في تقرير لوكالة Bloomberg للأنباء، انّ قطاع السياحة العالمي سيكون الأكثر تضرّرًا من تداعيات جائحة كورونا. ويضمّ هذا القطاع شركات الطيران والفنادق والمطاعم ومكاتب تأجير السيارات وسائقي مركبات الأجرة والعاملين في الحرف اليدويّة والمرشدين السياحيّين وأصحاب المحال، واللائحة تطول.
وبحسب هذه الوكالة، فإنّ العاملين بهذا القطاع يصلون إلى 300 مليون شخص، ثلثهم بات عاطلاً من العمل بعدما أُقفلت العديد من المؤسّسات التابعة لهذا القطاع أبوابها بسبب الظروف المعلومة. ويبدو أن شركات الطيران في أنحاء العالم، ودائمًا حسب Bloomberg، بحاجة إلى 200 مليار دولار لإنقاذها، وإذا لم يتوافر لها هذا المبلغ، فإنّ التداعيات ستنسحب على قطاع السياحة الذي تقدّر حصيلة نشاطه بمبلغ 1،7 تريليون دولار. وتوقّعت الوكالة في تقريرها أنّ هذا القطاع سيكون الأخير الذي سيتعافى. الجدير بالذكر هنا، أنّ وزارة المالية المصريّة قرّرت تقديم ملياري جنيه (حوالى 12 مليون دولار) للشركة القابضة لمصر للطيران في شكل قرض مساند لمواجهة أزمة كورونا وتداعياتها، شعورًا منها أنّ التداعيات التي خلّفها الوباءلا يمكن بسهولة مسح آثاره الجانبيّة.
ذلك أنّه، وفقاً للأرقام، فإنّ انخفاضًا متوقعًا في إيرادات مجموعة شركات الطيران للعام الحالي، قد يصل إلى 314 مليار دولار. وضمن هذا الإطار، أشارت إدارة أمن النقل الأميركية، إلى أن متوسط عدد المسافرين الذين قصدوا يوميًا المطارات الأميركية خلال نيسان الماضي، بلغ مئة ألف شخص، بانخفاض نسبته 96 في المائة عن العام 2019. ومن المتوقع أن يؤجل 68 في المائة من الأشخاص سفرهم جواً حتى بعد انتهاء جائحة كورونا، علمًا أنّ أحدًا لا يعرف، كما ورد في تقرير “بلومبرغ”، متى سيكون السفر دولياً آمناً، أو متى ستبدأ الدول إلغاء قيود السفر.
ولكن ما هو معروف، هو أن السفر سيكون مختلفاً في الأساس عما كان عليه قبل تفشي الوباء العالمي. ومن المؤكد أن شركات الطيران، والمطارات، وشركات البواخر السياحية، والفنادق ستحتاج إلى وضع قواعد جديدة بشأن التباعد الاجتماعي، والتنظيف، وخدمة تقديم الطعام، وضرورة الالتزام بهذه القواعد. فالشفافية، التي لم يكن هناك اهتمام كبير بها في قطاع السياحة (كوثائق التأمين على السفر غير الفعّالة على سبيل المثال)، ستصبح أساسية. كما أن على شركات السياحة تغيير أسعارها لتتوافق مع انخفاض عدد المسافرين على رحلاتها، ما سيجعل تكلفة قضاء أي إجازة صيفية باهظة للغاية، هذا إن كانت هناك إجازة أساساً.وما سيزيد تكاليف بعض الإجازات أيضاً فرض بعض الدول رسوماً إضافية على القادمين لزيارتها.
فقد أعلنت نيوزيلندا، على سبيل المثال، أنها بدءا من تشرين الأول المقبل، ستَفْرض على السائحين ضريبة بقيمة 35 دولاراً نيوزيلندياً (23 دولاراً أميركياً) عند الوصول إلى البلاد، لأنّها ستعتزم إنفاق 80 مليون دولار نيوزيلندي سيتمّ جمعها سنوياً، على البيئة والاستثمارات في البنى التحتية القادرة على مواجهة أعداد الزوار المتزايدة في المستقبل.وتقول “بلومبرغ” إن الأمل يكمن في التفكير فى الأشخاص الأكثر ثراءً لتحسين مصير مستقبل السفر غير الضروري، فهم يستطيعون التغلّب على صعاب ما بعد انتهاء جائحة “كورونا”، سواء عن طريق الطيران الخاص أو شغل حجرات فندق بأكمله، وأنّ ساد اعتقاد مضمون أنّه حتى الأشخاص الأكثر ثراءً سوف يكتفون بالسياحة الداخلية في المدى القريب.ما تجدر الإشارة إليه هنا أنّ تقارير طبيّة أشارت إلى أن الجزر باتت تشكّل مرافئ أمان وسط عاصفة فيروس “كورونا”، ومن هذه الجزر المفتوحة أمام السيّاح، قبرص وآيسلند ومالطا ونيوزيلندا.
يبقى أن نذكر في هذا المجال أن ثمة إجراءات جديدة ستُتّخذ مع عودة حركة الطيران إلى وضعها الطبيعي. وبهذا الصدد، توقّعت شركة Simplifying أن تفرض مجموعة إجراءات أهمّها إجراء الفحص الطبّي PCR قبل 48 ساعة من رحلة الاقلاع، التزوّد بكمامات ومواد تعقيم خاصة بهم، الحضور إلى المطار قبل أربع ساعات من موعد الرحلة لأنّه سيتمّ إخضاعهم لإجراءات صحيّة. وبالنسبة للحقائب، فسيتمّ فحصها بالأشعة فوق البنفسجيّة، ولن يُسمح طبعًا بالجلوس في المقاهي أو المطاعم، ولن يصعد المسافر إلى الطائرة إلاّ بعد أن تصله رسالة الكترونيّة بالموافقة، إلى سوى ذلك من الإجراءات.
إشارة هنا إلى أنّ لبنان يُعتبر من الدول الأكثر تضرّرًا في قطاعه السياحي وقد شهد إقفال عدد من فنادقه، أبرزها البريستول، فضلاً عن عدد كبير من المطاعم في العاصمة وفي مناطق الاصطياف. وقُدّر عدد العاطلين عن العمل في هذا القطاع وفي غيره، بحوالى مليون شخص. وفي بيان لنقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان أنّ الخسائر تبلغ شهريًا 500 مليون دولار، وهو رقم يهدّد موت القطاع، بحسب رئيس النقابة طوني الرامي.وكان صَدَرَ عن جمعيّة تجار بيروت، وهو قطاع يعتمد على السياحة، وبلسان رئيس الجمعيّة نقولا شمّاس، أنّ عددًا كبيرًا من التجار لن يعاودوا فتح أبواب مؤسّساتهم وأنّ الذين قرروا العودة إلى مزاولة عملهم باتوا مهدّدين في إستمراريتهم.وفي بيان مفصّل للجمعية عن “الكيديّة” التي يتعرّض لها التجار، جاء ما يلي: إنّ الحكومة لم تُلغِ الرسوم لسنة 2020، كما لم تَطْرح التسويات للمتأخرات لغاية 2019، وكأن الأزمة انفرجت، في حين كان الأحرى أن تعطي فسحة إلتقاط الأنفاس.
إلى ذلك، سارعت المصارف، ودائمًا حسب بيان جمعية تجار بيروت، إلى معاودة مطالبها لسداد المستحقات، مع اللجوء إلى التهديدات القاسية، مع العلم أنها تجاهلت كل التجاهل التعميم الرقم 552 الصادر عن مصرف لبنان والذي يقضي بقيام المصارف بإمداد التجار تسهيلات بفوائد منخفضة على 5 سنوات لتمرير عمليات دفع الرواتب والأجور والإيجارات. أكثر من ذلك، جُمّدت التسهيلات ولم ترفع الحَجْر عن الودائع، وأصبحت الفوائد الدائنة ملامسة للصفر، في حين أن الفوائد المدينة مازالت مرتفعة بدلاً من أن تخفض نسبة الفائدة المرجعية BRR وتُلغى العلاوة عليها.ومع ذلك كله، ودائمًا حسب البيان، يشهد التجار مداهمات عشوائية على بعض المؤسسات والشركات، ولا سيما الغذائية منها، ويتمّ التصرف مع القيّمين عليها بتعسفية وعلى نحو بوليسي لم نعتَدْ عليه قبل اليوم، علاوة على إشكالية نشأت بين عدد كبير من التجار وأصحاب المجمّعات التجارية الكبرى (Malls) حيث يحمّل هؤلاء مسؤولية دفع بدلات إيجار باهظة من قِبل التجار، لا تتناسب أبداً مع حجم المبيعات، وصولاً إلى تكبيدهم كلفة الإقفال، فيما أولى بالمجمّعات إتاحة الفرصة للتجار لمزاولة أعمالهم داخل المجمّعات وإستقبال الزبائن.
لذا تناشد الجمعية كافة الجهات المعنية إعادة النظر في تدابيرها، إذ بات التجار الذين مازالوا قادرين على مزاولة أعمالهم مهدّدين في إستمراريتهم. فهل المطلوب إقفال القطاع التجاري برمّته، وتاليًا تفليس ركائز المجتمع التجاري؟