رمزي الصبّوري
في وقتٍ تستعدّ فيه شركات لبنانيّة للانتقال إلى خارج لبنان بسبب الظّروف الضّاغطة معيشيًا واقتصاديًا، تسهيلاً لأعمالها واتّصالاتها مع الخارج، نجِد أن شركات أجنبيّة ترى أنّ انطلاقتها قد تنجح بسهولة أكثر من لبنان نظرًا إلى قطاعه المالي الديناميكي والسريع في ردّة الفعل والاستيعاب، وكذلك للخبرات الطويلة المتراكمة على مرّ السنين الماضية لا سيّما في المجالَيْن المصرفي والمالي.
نسوق هذه المقدّمة لنتوقّف عند حدثٍ مالي كبير ستشهده منطقة الـ MENA (الشرق الأوسط وشمال افريقيا) في تشرين الأوّل المقبل مع انطلاق أوّل بطاقة بيومتريّة للدفع بدأت بالإعداد لها شركة Zwipe النروجيّة منذ العام 2009 حتى العام 2018 عندما تمّ اختراع هذه البطاقة الأولى في العالم لاستخدامها وسيلة جديدة في الدفع الالكتروني والتي يُرجّح أن تتوافر مستقبلاً بين أيدي المستهلكين بنسبة عالية قدّرتها “ماستر كارد” بتسع من أصل عشر بطاقات ائتمان موجودة في العالم، أي ما يشكّل 90 بالمئة من أصل أربعة مليارات بطاقة متداولة حاليًا في الدول كافة.
وإذا كان ما سَبَق ذكره يمثّل مفاجأة كبيرة للقائلين أنّ لبنان بات على هامش الأحداث الاقتصاديّة والماليّة، فإنّ المفاجأة الأكبر أن المدير العام لهذه الشركة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا، هو لبناني وأحد أبرز الخبراء في موضوع البطاقات الائتمانيّة على المستوى العالمي، عنينا به السيد رمزي الصبّوري الذي تولّى بعد خبرة طويلة في شركة “فيزا”، إدارة شركة areeba المتخصّصة في تكنولوجيا الدفع الالكتروني. وقد تمّت الاستعانة به من قبل Zwipe بعد مفاوضات مثمرة أدّت إلى تعاقده مع هذه الشركة.
فماذا عن Zwipe وما أهميّة البطاقة التي ستطلقها في تشرين الأوّل المقبل؟
في هذا الحديث الذي أجريناه مع السيّد الصبّوري، إجابات كافية ووافية وواضحة تردّ على الكثير من التساؤلات.
سألناه بداية: ماذا عن هذه الشركة وكيف حصل اللقاء بينك وبين القيّمين عليها؟ أجاب:
– zwipe، هي شركة تتعاطى العمل البيومتري. تأسّست في العام 2009 وانكبّت على ابتكار البطاقة الائتمانيّة البيومتريّة Biometric Payement، التي تعمل بواسطة الحواس، كتسجيل البصمة أو أية حاسة أخرى (العين مثلاً). ولكن لماذا النروج وراء هذا النوع من الاختراعات لا دولة أخرى أكثر تقدّمًا في الحقل التكنولوجي، فلإنّها معروفة بخدماتها المصرفيّة المتقدّمة في العالم، كما الحال مع البلدان الاسكندنافية الأخرى (السويد على سبيل المثال). ومن المعروف أنّ هذه الدول تُعدّ اليوم الوحيدة في العالم التي لم تعد تستعمل العملة الورقيّة Cashless.
شخصيًا، تعرّفتُ إلى القيّمين على هذه الشركة في العام 2018، وكنت أمارس مسؤوليّاتي في شركة areeba، بعدما سجّلتْ تقدّمًا كبيرًا في كلّ ما يتعلّق بالـ Biometric ومنها ابتكارها البطاقة البلاستيكيّة التي أُجريت عليها التجربة الأولى قبل أن تُصبح في متناول زبائن المؤسّسات والمصارف وتصبح تجاريّة، وبعدما حصلت على موافقة شركتَيْ “فيزا” و”ماستر كارد” لكي تدخل هذه التكنولوجيا إلى بطاقتَيْهِما رسميًا.
تابعتُ تطوّر هذه الشركة ورافقتُ تطوّر ابتكارها إلى أن أعلنت zwipe في العام 2018 الجيل الأوّل من البطاقة البيومتريّة. وكان من الطبيعي أن تنشأ بين القيّمين عليها وبيني، علاقة تعاون وعمل بسبب توجّهنا المهني المشترك. وعندما تقرّر إطلاق التجربة الأولى، تشاركنا في انتقاء سبعة مصارف لبنانيّة زوّدنا كلاًّ منها بعشرين بطاقة لتوزّع على مدراء وزبائن (VIP) لاستخدامها مدّة شهرَيْن، على أن يُصار بعد انقضاء هذه الفترة، إلى تقييم هذه التجربة من قبل خبراء متخصّصين لتصحيح أيّ شائبة يمكن أن تكون قد اعترتها. ومن العام 2018 حتى تاريخه، كانت شركة Zwipe تعمل على تطوير بطاقة الجيل الأوّل وتحسين أيّ خلل فيها، إلى أن توصّلت اليوم إلى بطاقة الجيل الثالث.
س: ما الفرق بين بطاقة الجيل الأوّل والجيل الثاني؟
ج: الفرق يكمن في أنّ الشركة طوّرت البطاقة وعزّزت قدرتها بأقل كلفة وبأفضل تكنولوجيا وأقلّ فذلكات تقنيّة كي لا تكون معرّضة للأخطاء، ولكي تصبح أكثر فعاليّة. ومع هذا النجاح، أصبحت Zwipe الشركة الوحيدة في العالم التي تمكّنت من الوصول إلى الجيل الثالث، على رغم أن عددًا كبيرًا من الشركات العالميّة المنافسة حاولت التقدّم، لكنّها لم تُوفّق فبقيت في المرحلة الأولى من الجيل الثالث، فيما Zwipe أطلقت النسخة المتطوّرة المنقّحة للجيل الثاني والتي يمكن استخدامها على نطاق واسع، وخاصة أنها ليست بحاجة إلى بطارية للشحن، إذْ هي تأخذ طاقتها من جهاز الـ POS المخصّص للسحب كلّما وُضعت عليه.
على أنّ نجاح بطاقة الجيل الثالث تمثّل بإدخال Zwipe على الشريحة الالكترونيّة ما يُسمّى بـ Single silicon security، أي طبقة واحدة فقط تضمّ جميع المعلومات داخل هذه البطاقة البلاستيكيّة، بينما بطاقات الجيل الأوّل كانت تحتوي على ثلاث طبقات مُتخمة بالمعلومات والتكنولوجيا. وأدّى هذا التحسين إلى رخص سعر البطاقة وإلى تمديد عمر استخدامها إلى خمس سنوات.
لقد أصبحت بطاقة Zwipe جاهزة اليوم للانطلاق التجاري بعدما أكّدت شركتا “فيزا” و”ماستر كارد”، على جودتها ووضعت تصنيفًا لهذه الجودة، وستكون انطلاقة هذا المنتج في العالم في تشرين الأول المقبل، متقدّمة بذلك على الشركات المنافسة بحوالى سنة من التطوّر التكنولوجي.
س: ما دخل “فيزا” و”ماستر كارد” في هذا الابتكار الجديد؟
ج: إنّ كلّ ما هو تكنولوجي وله علاقة بموضوع الدفع الالكتروني يجب أن يحصل على تصنيف من هاتَيْن الشركتَيْن، فإذا كان التصنيف يؤكّد المعايير العلميّة، تطلب الشركة، وكما فعلت Zwipe، من المصنّعة للبطاقات Card Manifactury إنتاج بطاقات خاصة بها بعد تزويدها بالشريحة التي يجب أن تتصدّر البطاقة والتي تحتوي على التكنولوجيا المطلوبة.
س: كيف سيتمّ إطلاق هذه البطاقة.. هل من منطقة الشرق الأوسط؟
ج: قرّرت Zwipe، وهي شركة عالميّة، أن يكون لها تواجد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فانصبّ الاهتمام عليّ، وطُلِب منّي تولّي مهمّات المدير العام لهذه المنطقة، وبعد عدّة مناقشات، قبلت بالمنصب.
س: لماذا اختاروا مصارف لبنانيّة لإجراء الاختبار وليس مصارف من منطقة الـ MENA؟
ج: أنا أعمل في هذا المجال منذ ما يُقارب العشرين عامًا، وجميع الشركات العالميّة تعرف أنّ السوق اللبناني يتمتّع بديناميّة، خاصة في القطاعَيْن المصرفي والمالي، وأنّ أسواقه هي التي تستقبل المنتجات الجديدة عند انطلاقتها. وبالنسبة لـ “فيزا” و”ماستر كارد”، فلبنان “مختبر” لكلّ المنطقة، وعندما تُطلق فيه تكنولوجيا جديدة، لا تخاف الشركة المُنتجة من الفشل لأنّ التجارب أكّدت الحصول على النتائج خلال مدّة قصيرة لا تتخطّى الأشهر، وليس مثل الدول الكبيرة التي يتطلّب هذا الاختبار سنوات لمعرفة نجاح أو فشل المُنتج التكنولوجي الجديد.
س: ولكن.. الوضع في لبنان ليس على نحو ما كان عليه سابقًا، عندما كانت البحبوحة متوافرة في جيوب الناس، بحيث إذا أراد المرء استخدام بطاقة إئتمانيّة فإنّه قادر على ذلك وبسهولة… أمّا اليوم فنحن في وضع مزرٍ…
ج: عندما أجرينا مناقشات في هذا الموضوع، تكلّمنا في البداية عن الموقع الجغرافي لمدينة بيروت. لكن وبسبب ما آلت إليه الظروف، ستُطلق البطاقة إمّا من مصر أو من دولة خليجيّة أو من دولة من المشرق العربي كالعراق أو الأردن، علمًا أنّ ما نعانيه اليوم في لبنان لن يكون دائمًا لأنّ هذا الوضع مؤقّت واستثنائي، وإن كنّا لا نعرف متى نهايته. لماذا مصر أو من دولة من دول الخليج أو العراق أو الأردن، فلإنّ هذه الدول نجحت على كافة المستويات، وبات البعض منها يسجّل نموًا مطردًا في القطاعَيْن المصرفي والمالي على غرار نمو دول الخليج، علمّا أنّ مصر، مثلاً، تتميّز بعدد سكّانها المئة والعشرة ملايين نسمة فيما التغلغل السكاني في المصارف لا يشكّل سوى 6 أو 7 بالمئة وهي تسبة متدنّية جدًّا، في حين أن القدرة الاستيعابيّة فيها ضخمة جدًّا والقطاع العام يُفعّل مثل هذا التطوّر التكنولوجي بدليل أنّ المسؤولين يحفّزون المصارف على إدخال التكنولوجيا، حتّى أن المصرف المركزي في مصر أصبح سبّاقًا في إدخال المنتجات التكنولوجيّة الجديدة والمتطوّرة. وما يُقال عن مصر يُقال عن العراق التي تأخّرت في اعتماد هذا التطوّر التكنولوجي. لذا سوف تعتمد المُنتجات الحديثة والمتطوّرة في عمليّات السحب الالكتروني كالبطاقة البيومتريّة لعدم إضاعة الوقت في تجربة وسائل أخرى تخطّاها الزمن أو كاد.
س: برأيك، هل ستتمكّن هذه البطاقة من الانطلاق في لبنان في ظلّ هذا الوضع، وهل تعتقد أنّ الإقبال عليها سيكون في حجم الآمال؟
ج: صحيح أن الوضع في لبنان مأزوم إلى أقصى الدرجات، ولكن الأعمال التجاريّة، في المقابل، لا تزال مستمرّة. نسمع، مثلاً، عن البطاقة التمويليّة التي هي بطاقة تخوّل حاملها الاستفادة من مساعدة مالية شهريّة، وطبعًا ضمن شروط معيّنة، والتي هي بحاجة إلى مصرف لتفعيل مهمّتها، فماذا يمنع أن تكون هذه البطاقة بيومتريّة؟ لا شيء! هي، بالنتيجة، بطاقة تتضمّن أعلى معايير الأمان بحيث لا يمكن تعرّضها للقرصنة لأنّه لا يمكن التعامل بها إلاّ من خلال بصمة حاملها. وألفت النظر هنا إلى أن بعض الناس تخوّفوا منها في البداية، إذ ظنّوا أن بصماتهم ستكون محفوظة في عدّة أماكن، ولكن هذا خطأ، فالبصمة لا تُحفظ إلاّ على البطاقة فقط! وعندما يرمي المستهلك بطاقته، يرمي معها بصمته!
س: هل تعتقد أنّ سكّان اقليم كردستان العراق الذين يخبّئون المال في منازلهم، قد يقبلون بالتعامل مع المصارف، ومع هذا النوع من البطاقات؟
ج: إنّ العراقيّين يحبّون التعامل بالكاش لأنّهم لم يتعوّدوا التعامل بالدفع الالكتروني، ولكن عندما تدخّل البنك الدولي، وضع عليهم الشرط الأوّل والأساس، هو أن يتعاملوا بالدفع الالكتروني، وذلك لمنع الفساد والتهرّب من دفع الضرائب.
أمّا بالنّسبة للوضع الحالي في لبنان، فلن يُعطي أية نظرة سيئة للعالم العربي لأنّ تجربة لبنان خاصة وفريدة ولا أظنّ أنها ستتكرّر في أيّ بلد وحتّى في لبنان. لم يكن أحد يتوقّع يومًا، ما نحن نعانيه، ولا أظنّ أن بلدًا في العالم شهد ما شهدناه. صحيح أن أزمات مالية مرّت على اليونان وفنزويلاّ وغيرهما ولكن ليس كما يحصل في لبنان.
س: بعيدًا من موضوع البطاقات، فمصرف لبنان يبشّر المودعين إستعادتهم جزءًا من أموالهم بالدولار نهاية شهر حزيران، وضمن بشروط طبعًا. ما رأيك بهذه الخطوة وهل تؤثّر على البطاقة؟
ج: هذا نوع من الهندسات الماليّة التي يقوم بها مصرف لبنان لمحاولة تخطّي هذه الأزمة. ولو كان اللبنانيّون معتادين على استخدام بطاقات الدفع لكانت الأزمة المالية التي نعيشها اليوم أخفّ وطأة علينا جميعًا.
س: كيف تفسّر استعانة شركة Zwipe بكم شخصيًّا لإدارة هذا الإنجاز العالمي؟
ج: كانت شركة Zwipe تبحث عن شخص مناسب يتمتّع بالخبرة والمصداقيّة والعلاقات العامة في هذه الأمور ليكون قادرًا على المساعدة في إطلاق البطاقة في تشرين الأول من العام الحالي، فوجد القيّمون عليها أنّ هذه الصفات متوافرة فيّ، والحمدلله. وقد قبلت بهذا العرض لأنّني أحبّ التقدّم والتطوّر.هناك تصريح صدر عن ماستر كارد منذ عدة أسابيع يفيد أن من كلّ عشر بطاقات موجودة في العالم فإنّ تسعًا منها ستكون بيومتريّة، أي بنسبة 90 بالمئة، من مجموع بطاقات عددها البالغ أربعة مليارات بطاقة موجودة في العالم!