إعداد: رباح حيدر
الصداقات التي بناها اللبنانيّون على مدى العقود الماضية ومع دول عربيّة شقيقة ودول أجنبيّة من القارات كافة، تجسّدت بهذه الهبّة الواحدة لمساعدة المنكوبين في العاصمة اللبنانية، بعد الانفجار المزلزل الذي أصاب مرفأ بيروت.
لقد كانت الحاجة ألأساسيّة الملحّة لوزارة الصحّة في لبنان، هو حصولها على مستشفيات ميدانيّة وأدوية ومستلزمات طبيّة، وما هي إلاّ ساعات حتّى امتلأت الساحات في مناطق لبنانيّة عدّة بتلك المستشفيات ومعها الأدوية والمستلزمات للاستعانة بها في تضميد جراح المصابين، وفي إجراء عمليات جراحيّة مستعجلة مع وصول رقم الجرحى، من جرّاء هذا الانفجار، إلى سبعة آلاف شخص، علمًا أنّ عدد المتوفّين تجاوز المئتَيْن في تقرير أوّلي. ولم تقتصر المساعدات على المستشفيات الميدانيّة (لملء فراغ كبير تسبّبتْ به الأضرار التي أصابت مشافيَ كبيرة في العاصمة، وبعضها توقّف عن العمل وعن استقبال المرضى)، بل إنّ المساعدات تنوّعت وتعدّدت من بلدان عربيّة شقيقة ودول أجنبيّة صديقة. وما لفت وصول شحنَتَيْن غير متوقّعتَيْن: الأولى من موريتانيا عبارة عن 12 طنًّا من الأسماك، والثانية من سيريلنكا تضمّنت 1675 كيلوغرامًا من الشاي السيلاني الفاخر.
والواقع أنّ تعداد أسماء الدول المساعِدة جرّاء انفجار المرفأ قد لا يمرّ من دون الوقوع في السهو أو الخطأ، لكثرة هذه الدول وتنوّع مساعداتها. وعلى سبيل المثال، فإنّ روسيا كانت سبّاقة إلى إقامة مستشفى ميداني في المدينة الرياضيّة متخصّص بإجراء العمليات الجراحيّة البسيطة ومعالجة الأطفال. وبعدها كرّت السبّحة: مستشفى إيراني في الجامعة اللبنانية في الحدث، مستشفى مغربي في الكرنتينا، مستشفى أردني في تلّ الزعتر وآخر قطري وُضع في باحة مستشفى القديس جاورجيوس (الروم) في الأشرفية، ومستشفى من العراق. وكان لافتًا تصريح للرئيس التونسي قيس سعيد أعلن فيه استقبال المستشفى العسكري وباقي المستشفيات في تونس، مئة جريح لبناني لمعالجتهم. ومن لم يُرسل من الدول مشافي ميدانيّة، سارع إلى شحن مساعدات طبيّة وغذائيّة، كما كان الحال مع الكويت (التي وعدت بإعادة بناء المرفأ على نفقتها الخاصة)، والسعوديّة ودولة الإمارات ومصر واللائحة تطول. ولا بدّ هنا من التوقّف عند المبادرة المصريّة الفريدة من نوعها التي أرسلت بناء على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكما أعلن د. خالد عبد الغفّار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وفدًا طبيًا قوامه عشرون شخصًا من أساتذة الجامعات المصرية المختلفة، متخصّصون بالجراحة العامة وجراحات العظام والحروق والمسالك البولية والأطفال وأمراض العيون والأنف والأذن والحنجرة، بالإضافة إلى أساتذة متخصّصين بالطبّ النفسي، وذلك لتقديم الدعم الطبّي للبنانيّين من خلال المركز الصحّي التابع لجامعة بيروت العربية. كذلك قامت وزارة الصحّة في مصر بتوفير كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات والمحاليل الطبيّة التي تمّ نقلها على طائرة عسكرية للمركز الصحّي التابع للجامعة العربية ببيروت. وفي تصريح له، أكّد الوزير عبد الغفّار أنّ “دعم الأشقّاء في لبنان هو جزءٌ من قيام الدولة المصريّة بواجبها تجاه الدول الشقيقة والصديقة وأنّه يتمّ التنسيق مع رئيس الجامعة العربيّة ببيروت والسلطات الصحيّة اللبنانيّة لدراسة توفير كوادر بشريّة بشكل دوري بناء على الاحتياجات”.
من المساعدات اللافتة أيضًا وصول فريق تشيلي للبحث والانقاذ ومعه كلب مدرّب (اسمه فلاش، 5 سنوات، من نوع بوردر كولي) في الكشف عن البشر في ظروف معيّنة، سواء كانت مدفونة بسبب جريمة أو كوارث طبيعيّة أو مخفيّة على السطوح أو مغمورة في الماء. وعندما يلتقط رائحة بشريّة يُرسل إشارة إلى مدرّبه الذي يحدّد بعد ذلك، المنطقة التي يمكن أن يكون فيها الانسان متوفّيًا كان أم حيًّا. وتستطيع هذه الكلاب المدرّبة البحث في منطقة ثلاثيّة الأبعاد باستخدام حاسة الشمّ. لكنّ “فلاش” الذي استشعر بوجود حيّ تحت الأنقاض، فشل لاحقًا، إذ ربما كان استشعاره عائدًا إلى مرور حيوان صغير (كالهرّة مثلاً) من تحت الانقاض.
وكي نكون صادقين مع أنفسنا وموضوعيّين في تسجيل أسماء الدول والمساعدات التي قدّمت للبنان، ننشر في ما يلي (ودائمًا ما عدا السهو والخطأ) أسماء الدول التالية:
– بريطانيا (مساعدات بقيمة 6،6 مليون دولار)، قبرص (مروحيّتان وعشرة رجال إنقاذ وثمانية كلاب مدرّبة)، الدانمارك (حزمة مساعدات بمليون دولار)، فرنسا (55 رجل أمن وستة أطنان من المستلزمات الطبيّة، إضافة إلى عشرة أطبّاء طوارئ)، المانيا (فريق إنقاذ من 47 فردًا ومليون يورو مساعدات لمراكز الاسعافات الأوليّة في بيروت)، اليونان (فريق إنقاذ ومساعدات)، أيطاليا (8 أطنان من المستلزمات الطبيّة)، هولندا (67 طبيبًا وممرضًا ورجال اطفاء)، النرويج (مساعدات بمليونَيْ دولار)، بولندا (مستلزمات طبيّة ورجال إنقاذ)، تركيا (إغاثة ومطبخ في مخيّم للاجئين الفلسطينيّين لتقديم الطعام للمحتاجين)، المغرب (20 طائرة مساعدات)، السعودية (جسر جوّي من التبرّعات الاغاثيّة والخيريّة والإنسانيّة)، فرنسا (جسر جوّي نقل أكثر من 18 طنًّا من المساعدات ونحو 700 طن من المساعدات الغذائيّة)، الولايات المتحدة (مساعدات بقيمة 15 مليون دولار أميركي).
وإلى المساعدات الخارجيّة التي عدّدناها (ما عدا السهو والخطأ)، فقد بادر لبنانيّون في الداخل وفي عالم الاغتراب، إلى تقديم مساعدات مالية لجمعيّات محليّة عملت على إعادة بناء ما تهدّم، فضلاً عن إصلاحات داخليّة وخارجيّة لمنازل في المناطق الأكثر تضرّرًا، كالجمّيزة، مثلاً. وأبرز تلك الجمعيّات، جمعية “فرح العطاء” التي أسّسها في العام 1985 نقيب المحامين الحالي ملحم خلف والذي يتولّى إدارتها. ومنذ تأسيسها إلى اليوم، كانت لهذه الجمعيّة الأيادي البيض في استصلاع وترميم السجون والمدارس، الرسميّة والمنسيّة خصوصًا، وشوارع في الأشرفية وبرج أبي حيدر، وستتوجّه قريبًا إلى طرابلس، العاصمة الثانية التي نكبها الفقر والعَوز…
وإذا كان الصديق يُعرف وقت الضيق، فإنّ أصدقاء لبنان، وما أكثرهم، شمّروا عن سواعدهم وحضروا إلى العاصمة بيروت يحتضنون تراثها الثقافي والعمراني، كما أهلها الذين نقلوا المعرفة والخبرات حيثما حلّوا، في ترحالهم… فشكرًا للجميع، وشكرًا خاصًا للصليب الأحمر اللبناني الذي أثبت مرّة من جديد اندفاع قيادته ومتطوّعيه لبلسمة جراح اللبنانيّين والوقوف إلى جانب المرضى وتقديم الاسعافات الطبيّة المغلّفة بالإنسانيّة والمحبة. شكر آخر مماثل إلى الدفاع المدني وأطفاء بيروت وكافة العناصر الأمنيّة، وقد استشهد منها جميعًا، شبابٌ خاطروا بحياتهم لإنقاذ مواطنين والتأكيد للعالم أجمع، أنّ بيروت، كما لبنان، سيخرجان من بين الأنقاض معافَيْن مُفعمَيْن بالإيمان والتقوى والجرأة في المبادرة واتخاذ القرارات، ليعودا منارة الشرق والغرب معًا، لأنّهما كالمعدن الأصفر كلّما انصهر إزدادا وهجًا وتألّقًا ولمعانًا!