمبياد، واسمه اريك غريفيير، ان “المخاطر الأساسية قد تتمثل في انقطاع المسابقات والبث، ما يؤثر بشكل مباشر على نجاح الحدث وإيراداته. أما التهديدات الأخرى فتتراوح بين سرقة البيانات ونشر برامج الفدية والتخريب”. ويوضح أن «فريق استخبارات التهديدات (سيسكو تالوس) يراقب باستمرار الأنشطة التي قد تشير إلى تهديدات محتملة”.
من المخاوف أيضاً مخاطر صحية على الرياضيين والمشجّعين في «أولمبياد باريس 2024» غير مخاطر السباحة في نهر السين، هي حمى الضنك وغيرها من الالتهابات المنقولة التي تثير القلق، وفق تقرير لمجلة «فوربس”، منها حمى الضنك (المؤلمة للعظام والذي ينقل بعض البعوض فيروسها)، كذلك ارتفاع نشاط الإنفلونزا وكورونا في أوروبا والعالم عموماً، وهو ما دفع الرياضيين قبلاً ولتفادي الإصابات، إلى ارتداء الأقنعة. وقد تواجه الألعاب الأولمبية، التي تتوقع حضور 15 مليون زائر، تفشي فيروس كورونا في الأماكن المزدحمة. يضاف الى كل ما تقدم نوعية مياه نهر السين، اذ ظلّ هذا النهر محظوراً لأكثر من مئة عام بسبب التلوث. وشملت جهود تنظيفه منشأة كبيرة لتخزين مياه الأمطار بتكلفة 1.55 مليار دولار. وقد سبحت العمدة آن هيدالغو مؤخراً في نهر السين، لكن جودة مياه النهر لا تزال محط شكوك. ومن هنا المخاوف لا تزال قائمة.
والى ما تقدم، فإن باريس تحتل المرتبة الرابعة في أوروبا من حيث تلوث الهواء القاتل، ما يؤدي إلى تفاقم مشاكل الجهاز التنفسي، وسط زيادة تدفق السياح. وقد تؤدي الحرارة وسوء نوعية الهواء، إلى حدوث ضربات حرارية وتفاقم الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن. كذلك، من المتوقع حدوث عدوى منقولة بالغذاء، وأخطاء الجهاز الهضمي مثل النوروفيروس. وشهد السعال الديكي، وهو شديد العدوى ويعود للظهور، 32037 حالة في أوائل عام 2024، منها أكثر من 5800 حالة في فرنسا. وأبلغت الحصبة، التي ترتفع بسبب انخفاض معدلات التطعيم، عن 56634 حالة إصابة، وأربع وفيات في أوائل عام 2024، ما يشكل مخاطر كبيرة. وسوف تجتذب الألعاب الأولمبية نحو 11.5 مليون سائح، مما يزيد هذه المخاطر الصحية.
هذه المعوقات لن تمنع، بطبيعة الحال، هذه التظاهرة الرياضية الضخمة من انطلاقتها وصولاً الى الخواتيم السعيدة، وان كانت شركة Allianz العالمية التي تتولى تغطية القسم الأكبر من الأولمبياد تصلّي- نعم تصلّي- آملة عودة آمنة للمشاركين، رياضيين ومتفرجين، عودة آمنة الى منازلهم…