رئيس الاتحاد المصري للتأمين علاء الزهيري أثناء الإعلان عن الملتقى السادس
بين 11 و12 تشرين الأوّل (اكتوبر) 2020، ينعقد في قاعة كليوبترا بفندق سميراميس انتركونتينتال في القاهرة، الملتقى الإقليمي السادس للتأمين الطبّي والرعاية الصحيّة. ومع أنّ هذا الملتقى يهمّ بالدرجة الأولى المصريّين كونه يتوجّه إليهم مباشرة، كما إلى شركات الضمان والقطاع الاستشفائي بكلّ فروعه في مصر، إلاّ أنّ المواضيع التي تُثار في مثل هذه الملتقيات والمؤتمرات ينسحب الاهتمام بها على كافة شرائح المجتمعات العربية (وغير العربية)، لأنّ الأمور الصحيّة لا وطن لها، بل هي عابرة لكلّ الأوطان، هذا في الأيّام العادية فكيف في زمننا الحالي الذي ظهر فيه فيروس Covid-19 الآخذ في “اصطياد” الناس من دون تمييز بين صغير وكبير وبين مدينة وقرية وبين جنسية وجنسية في أنحاء العالم أجمع؟ من هنا الأهميّة التي يوليها منظّمو هذا الملتقى الذي يُقام تحت رعاية “الاتحاد المصري للتأمين“، “الجمعية المصرية لإدارة الرعاية الصحيّة” EHMS، و“الاتحاد العام العربي للتأمين“.
ومع أنّ هذا الملتقى ينعقد في ظرف دقيق نتيجة الاجراءات والتدابير الصحيّة المواكبة لانتشار وباء كورونا، وهو ما يحرص المنظّمون على تطبيقها، إلاّ أنّ ذلك لن يمنع مشاركة خبراء وأطبّاء وعاملين في الجسم الصحّي ورجال إعلام في هذا الملتقى، إذ ان الدعوات وُجّهت للمقيمين في مصر ولغير المقيمين. ولعلّ اللافت أنّ الموضوعات التي ستُثار في يومَيْن، هي عديدة ومتنوّعة وجديرة بالمتابعة والمناقشة، ذلك أنّ التأمين الصحّي الشامل، وهو حلم كلّ مصري، هو أيضًا حلم كلّ مواطن في دول عربية عديدة قد يكون لبنان في طليعتها جرّاء تراجع مستوى الخدمات الاستشفائيّة الحكومية وارتفاع التكلفة العلاجيّة في المستشفيات والعيادات الخاصة. وممّا لا شكّ فيه أنّ للتأمين دورًا كبيرًا مساندًا في هذا المجال لأنّ شركات هذا القطاع تساعد المواطنين في الحصول على خدمة أفضل. وعلى هذا الأساس خصّصت الجلسة الأولى لمناقشة هذه الناحية بالذات: حجم قطاع الطبّي ونسبة مساهمته في إجمالي الأقساط بشركات التأمين وعدد العملاء الذين تشملهم التغطيات، إضافة إلى الخدمات الصحيّة المطلوبة ليكون العلاج مستوفي الشروط من مختلف الجوانب بعيدًا من المعوقات والتحديات وهي كثيرة، ولن تمرّ مرور الكرام من دون معالجة.
صحيح أنّ الرعاية الصحيّة ودور شركات التأمين في هذا المجال، هو “الطَبَق الرئيس” في هذا الملتقى، إلاّ أنّ المنظّمين لن يستطيعوا تجاهل موضوع الساعة، عنينا بذلك جائحة Covid-19. ففي الجلسة الثانية، تقرّر أن يتمّ التركيز على دور الهيئات الرقابيّة في مكافحة الآثار المترتبة على انتشار الأوبئة ولا سيما وباء كورونا، والمساعدة المطلوبة من شركات التأمين. ومن المعروف هنا أنّ ما اتخذته الهيئات الرقابية والتشريعات المصريّة من تدابير حقّق الهدف المنشود، وهو قيام قطاع التأمين بدوره الحيوي في التعامل مع الظروف الحالية. وبالفعل، اتخذت شركات القطاع في مصر، قرارات مهمّة، منها سرعة سداد تكاليف متطلّبات التشخيص حتى يتمّ تحديد مدى إيجابيّة أو سلبيّة الإصابة بفيروس كورونا، مع إمكانية استفادة المضمونين في حال رغبوا باستكمال العلاج على نفقتهم، من الأسعار المعتمدة لشركات التأمين في المستشفيات المتعاقدة معها. ومن المعلوم أنّ الهيئة العامة للرقابة المالية ألزمتْ الشركات بالمساهمة في تغطية علاج المصابين بـ Covid-19 من حَمَلَة وثائق التأمين الطبّي.
وإلى هذَيْن الموضوعَيْن الأساسيّين، من المقرّر أن يعالج الملتقى مواضيع أخرى منها: استراتيجيّة الشمول التأميني للوصول إلى كلّ المواطنين، التعاون مع شركات الأدوية والمستحضرات الطبيّة وأهمية تقديم منتج تأميني طبّي ضدّ الأوبئة المستجدّة.
إنّ هذا الملتقى سيكون، كما يشير إلى ذلك الاتحاد المصري للتأمين، حدًّا فاصلاً بين ماضٍ صحّي تأميني تقليدي وبين حاضر ومستقبل صحّي–تأميني متجدّد ومتطوّر. ذلك ان ديناميكيات التأمين الطبّي في حالة تغيّر مستمر، مع ظهور مخاطر جديدة ومتزايدة ومع تغيّر تفضيلات العملاء وارتفاع تكلفة الرعاية الصحية بمعدل يفوق معدل التضخم، فضلاً عن تبدّل مشهد المخاطر بالنسبة لكل من شركات التأمين الصحي وحَمَلَة وثائق التأمين بسبب ارتفاع الحالات الطبية المعقّدة و زيادة شريحة كبار السن في المجتمع .
ومن المعروف أنّ شركات تأمين (ومنها شركات لبنانيّة) دأبت منذ سنوات على تغيير سلوك حامل الوثيقة عبر دفعه لتحسين التزامه بالوقاية، وتاليًا بالفحوص المخبريّة، فبالأدوية إذا لزم الأمر للمحافظة على صحته بشكل أفضل. كما قامت بتطوير ملفات تعريف المخاطر بصورة أكثر دقة لتعزيز الاكتتاب. وتساعد المشاركة الاستباقية مع حاملي وثائق التأمين في إبقاء التكاليف تحت السيطرة، وفي الوقت نفسه زيادة الكفاءة التشغيلية، ما يؤدي لزيادة الربحية.
لقد أدّى التقدّم الذي طرأ على تقنيات العمل مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، والأجهزة المتصلة، وعلوم البيانات إلى الإسراع بعملية التحوّل في صناعة التأمين وتمكين الشركات كي تصبح شريكاً للعملاء، وحامياً من المخاطر، إلى جانب دورها التقليدي كمسدّد للتعويضات، إذ بات من الضروري أن تسعى إلى تحسين كفاءتها التشغيلية، وأن تعمل على تلبية اختيارات العملاء المتطوّرة، ومواءمة وتكييف أعمالها وعروضها بشكل أفضل يتناسب مع بيئة الأعمال المتغيرة.
ولقد بات واضحًا أنّ متوسط العمر هو إلى الارتفاع. ففي العام 2016، كان متوسط العمر المتوقَّع عند الولادة 72 عاماً، بزيادة خمس سنوات ونصف السنة عن العام 2000، ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، يعيش الناس لفترة أطول في جميع أنحاء العالم. ومع التحسُّن المستمر في المرافق الطبية والرعاية الصحية، لا بدّ أن يزداد متوسط العمر المتوقّع بصورة أكبر. لكن في المقابل، ازدادت الأمراض المزمنة والمعقّدة والسلوكيات الخاطئة والمخاوف الصحية الناجمة عن تغيّر نمط الحياة. وتعمل كلّ هذه العوامل على تغيير مشهد المخاطر وزيادة الضغط على البنية التحتية للرعاية الصحية الحالية و تكاليف الحصول على الرعاية الصحية الملائمة.
إشارة هنا إلى أنّ الاتحاد المصري للتأمين أصدر دراسة حديثة وضعها، على ما يبدو، من وحي انفجار مرفأ بيروت “المدمّر والمقدّرة خسائره الماديّة بنحو 3 مليارات دولار، إضافة إلى خسائر اقتصاديّة بقيمة 15 مليارًا“. وبحسب النصّ المكتوب، فإنّ الكثير من هذه الخسائر لم تكن مغطّاة، علمًا أنّ التأمين على الممتلكات يمثّل جزءًا صغيرًا من صناعة التأمين اللبنانية التي تهيمن عليها ثلاثة فروع: التأمين على الحياة والتأمين الطبّي وتأمين السيارات، وتشكّل هذه الفروع مجتمعة ما يقرب من 85 بالمئة من إجمالي الأقساط المكتتبة في لبنان عام 2018 بينما التأمين على الممتلكات يمثّل خطًّا متناميًا هو 6 بالمئة من إجمالي الأقساط في العام المذكور.
في الدراسة المشار إليها، تناول الاتحاد الأخطار الطبيعيّة (التي تمثّل أكبر مصدر للمطالبات بالنسبة لشركات التأمين) وعمليات الارهاب (استهداف برجَيْ التجارة، حريق ميناء عبدالله بالكويت، انفجارات ميناء “تيانغين” الصيني.
في هذه الدراسة أيضًا، إنّ انفجاراً ناجمًا عن تسرّب غاز في مصفاة نفط بميناء الأحمدي الكويتية أسفر عن أضرار مادية في بعض مواقع المصفاة طاولت 444 ألف برميل، فضلاً عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة 49 آخرين. كذلك أسفر انفجار في مستودع بميناء تيانجينغام عام 2015 شمال الصين يحتوي على مواد كيميائية خطرة وقابلة للاشتعال، عن مقتل أكثر من مئة شخص وإصابة مئات آخرين وتدمير مناطق واسعة من المدينة، وكانت له قوة تعادل ثلاثة أطنان من مادة “تي إن تي” شديدة الانفجار، ما أدّى إلى خسائر كبيرة في البضائع المخزّنة في الميناء. كما تمّ حرق ساحة لوجستية تحتوي على عدة آلاف من السيارات بما يعادل حوالي 1500 سيارة.
من ناحية ثانية، ودائمًا حسب الدراسة، فإنّ الاتحاد الدولي للتأمين البحري (IUMI) ذكر في تقرير له، إن ما مجموعه حوالي 70 ألف سيارة تضررت في الانفجارات وقدرت الخسائر العالمية في إعادة التأمين بحوالي 3.5 مليار دولار، ولكن وفقًا لشركةSwissRe ، فالخسائر بلغت 8 مليارات دولار. أمّا شركة تيانجين CIRC فذكرت أن أكبر خسارة فردية كانت لدى شركة China Automobile Trading التي فقدت 3 آلاف سيارة مستوردة في الانفجارات، وقد دفعت شركة China Continent Insurance مبلغ 1.37 مليار يوان (266 مليون دولار أميركي) لهذه المطالبات في كانون الثاني 2016. وكانت انفجارات ميناء “تيانجين” أكبر خسارة للتأمين وإعادة التأمين من صنع الإنسان في العام 2015.