غلاف العدد
اهتمام الصحافة الفرنسية بلبنان يزداد يومًا بعد يوم مترافقًا مع المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس مانويل ماكرون خلال الزيارتَيْن اللتَيْن خصّ بهما لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. ولا شك أن هذا الإهتمام تضاعف مع ترنّح هذه المبادرة لأسباب من بينها، وكما بات معروفًا، تعنّت فرقاء محليّين وتشبّثهم بمطالب يصفها كثيرون بالـ “الشخصية”.
وكان زار لبنان، قبل أيام، الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل وجال على المسؤولين اللبنانيّين الذين دعاهم ماكرون إلى قصر الصنوبر في زيارته الثانية، وحصل منهم على تعهّدات من الجميع، بتنفيذ بنود المبادرة، بمن فيهم رئيس كتلة نواب حزب الله الذي وافق على 90% من تلك البنود، مستثنيًا 10%. وكانت حصيلة زيارة الموفد التي نقل مضمونها إلى الرئيس الفرنسي، نكسة إضافيّة، حملت البعض على وصفها بالـ “الفشل الذريع”. وقد تمّ التداول بهذا الفشل مع وزير خارجية الولايات المتّحدة مايك بومبيو في زيارته الأخيرة إلى باريس، في محاولة لإيجاد حل للأزمة اللبنانية المستعصية.
هذا الوضع المتردّي ربما كان وراء اهتمام الصحافة الفرنسية بلبنان الذي يَعْتَبر قسمٌ من اللبنانيّين أن فرنسا هي ألأم الحنون، نظرًا إلى تاريخ العلاقات العريقة بين البلدَيْن جرّاء دعم باريس المتواصل ووقوفها إلى جانب لبنان في المحافل الدولية، وفي الملمّات . فبعد العدد الخاص الذي أصدرته Historia من مئة صفحة، وفيه عرضٌ مفصّل للعلاقة الوثيقة بين البلدين، انطلاقًا من انفجار المرفأ، أصدرت مجلة Spectacle du monde ملفًا وليس عددًا خاصًا، اتخذ طابعًا سياسيًا، إذ أن فريق الإعداد في المجلة، أجرى مقابلتَيْن مع رئيس حزب القوّات اللبنانيّة د. سمير جعجع ومع نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، وقبلهما مع وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة شربل وهبة الذي تحدث بدبلوماسية عن الوضع في لبنان من دون الدخول في عمق المشكلة اللبنانيّة، إذ اكتفى بالثناء على الدور الذي يقوم به رئيس الجمهورية ميشال عون، متجاهلاً مشاكل يعانيها اللبنانيّون ولديهم تَوْقٌ إلى إيجاد حلول لها، لا سيّما في الشأن الإقتصادي، المالي تحديدًا، وارتفاع سعر الدولار وتبخّر الإحتياطي من العملات الأجنبية من المصرف المركزي، فضلاً عن مواضيع أخرى كثيرة، ليس هنا مجال تعدادها إذ أن الجميع يعرفها.
حمل العدد المشار إليه والذي تصدّرته صورة تمثّل انتفاضة 17 تشرين الأوّل، إسم Le Liban face à son destin ، أي لبنان في مواجهة مصيره، علمًا أنّه خُصِّص للملحق المذكور، ثلاثون صفحة بما فيها الغلاف.
إشارة إلى أنّ هذا الملحق ركّز، كما العدد الخاص لـ Historia، على إنفجار المرفأ، وعلى زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي نُشرتْ له صورٌ عدّة بينها واحدة يحتضن فيها فتاة بعاطفة ظاهرة وبمحبّة، تدليلاً على المهمة الإنسانية التي أرادها من زيارته لبنان. وقد كتب محرّر الصفحة، تعليقًا على هذه الصورة، أن الرئيس مع إحدى الفتيات التي تأذّتْ من كارثة انفجار 4 آب الذّي هزّ لبنان، مع عبارة مكمِّلة هي أن الرئيس الفرنسي وضع المشكلة اللبنانية في صلب اهتماماته في سياسته الخارجية.
وفي الملحق المشار إليه أيضًا، كتب رئيس التحرير Antoine Colonna مقالة افتتاحية أبرز ما ورد فيها أن اللبنانيّين يعدّون السنين، الأشهر، الأيام وحتى الساعات، ضائعين لا يعرفون كيف يتصرفون وأي مصير ينتظرهم: هل عليهم أن يحتفلوا بدنو خروج لبنان من أزمته بفضل المبادرة الفرنسية أم عليهم نسيان ما حصل و… انتظار أعجوبة؟
ما لفت هو مقال لـPhilippe de Villiers ركّز فيه على أحداث يوم 13 تشرين الأول من العام 1990 التي لجأ فيه العماد ميشال عون، وكان يومها رئيسًا للحكومة العسكريّة، إلى السفارة الفرنسيّة تحت وطأة القصف السوري على قصر بعبدا. وقد نَشَر مع هذا المقال صورة للجيش السوري أمام قصر بعبدا المهدّم رافعين علامات النصر. مع ذلك، أعطى صورة مشرقة عن لبنان على رغم هذه المأساة وغيرها من المآسي، بالحديث عن جمال الطّبيعة اللبنانيّة التي تجمع في الوقت نفسه بين ثلج القِمم التي يرتادها المتزلّجون وبين البحر الذي يقصده هواة السّباحة، عدا عن إشارته إلى المراكز الاصطيافيّة الجميلة والمنتجعات البحريّة التي تنتشر على طول الشّاطئ اللبناني، إذ عرِف لبنان قبل العام 1990 وأمضى فيه سنوات جميلة، فضلاً عن أنّه كان شاهدًا على أحداثه المؤلمة.
يبقى أن نذكر أن الملحق تُوِّج بصورة مُحزنة تمثل جنديًا لبنانيًا يُمسك بيد زميله الذي استشهد تحت الأنقاض، فيما كان يدافع عن القصر الجمهوري، وقد بَدَتْ الدموع تنهمر من عينيه.