هل حان وقت التزوّد بوثيقة سفر صحيّة إضافيّة؟
سنتيا تبشراني
حفاظًا على الخصوصيّة، استبعد البيت الأبيض، قبل أيّام، فرض جوازات سفر إلزاميّة للتطعيم ضدّ فيروس كورونا، في وقتٍ رُوِّجت خططٌ تدعو جميعها إلى فرض العمل بـ “جوازات سفر كوفيد” في جميع أنحاء العالم، كوسيلة لتمكين الأشخاص من التنقّل الآمن أثناء مكافحة الوباء. ويعود اعتراض البيت الأبيض على هذه الخطط، إلى أنّ مثل هذه الجوازات قد تُعتبر وسيلة للتمييز بين البشر، ومن هنا معارضتها أيّ نظام يطلب من الأميركيّين حمل وثائق اعتماد تطعيم للأفراد.
لكنّ هذا الموقف الأميركي المستجدّ لا يُلغي المساعي الناشطة لإيجاد حلول لإعادة تعزيز حركة السفر وتزخيمها، إذ أنّ البعض طرح ضمّ، إلى التأشيرة وجواز السّفر، ما يفيد أنّ هذا المسافر قد تلقّى لقاحًا ضدّ فيروس كورونا. ومن الأدلّة على ذلك، ووفق ما أذاعت قناة CNN الأميركيّة، فإنّ تقريرًا لعدد من الشركات والمجموعات التكنولوجيّة أظهر أنّ هذه الأخيرة بدأت بتطوير تطبيقات أو أنظمة للهواتف الذكيّة تكشف تفاصيل عن فحوص الكشف عن فيروس كورونا التي خضع لها المسافر واللقاح الذي تلقّاه، ما من شأنه تكوين بيانات اعتماد رقميّة يمكن إبرازها عند ارتياد المسارح والمكاتب، وحتّى لدى دخول الدول. وقد أبرز التقرير المُشار إليه مبادرة أطلقتها منظمة The Comment Project والمنتدى الاقتصادي العالمي مع عدد من شركات الطيران مثل Cathay Pacific وJet Blue وLufthansa وSuiss airlines وUnited airlines وVirgin Atlantic، تقضي بتطبيق Common Pass يُتيح للمستخدمين تحميل بيانات طبيّة مثل نتيجة فحص كورونا أو شهادة تلقيح صادر عن مستشفى أو طبيب، وبالتالي استحداث شهادة طبيّة أو تصريح يتّخذ شكل رمز استجابة سريعة QR Code، يمكن إبرازه للسلطات من دون الكشف عن معلومات حسّاسة.
إلى ذلك، طوّرت شركة IBM تطبيقًا حمل اسم Digital Health Pass يُتيح للشركات والأماكن الاطّلاع على تفاصيل تطلبها، لدخول أحدهم بما في ذلك فحوص كورونا وفحوص الحرارة وسجلاّت التلقيح، على أن يتمّ تخزين هذه البيانات في محفظة متنقّلة. ولم تتوقّف المحاولات عند هذا الحدّ، بل أنّ شركة Linux Fondation أبرمت شراكة مع مبادرة Covid 19 Credentials وهي مجموعة تضمّ أكثر من 300 شخص يمثّلون عشرات المنظمات العالميّة ويعملون مع Common Pass، لتطوير مجموعة من المعايير العالميّة لتطبيقات بيانات اعتماد اللقاحات. ويقول بهذا الصّدد مدير Linux Fondation التنفيذي بريان بيهليندورف: “إذا نجحنا، سيكون المرء قادرًا على القول: لقد حصلتُ على شهادة تلقيح على هاتفي عندما تلقّيت اللقاح في بلدٍ ما. إنّ هذه الشهادة قابلة للتشغيل مثل البريد الالكتروني”.
ولكن ماذا لو لم يكن المسافر يحمل هاتفًا ذكيًا؟
بحسب تقرير لـ CNN، فإنّ عددًا من الشركات ضمن مبادرة Covid 19 Credentials، تعمل على تطوير بطاقة ذكية تمثّل حلاًّ وسطًا بين شهادات التلقيح الورقيّة التقليديّة والنسخة الالكترونيّة، أي أنّ المساعي تدور حول كيفيّة تخزين بيانات الاعتماد الرقميّة وتقديمها ليس عبر الهواتف الذكية فحسب، بل بطرق أخرى تناسب الأشخاص العاجزين عن الاتصال بشكل مستقرّ بالانترنت، وأيضًا الذين لا يمتلكون هواتف ذكية.
وبالنسبة لموضوع الخصوصيّة، فإن الشركات التي سبق ذكرها والتي تقوم بهذه الدراسات، أشارت إلى أنّ هذه الخصوصيّة تمثّل محور مبادرتها، إذ أنّ المستخدم يمكنه التحكّم بقرار الموافقة أم الرّفض على استخدام البيان الصحّي.
ثمّة مشكلة أخرى طُرِحت أيضًا، على هذا الصعيد، تتمثّل في كيفيّة التعرّف إلى اللقاح الذي حصل عليه المسافر قبل الدخول إلى بلد معيّن أو مكان عام، كالمطاعم والمسارح وغير ذلك. هل اللقاح “فايزر” أم روسي، أم صيني… ما يتيح للسلطات اتخاذ القرار بناءً على اسم اللقاح، إذ أنّ فعاليّة اللقاحات تختلف: فلقاح “سينوفارم” الصيني يؤمّن حماية بنسبة 86 بالمئة، في حين أن “فايزر” و”مودرنا” يؤمّنان فعالية بنسبة 95 بالمئة تقريبًا.
قضية أخرى طُرحت في أثناء التشاور وهي حول قدرة اللقاح على نقل العدوى أو لا. وإلى حين توضيح ذلك، لن يُعرف مدى فعاليّة جوازات السفر، إذ أنّ إحصاء أجرته Euro News أظهر أن ثلث الفرنسيّين فقط موافقون على تلقّي التطعيم، بينما 63 بالمئة من البريطانيّين اقرّوا أنهم سيأخذون اللقاح ،يليهم الالمان بنسبة 57 بالمئة والإيطاليين بـ 55 بالمئة، بينما يفضّل أكثر من 40 بالمئة من الاسبان عدم تلقيّ اللقاح، أيًّا يكن نوعه، على الاطلاق وفقًا لمسحٍ أجراه مركز البحوث الاجتماعيّة في اسبانيا.
وهنا يُطرح سؤال كبير: ماذا يحدث إذا رفضت أعداد كبيرة من السكان عدم تلقّي اللقاح؟
في القانون المدني في اسبانيا، فالعلاج أو الفحص الطبّي الاجباري يمكن أن يؤثّر على الحقوق الأساسيّة المنصوص عليها في دستور البلاد، ولكن القانون الأساسي للصحّة العامة، في المقابل، ينصّ على أن السلطات الصحيّة مُلزمة اعتماد تدابير للفحص أو العلاج عندما يكون هناك دليل على وجود خطر داهم على صحّة السكان بسبب حالة صحيّة لشخص أو مجموعة من الناس. ومن هنا، إذا أعلنت السلطات الصحيّة ما يبرّر فرض تلقّي اللقاح، فلا بدّ من الإذعان لهذا القرار لعدم وجود أي عقبة قانونية أمام هذا الفرض.
من ناحية أخرى، فإنّ الزخم الذي رافق برامج التطعيم في بعض البلدان عزّز فكرة استئناف السفر الدولي المنتظم. وقد أظهرت النتائج الأخيرة الصادرة عن التصنيف الأصلي لجميع جوازات السفر في العالم، وفقًا لعدد الوجهات التي يُمكن لحامليها الوصول إليها دون تأشيرة مسبقة Henley Passport Index، أنّ اليابان تحتفظ بالمركز الأوّل، اعتمادًا على بيانات حصريّة من اتحاد النقل الجوي الدولي IATA، لأنّ حاملي جوازاتها قادرون، نظريًا، على الوصول إلى عددٍ قياسي من الوجهات يبلغ 193 وجهة حول العالم من دون تأشيرة، في حين تحلّ سنغافورة ثانية بوصول مواطنيها إلى 192 وجهة دون تأشيرة أو بتأشيرة عند الوصول، بينما تحتلّ المانيا وكوريا الجنوبية المركز الثالث إذ أنّ لكلٍ منهما امكانية الوصول إلى 191 وجهة. إلى ذلك، لا تزال المملكة المتّحدة والولايات المتحدة تواجهان تراجعًا مستمرًّا في قوة جوازَيْ سفرهما، بعدما كانا احتلاّ المرتبة الأولى عام 2014 فيما هما يحتلاّن حاليًا المركز السابع مع إمكانية وصول المسافر الانكليزي والأميركي إلى 187 دولة دون تأشيرة أو تأشيرة عند الوصول. على أنّ دولة الإمارات العربيّة تواصل صعودها الممتاز، فبعد احتلالها المرتبة 65 برصيد 67 وجهة دون تأشيرة أو بتأشيرة عند الوصول عام 2011، احتلّت حاليًا المرتبة 15 بوصولها إلى 174 وجهة.
من الاستنتاجات التي خلُصت إليها مجمل الدراسات، وهي استنتاجات لا تدعو كثيرًا إلى التفاؤل، أنّ النصف الثاني من العام الحالي قد يشهد تشتّت ملايين الأشخاص مرّة أخرى، كما أن أنماط الهجرة المتغيّرة في عالم ما بعد كوفيد ستكون خارج التصوّر ولا يمكن توقّعها، وأنّ أزمات عديدة ستتكشّف من الأوبئة، إلى تغيّر المناخ، إلى الاستقطاب السياسي، وقد تسعى البلدان التي تواجه ضغوطًا مالية، بالإضافة إلى عملتها الباهرة ونقص الاستثمار فيها، إلى جذب وتوظيف الجميع من روّاد الأعمال المبتدئين الذين يمكنهم تحفيز الابتكار إلى الأطبذاء والممرضات الذين يمكنهم تعزيز خدمات الصحّة العامّة. إنّ “حربًا عالميّة” لجذب المواهب تجري حاليًا على قدمٍ وساق مع التذكير أن الانتعاش الاقتصادي والتنمية يعتمدان على التنقّل العالمي، بما في ذلك حريّة السفر الشخصيّة، ولهذا لا ينبغي أبدًا اعتبار قوّة جواز السفر أمرصا مفروغًا منه.