رمزي الصبوري… الحلّ موجود فابعدوا المنظومة!
عندما يكون الحديث مرتبطاً بالبطاقات الإئتمانية وما لها وما عليها، فإن السيد رمزي الصبوري هو المؤهّل بين كثيرين للتحدّث بشأنها، وقد أمضى في هذه المهنة وخَبِرها وتعرّك فيها، ما يسمح له أن يُعطي الرأي السديد عند طرح السؤال عليه.
ورمزي الصبوري غنيٌّ عن التعريف ليس في لبنان، وطنه الأم، فقط وانما في الدول العربية والإقليمية، فضلاً عن الدول الغربية، بدليل اختياره من قبل شركة ZWIPE النروجية المصدِّرة للبطاقات البيومترية للدفع، وهي الأولى من نوعها في العالم، ليكون مديرها العام في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وليضيف، بذلك، الى خبرته السابقة في شركتَيْ فيزا و areeba (المتخصصة في تكنولوجيا الدفع الإلكتروني)، خبرة اضافية.
ولأن ما حدث في المدّة الأخيرة على صعيد تقنين سحوبات “الكاش” بالعملة اللبنانية وقرار محاّل السوبرماركت استيفاء قيمة الفاتورة من حاملي البطاقات المصرفية بنسبة 50 بالمئة سحب و50 بالمئة نقداً، جعل المواطن محاصراً بين فكّيْ المصارف وبين التزاماته اليومية والشهرية، فقد كان لا بدّ من التوجه الى السيد رمزي الصبوري لمعرفة أبعاد هذه الأزمة وطُرُق علاجها، اذا كانت ثمة طرق للعلاج، اعتماداً على خبرته ومتابعته هذه المشكلة التي تقوّض الأساليب البنكية المتطوّرة لاسيما منها البطاقات الإئتمانية في زمن تخلي العالم عن العملة الورقية ومطالبة صندوق النقد الدولي اعتماد هذه الوسيلة، في الدفع والتسديد لغايات عدّة أهمها محاربة الفساد والتهرّب الضريبي وتبييض الأموال وغير ذلك…
مع رمزي الصبوري، كان الحوار التالي:
س: وضع لبنان، اليوم، مصرفياً، بات يُشبه وضع مدينة أربيل الكردستانية (العراق) قبل مرحلة النهضة الأخيرة، اذ كان الناس، آنذاك، يرفضون التعامل مع المصارف ويحتفظون بأموالهم في المنازل. فما الذي يحصل عندنا، وهل وصلت مرحلة القهقرى إلى حدّ القضاء على أبسط وسائل التقدّم المتجسّدة بالتكنولوجيا الحديثة؟
ج: دعني أضيء، أوّلاً، على ما شهدناه من تطوّر في التكنولوجيا، تحديداَ في القطاع المصرفي. فقد كنّا، قبل سنوات، نتغنّى بأن لبنان هو البلد الذي ينطلق منه كلٌّ جديد وتطوّر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على الأقل. ولكن بغضّ النظر عمّا يحصل اليوم، فعندما يُفعِّل صندوق النقد الدولي مباحثاته في موضوع ديون لبنان وكيفية أقراضه، فسيكون شرطه الأول عدم التعامل بـ “الكاش” ومنع تداوله منعًا باتًا، كما حصل تمامًا في العراق. ذلك أن صندوق النقد الدولي عندما أقرض بغداد، كان شرطه الأوّل والأساسي اعتماد الدفع الالكتروني الذي يُحدّ بشكل كبير جدًّا من آلية الفساد وتهريب الأموال وتبييضها والتهرّب الضريبي وغير ذلك…
بالنسبة لبطاقات الإئتمان، موضوع حديثنا، فإن الحلول موجودة ولكنها لا تزال “نائمة” في الجوارير! لماذا؟ هذا سرّ لا يُمكن أحداً الإجابة عنه، فهل لذلك علاقة بمحاصصة المنظومة الحاكمة؟
للتذكير، وكما يعلم الجميع، فإن تحويل الأموال حالياً من مصرف الى آخر للمبالغ الصغيرة هو عمليّة مكلفة، لذلك، ومنذ سنتَيْن، أوجدت الشركات والمصارف لها، محافظ الكترونيّة للتحويل من هذا المصرف إلى ذاك، عبر التطبيق الالكتروني، وقد تمّ التصريح عنها. ولكن مصرف لبنان بمرجَعيَتيْن اقتصادية وسياسية واحدة ايجابية وأخرى سلبية، فضلاً عن وجود شركات تحويل أموال تتعامل بـ “الكاش” محسوبة على بعض التيارات، فقد تكون المرجعية السياسية قد تدخّلت في هذا المشروع وأوقفته، والأهداف هنا معروفة، إمّا لأن هؤلاء خائفون من هذا الإجراء الذي بإمكانه أن يطالهم بالنسبة لتهريب الأموال والصفقات والتهرّب من الضرائب، أو لأن هناك شركات تحويل أموال تابعة لهم ويستفيدون منها في ظلّ الوضع الراهن.
ويبقى السؤال الأساسي والمهم: لماذا لبنان الذي كان بلدًا متقدّمًا جدًّا على الصعيد المصرفي، لا يزال متأخّرًا، في القطاع العام، عن الدفع الالكتروني؟ الجواب واضح: السبب هو التهرّب من الضريبة وتهريب الأموال! هنا لا بدّ من الإشارة الى أن مصرف الاعتماد اللبناني حصل، مؤخّرًا وبعد انتظار طويل، على موافقة مصرف لبنان، استعمال محفظة ماليّة التي تجعل مَنْ يرغب بتحويل مبلغ من المال إلى شخص آخر، قادراً عن طريق رسالة عبر الهاتف الجوّال، وعلى مثال “ذكي” الذي كانت تتعامل به areeba، وByblosPay من بنك بيبلوس و BlomPay من لبنان والمهجر وغيرها… وفي الواقع أن جميع المصارف أسسّتْ محافظ مالية على اسم مصرفها، علماً أن الرسوم المتوجِّبة على هذه التحويلات المالية ضئيلة جدًّا، وليس من الضروري أن يكون للشخص حساب مصرفي، اذ أن المصارف حصلت من مصرف لبنان، ولهذه المحافظ المالية فقط، موافقة بوضع مبلغ احتياطي من المال لهذه العملية. وهنا أودّ أن أشهد: أنّي حاولتُ مرارًا وتكرارًا بعرض الحلّ لجباية الضرائب ولطريقة الدفع بين الأشخاص في وزارة الداخلية والبلديات ووزارة المالية ولكن، وبعد اتصالات وزيارات وعروض متعدّدة، كنت أصل في النهاية إلى شخص تابع للمنظومة السياسية يُعرقل الأمور!!
س: أين دور حاكم مصرف لبنان هنا؟
ج: لا أعرف ما العلاقة التي تربط حاكم مصرف لبنان بهذه المنظومة، ولكن ما أعرفه أنّ الحلول موجودة. المَحافظ المالية لا تزال موجودة في المصارف ولكنّ عدد المتعاملين بها ضئيل جدًّا، ذلك لأنّ الدولة لم تعمل على تسويقها، وإلا لكانت شجعّت جميع الناس على التعامل بها والتوقّف عن استخدام “الكاش” بأية طريقة.. ولكن ماذا نفعل بعرقلة الفاسدين؟!
س: ما العمل اليوم ونحن واقعون في مأزق كبير بإزاء قرار السوبرماركت تحصيل قيمة الفواتير 50 بالمئة بالعملة الورقية و50 بالمئة بالبطاقة الإئتمانية؟
ج: دعني أوضح، الأموال التي تُدفع بواسطة البطاقات أين “تُحبَس”؟ طبعاً في المصارف، ايْ عند من يقول أنّه يواجه أزمة! سؤال ثانٍ: من يُعطي ماكينات الدفع للسوبرماركت؟ أليستْ المصارف؟ ومن يأخذ الأموال ويحبِسُها، أليست المصارف؟ لذا أقول: اجتمعوا يا مدراء المصارف مع البنك المركزي لتصلوا إلى حلول، ومنها بل أبرزها الدفع عبر المحافظ المالية من شخص إلى شخص، بخاصة أن الدفع بهذه الطريقة لا يتوقّف! فلماذا لم تُفعَّل هذه المحافظ في هذه الأزمة؟ الوعي موجود عند المصارف وعند مصرف لبنان، ولكن تفعيلها لا يُخفَّر بسبب المنظومة السياسية ولا يوجد أي سبب آخر!
س: لو كنت حاكماَ لمصرف لبنان. كيف تصرّفت؟
ج: كنت بداية، جمعت مدراء المصارف التي لديها محفظة مالية وعددها تقريبًا سبعة مصارف، وأعلمتهم أنّني أريد تشجيع هذه التكنولوجيا لكي أخفّف من دفع الأموال الطائلة (الكاش). ولتطبيق هذا الحلّ، كنت أوعزتُ بالقيام بحملات إعلاميّة عن هذه المحافظ الموجودة والمرخصة وعن كيفية التحويل من شخص لآخر وعن كلفتها التي قد تكون واحداً بالمئة مثلاً. والمعلوم أن طريقة الدفع بهذه الطريقة يُفيد مصرف لبنان والبنوك والمستهلكين ومحوّلي الأموال جميعًا، ولكنها تنعكس سلبًا على المنظومة وحدها.
نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذه المحافظ المالية، وهي موجودة وحاصلة على رخصة قانونيّة، وجميع المصارف الكبيرة قد نالت موافقة المركزي، فلماذا لا تُستعمل، علماً أن المصارف الصغيرة يُمكنها أن تحصل على الرخصة بسهولة بسبب موافقة مصرف لبنان عليها والذي كان قد أصدر تعميمًا لجميع المصارف منذ سنتَيْن تقريبًا، أنّه يحقّ لكلّ مؤسّسة مالية، ويقصد المصارف، أن تُنشئ محفظة مالية، وفق شروط أرسلها.
نحن اليوم بحاجة الى تنفيذ هذه الآلية لكي نخرج من المأزق الذي نحن فيه، وإلاّ فاننا متّجهون إلى طباعة المزيد من العملة الورقية، وكما تعرف ويعرف الجميع، أن طباعة العملة تؤدّي إلى التضخّم!
أعيد وأسأل نفسي وأسأل الجميع، هل هناك متضرّر من هذه العمليّة غير الذي لا يريد مصلحة البلد ويبحث عن مصالحه الشخصيّة؟!
س: كيف تجري الأمور في طريقة الدفع هذه، وكيف يتمكّن الشخص من سحب المال؟
ج: هذه الطريقة ليست لسحب المال نقدًا بل هي وسيلة دفع تدور من شخص إلى آخر حتى ولو لم يكن لديه حساب مصرفي. مثلاً، اذ أردت أن تدفع للميكانيكي مبلغ مئة ألف ليرة، تحوّلها له عبر هذه المحفظة المالية فتصله رسالة بأنّه حصل على هذا المبلغ. ويبقى هذا المبلغ في محفظته، وبدوره اذا أراد أن يدفع فاتورة الكهرباء، فعليه تحويل المبلغ من محفظته إلى محفظة الجابي، وهكذا دواليك.. دون استعمال “الكاش”.
س: وإذا ضاع هاتف الشخص، مثلاً، أو فَقَدَ المعلومات التي بداخله، فكيف يحصل على ماله؟
ج: في المحافظ الالكترونية في العالم يكون دائمًا رقم الهوية هو المُستعمل وليس رقم الجهاز، حتى ولو ضاع الهاتف، بذلك يكون لدى صاحب العلاقة رقم سري للتعريف عن هويته يمكن استعماله من أي هاتف. ان هذه الطريقة آمنة جدًا، ومصرف لبنان تحرّى كثيرًا عنها قبل أن يوافق عليها ويعطي الرخص، وذلك بعد ثلاث سنوات من الدراسات والمناقشات.
س: بانتظار تطبيق هذا الحلّ الذي تعرقله المنظومة السياسية، هل هناك حلول أخرى أبسط؟
ج: بعدما بدأت محاّل السوبرماركت تتقاضى نصف الفاتورة نقدًا، ستُلحق بها بسرعة المؤسّسات الأخرى وستُسحب ماكينات الدفع بالبطاقات من الأسواق. برأيي، المسألة متعلّقة بالمصارف، فالأموال التي تُدفع بواسطة البطاقات تصبّ في صناديقها، لذا عليها أن تجمعها بمحفظة خاصة لكي يستفيد منها التجار، كما فعلت بالنسبة لموضوع “صيرفة” التي ساعدت ذوي الدخل المحدود قليلاً ليكون لهم ربحٌ ونَفَسْ ليتمكّنوا من الاستمرار.
هناك حلاّن متوافران حاليًا وهما: أوّلاً، تفعيل المحافظ الموجودة عند سبعة مصارف، ولكن بالانتظار، هناك حلّ ثانٍ وهو زيادة “الكوتا المالية” العائدة للتجار، وبهذه الحال يرتاح المستهلك ويتمكّن بالدفع عبر البطاقات. وهنا لا بدّ للمصارف ان تجتمع وتُنشئ محفظة تُخصّص للأموال الصادرة عن البطاقات، هذا من ناحية، كما عليها تخفيف الاستنسابيّة من ناحية ثانية، بحيث لا يسمح بعضها للتجار أن يسحبوا ما قيمته خمسة بالمئة من الأموال التي تأتي من الماكينات، بينما مصارف أخرى تسمح لتجّار آخرين بعشرين بالمئة! هذا فلتان! يجب أن لا تختلف النِسب بين مصرف وآخر، ولا بين فرع مصرف وفرع آخر للمصرف نفسه، كي لا نصل إلى الضياع!