الحديث مع السيد رمزي الصبوري، الرئيس التجاري في شركة areeba، يزخر دائمًا بكلّ جديد في عالم الدفع الالكتروني. وجديده في حديثه إلينا، هذه المرّة، تمثّل بطَرْحٍ يُساعد مالية الدولة في مَنْع التهرّب الضريبي وتمادي الفساد الإداري. أمّا كيف؟ فالأمر بسيط للغاية: أن يتشبّه لبنان بتركيا، “الدولة المتقدّمة جدًّا في القطاعَيْن المصرفي والنقدي، وخاصة في قطاع بطاقات الدفع”، كما قال لنا، وذلك بتزويد وزاراته وإداراته بأجهزة POS لاستيفاء الرسوم والضرائب ومن ثمّ إيصال العائدات، وفي الحال، إلى وزارة المالية. ولا يتطلّب تنفيذ هذا التدبير سوى شهرَيْن كحدّ أقصى، كما لا حاجة للدولة للاستعانة،لا بخبراء ولا باختصاصيّين يستقدمونهم من الخارج لقاء مبالغ طائلة، لأنّ لبنان يزخر بطاقات كفوءة في ما خصّ هذا الموضوع.
وإلى هذا الحلّ المتوافر والبسيط في اعتماده، إذا كانت الدولة، فعلاً، تسعى إلى مكافحة الفساد واستعادة أموالها الضرائبيّة كاملة، تناول السيد الصبوري خلال هذا الحديث مواضيع شتّى ذات صلة ببطاقات الدفع والحوافز المعتمدة لتوعية الناس وإرشادهم إلى الفوائد الجمّة المتأتّية من استخدام تلك البطاقات، سواء في المشتريات أم في تسديد الرسوم والضرائب، بعيدًا من الرشاوى على أنواعها. في ما يلي نصّ الحديث:
س: بعد انتفاضة 17 تشرين وبعد أزمة كورونا المستمرّة، ووسط التداعيات الاقتصاديّة التي تمرّ بلبنان، كيف كانت الحركة الاستقطابيّة للبطاقات الائتمانية التي أعلمتنا، في حديث سابق، أنها كانت جيّدة؟ هل زادت.. هل تراجعت، هل حافظت على مستوى معيّن؟ ثمّ هل صحيح أنّها ساعدت المصارف على الصمود بحلّها مشكلة “الكاش”؟
ج: مع أن القوة الشرائيّة للبناني تراجعت بشكل ملحوظ جدًّا مع الحجر الصحّي والإقفال الذي طاول مرافق عدّة ما أثّر، ولْنَقُل “إيجابًا”، على الحركة الشرائيّة التي اقتصرت على الطعام، وإلى حدّ ما، على المحروقات، فما يمكنني قوله هو أنّ الأكثرية الساحقة من الناس باتت تستخدم بطاقات الدفع. وكما سبق وذكرته على صفحات هذه المجلة، فقد دأبت شخصيًّا منذ أكثر من خمس سنوات، على نَصْح الجهات المعنيّة، إن جاز التعبير، من أن التعامل بــ“الكاش” لم يعد بالأمر المفيد ويجب الابتعاد عنه سيما في ما يخصّ موضوع مكافحة الفساد، إلى أن جاء اليوم الذي تغيّرت فيه المعطيات وباتت المشتريات، بمعظمها، تتمّ عبر البطاقة وهذا ما كان يجب أن يحصل منذ زمن بعيد، ولو حصل تشبّهٌ بالدول المتطوّرة وطرحنا هذا الحلّ، أي اعتماد بطاقات السحب في تعاملاتنا اليوميّة بدلاً من “الكاش”، لكانت خفّت وطأة الأزمة التي نعيشها اليوم بنسبة ما لا يقلّ عن 70 بالمئة، وبخاصة أن القطاع المصرفي في لبنان متطوّر تكنولوجيًا بشكل جيّد جدًّا، علمًا أنّنا خلال فترة الانتفاضة الأخيرة، لاحظنا طلبًا كثيفًا على البطاقات المتعلّقة بالحسابات الجارية Debit Card. لماذا؟ لأنّ اللبناني، بمن فيه الواعي والمطّلع، يخرج من منزله، وفي جيبه مبلغ كبير من المال على رغم أن أجهزة الـ POS للسحب منتشرة في جميع المناطق. ويعود السبب إلى أنّ هذه الثقافة الاقتصاديّة لا تزال تنقصه. واللافت أنّ هذا اللبناني الذي استحوذ على بطاقة سابقًا وسألته أين هي، يسارع إلى القول: “تركتها في البيت أو لا تزال في المصرف”، مضيفًا “أنّه لا يحبّ استعمالها”. إنّ هذا الشخص نفسه أسرع الخطى إلى المصرف يسأل عن بطاقة السحب أو الحصول على واحدة عندما أغلقت أبواب المصارف.
س: اسمح لي هنا بمداخلة: أنت اليوم تروّج لبطاقات السحب على غرار ما يحصل في دول العالم المتطوّرة الساعية عبر هذه البطاقات، إلى منع عمليّات تبييض الأموال، وإلى مكافحة الفساد ومحاربة العنف وإلى منع التهرّب من الضرائب وسوى ذلك.. ولكنّ هذه المنافع حدّت، في الوقت نفسه، من حرية المواطن الذي أصبح مكشوفًا بتحركاته ومصروفه، كما هو الحال في الأنظمة التوتاليتاريّة… ثمّ هل تمكّنت تلك البطاقات من وقف الإرهاب والتبييض وسواهما كما ذكرنا؟ وبالإضافة إلى كلّ ذلك، فهذه البطاقات نزلت وبالاً على اللبنانيّين لأنّها حرمتهم من عملاتهم الأجنبيّة وأوقفت تحويلاتهم إلى الخارج وأذلّت البعض منهم أمام أجهزة الـ ATM الفارغة أحيانًا من النقود!
ج: إنّ ما يحصل اليوم في لبنان لناحية عدم القدرة على التحويل، ولا حتّى على استعمال بطاقات السحب في الخارج، حالة ظرفيّة سببها ما نحن فيه، وبالتالي فما يحصل ليس بالأمر الطبيعي ولا يُعطي صورة صحيحة عن التطبيق الصحيح للبطاقات. نحن في لبنان نعيش حاليًا وَضْعًا غير طبيعي، وكشركة إصدار بطاقات، هدفنا إيجاد الحلول الالكترونيّة لتسهيل أمور المواطن في الدفع. تصوّر، مثلاً، ماذا كان سيحصل لو لم تكن البطاقة موجودة! استطرد وأقول: حتى في الدواء، هناك آثار جانبيّة، إي هناك إيجابيات وسلبيّات، فلماذا يريد البعض أن تكون بطاقات السحب مستثناة عن هذا الواقع؟ إنّ دول العالم بأسره، تتّجه عبر هذه البطاقات، للخروج نهائيًا مما يسمّى بــ “الكاش”، لأنّ ذلك يساعد، إلى حدّ كبير، في مكافحة الفساد وتخفيض عمليّات تبييض الأموال وغير ذلك…
س: يقول البعض وبينهم من يتعاطى الشأن الاقتصادي أنّه عن طريق بطاقة السحب يمكن التحكّم بحريّة حاملها: متى صَرَف مالاً، ماذا اشترى، كم دفع… ويضيف هؤلاء أنّ الديمقراطيّة الفرديّة أصيبت بالصميم! ماذا تقول؟
ج: في الاستبيانات العالميّة، هناك تقريبًا 15 بالمئة من الناس مَن يتذمّرون من الموضوع التالي: إذا طلب أحد الأشخاص شيئًا ما من شركة ما، عبر الـ Online، تصله في اليوم التالي كميّة من إعلانات عن منتجات شبيهة أو مكمّلة أو رديفة، في حين أنّ هذه الاعلانات لا تصل لشخص آخر، وذلك لأنّ لدى الشركة تفاصيل عمّا يشتري كلّ شخص يدخل إلى موقعها، وعلى هذا الأساس، يعاودون الاتصال به! وهذا ما يُسمّى بالـ Remarketing. لكن 85 بالمئة من العالم يرضون بهذا الموضوع لأنّه يوفّر عليهم البحث عن منتجات ليشتروها فتصلهم، وكلّ بحسب عمره ورغبته وذوقه، بواسطة إعلانات، فما عليهم إلاّ أن يختاروا ويشتروا. معنى ذلك، وكما أسلفتُ، هناك دائمًا إيجابيّات وسلبيّات، ونرى بحسب هذا الاستبيان، أنّ نسبة عدد المرحّبين أكبر بكثير من نسبة الممتعضين. وفي ما يتعلّق بملاحقة عمليّات السحب والمراقبة والمتابعة، فإنّها باتت اليوم ضرورة لمحاربة تبييض الأموال والإجرام والفساد. وهل هناك من يرفض الأمن الاجتماعي
العالمي؟ س: خطة الحكومة الأخيرة التي تحمل اسم “انقاذ”، هل تؤيّدها؟
ج: سُئلت عن خطّة الإنقاذ والتعليق على الشقّ الخاص بالدفع الالكتروني، وكان جوابي: شخصيًا لا أقرأ خطّة تشمل قطاعات عدّة، أعلّ
فقط على البند الذي يتعلّق باختصاصي وعملي. وإذا لم يكن هذا البند موجودًا، أسعى إلى إضافته من موقعي كخبير واختصاصي.
أنّ الدولة بحاجة اليوم إلى 83 مليار دولار لسدّ العجز، وعلينا أن نساعدها في ملء صناديقها الفارغة. ولكن كيف؟ إذا نظرنا إلى نسبة جباية الضرائب، وفي حال كنّا متفائلين، نرى أنّهالا تتجاوز نسبة الـ 40 بالمئة! لماذا؟ لأنّ هناك تهرّبًا ضرائبيًا وتهريبًا على المعابر غير الشرعية وغيرها. فتركيا مثلاً، التي تعتبر دولة متقدّمة جدًّا في القطاعَيْن المصرفي والنقدي، وخاصة في قطاع بطاقات الدفع، تتوزّع فيها آلاف أجهزة الـ POS الموصولة كلّها بوزارة المالية. ففي هذا التدبير، ضمنت تركيا الجباية مئة بالمئة، وسجّل التهريب صفرًا بالمئة! ولنأخذ العراق مثلاً ثانيًا، لقد بادرت وزارة الصحة فيه إلى إلزام صيدليات العراق التعامل بأجهزة الـــ POS لتجديد رِخَصِها!
وهنا أقول أنّ لبنان ليس بحاجة للاستعانة بخبراء من الخارج لأنّ عندنا من الكفاءات ما يكفي لإعداد الدراسات المطلوبة ووضعها موضع التنفيذ في أقلّ من شهرَيْن.
أن التعامل “بالكاش” متفلّت من أي ضوابط، ولهذا يصعب وقف الهدر أو التهريب، وبالتالي لا يمكن أبدًا ضبط الرشوة والتهرّب الضريبي سوى باستعمال بطاقات الائتمان وأجهزة الـ POS!س: لديكم فقط 15 ألف تاجر مشتركين في الـ
POS، فكيف بإمكانكم إقناع الناس بالتعامل بالبطاقات؟
ج: نحن انطلقنا بالتحفيز منذ باشرنا عملنا وفي جميع المناطق، بدءاً من التاجر وصولاً إلى المستهلك، وكانت النتائج مجدية جدًّا لدرجة أنّنا سجّلنا نجاحًا مئة بالمئة في مناطق خارج بيروت، فضلاً عن أنّنا دخلنا إلى مناطق نائية. لكن هذه الحملة انتهت مع بداية انتفاضة 17 تشرين الأوّل، مع ذلك، فأرقام الـ POS التي اعتمدت خياليّة!! والجدير ذكره أن حملة “إِقْبَضَ جدّ” كانت مبادرة من areeba منذ ثلاث سنوات والهدف نشر هذا الوعي خارج مدينة بيروت وقد حصلت الشركة على جائزة إذ اعتبرت هذه الحملة من أكبر الحملات التي حصلت في المنطقة. وللتشجيع أيضًا، قرّرنا إعفاء المشتركين بالـ PSO من الرسوم الشهرية التي تتراوح بين 7 و15 دولارًا شهريًا وذلك من بداية نيسان الماضي ولغاية نهاية العام الحالي.
هنا أودّ أن أشير إلى نزعة جديدة بدأت لدى بعض التجار مواكبة للتطوّر الاقتصادي والوضع الذي استجدّ مع كورونا. وتتمثّل هذه النزعة بالاتجاه نحو التجارة الالكترونية Online التي ستشهد، باعتقادي، تطوّرًا ملحوظًا بدليل الزيادة المحقّقة منذ بداية هذا العام حتّى الآن والتي سجّلت نسبة 30 بالمئة. ومن المعروف أنّ هذه التجارة تتطلّب بطاقات سحب لإتمام عمليات البَيْع والشراء.
س: هل هناك تأمين على بطاقات الدفع؟
ج: طبعًا، هناك شركات عديدة تقوم بالتأمين على البطاقات، وبعضها يتعاقد مع المصارف. فعندما يُصدر هذا الأخير بطاقات الائتمان، يحصل الزبون مجّانًا على تغطية ضد القرصنة والسرقة، ولكن هذه التغطية لا تشمل حميع البطاقات، فالمصرف يقرّر أية بطاقة يريد أن يؤمّن عليها. وثمة شركات تأمين في الغرب توفّر لحملة البطاقات تغطية دوليّة (انترناسيونال).
س: وكيف يعرف الزبون أن بطاقنه مؤمّنة؟
ج: عندما يسحب الزبون بطاقته من المصرف، تكون مرفقة بكتيّب صغير مدوّن عليه جميع مزايا البطاقة، وبدلاً من إهمال مضمون هذا الكتيّب، حبّذا لو يقرأ المستهلك ما ورد فيه من بنود ليكون على اطّلاع بكلّ شاردة وواردة.