المشاركون في الندوة
رباح حيدر
بعد غياب (أو تغييب) عن الساحة الإقتصادية اللبنانية، شهد فندق كورال بيتش منتدىً مصرفياً حضورياً وليس عن بُعد، شاركت فيه 19 دولة بينها لبنان، وتحدث فيه 4 من أصحاب الخبرة المتمكّنين في التحدث في موضوع على جانب كبير من الأهمية يتناول “تحديات الإمتثال وتعزيز العلاقات مع المصارف المراسلة”. والمتحدثون، تواليا،ً هم: أمين عام إتحاد المصارف العربية وسام فتوح، عضو مجلس إدارة الإتحاد-الجمهورية اليمنية أحمد بن سنكر، المدير العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الإتصال والمعلومات في تونس محمد بن عمر، الوزيرة السابقة للإستثمار والتعاون الدولي والمديرة التنفيذية السابقة في البنك الدولي سحر نصر، وأخيراً نائب حاكم مصرف لبنان بشير يقظان.
بداية، كانت كلمة شاملة لأمين عام الإتحاد تطرق فيها إلى موضوع العقوبات الإقتصادية وما يستتبعها من تحقيقات مالية وجنائية ومن تجميد للأصول، أي عن ذاك السيف المُصلَت والسلاح المدَّمر اللذين تلجأ إليهما الدول العظمى للدفاع عن مصالحها السياسية والإستراتيجية بديلاً من اللجوء إلى حروب طاحنة تكّبدها خسائر بشرية وأضرار كبيرة، وهو ما يساعدها في الإمساك بالمفاصل الأساسية للإقتصاد العالمي. وحجتها في ذلك، عدم إمتثال الدول المعّرضة لمثل هذه العقوبات للقوانين والتشريعات الدولية المرعية والصادرة عن الهيئات الرقابية وخاصةً الأميركية منها والمتعلقة بقوانين مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ومحاربة الفساد. وتنتج من هذا الواقع مخاطر تطاول سمعة الدول بشكل عام، وتالياً سمعة المصارف والمؤسسات المالية، ما قد يؤدي إلى قطع تلك الدول العظمى علاقاتها مع المصارف المراسلة وحتى إلى زوالها من الوجود.
إلى ذلك، تحدث عمّا يعرف بـ”صيرفة الظل” (shadow banking)، وهي ظاهرة تُلقي الضوء على مشكلة جديدة تتجّلى في ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة. لذا نصح السيد وسام فتوح “بالتشدد أكثر في الرقابة الداخلية والتوسع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة “إعرف عميلك” وتوسيع آليات التنسيق والتعاون بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية، علماً أن الخروج من المنظومة المالية والمصرفية الدولية أو التعرّض للعقوبات تؤدي جميعها إلى ما يعرف بالتهميش المالي (financial exclusion) لفئات كثيرة من المجتمع، ما يعيق تقدمها وإزدهارها”.
هذا الواقع، تابع أمين عام إتحاد المصارف العربية، “نشهده في عالمنا العربي، وتحديداً في بعض الدول التي تفرض على بعض الأفراد والمنظمات عقوبات متصاعدة”، متناولاً كأمثلة: الحرب في سوريا ومن ثم العقوبات على أطراف في لبنان. مع ذلك إستمر القطاع المصرفي اللبناني في أداء مهمته كما إستمرت فروعه خارج لبنان العاملة في أكثر من 30 بلداً، مع ميل بارز، في المدة الأخيرة، إلى الإنكفاء المنظم والخروج من عدة أسواق من خلال بيع فروع خارجية أو إقفالها.
الكلمة الثانية كانت للسيد أحمد بن سنكر الذي نصح بإلتزام معايير الضوابط الرقابية للعمل المالي والمصرفي والإمتثال بتنفيذها، إضافة إلى إستحداث برامج تكنولوجيا تهدف إلى فرض رقابة محكمة تخدم العمل الرقابي على المؤسسات المالية والمصرفية وتحسن أدائها، ما يعّزز ثقة العملاء بها، مشيداً في هذا المجال بمجموعة العمل المالي الدوليFATF التي أصرّت على تطبيق معاييرها لما له من أثر إيجابي. وهنا تحدث عن اليمن الذي طبق هذه المعايير بالرغم من الظروف التي تمر بالبلاد منذ عقد من الزمن، وعلى رغم ما يشهده القطاع المصرفي اليمني من متغييرات وتحديات صعبة ومواجهته ما لم تواجهه منظومة مصرفية في العالم. وأشار في هذا الصدد إلى إلتزام القطاع المصرفي بالمعايير الدولية المرتبطة بالجوانب الرقابية ما جعله يحافظ على علاقاته الوثيقة بمراسليه الخارجيين.
وفي الكلمة الثالثة للسيد محمد بن عمر، فقد تم التركيز على أربعة أمور: التحّولات الرقمية، التجديد الرقمي، الإندماج الرقمي والثقة الرقمية، أي الثقة في الحلول المالية الرقمية. وهنا عرض للتطورات التي تسبّبت بها جائحة كورونا وأدّتْ إلى إستعمال التكنولوجيا والتطبيقات والخدمات الرقمية، منّوهاً بالجهود التي بذلتها مؤسسات مالية في البلدان العربية للمساهة في إحترام تدابير الحماية للمواطنين عبر المرور سريعاً إلى البديل الرقمي في التعامل مع عملائها على رغم تحديات أخرى برزت، أهّمها القرصنة ومسألة الأمن السيبراني.
بعد ذلك، تحدثت الوزيرة السابقة الدكتورة سحر نصر التي تناولت ضرورة مواكبة التحديات والتحولات الكبيرة في العالم ومن أبرزها التحول الرقمي في التكنولوجيا الحديثة وزيادة التجارة الدولية بغية زيادة فرص العمل للشباب وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ثم كانت الكلمة الختامية للسيد بشير يقظان نائب حاكم مصرف لبنان الذي تناول فيها الأوضاع الإقتصادية والمالية وضرورة التعاون المصرفي في منطقتنا العربية مع المصارف المراسلة. في هذا الصدد، ذكر أن مصرف لبنان شدّد ولا يزال على ضرورة الحفاظ على دور القطاع المصرفي في المنظومة المصرفية العالمية، إنطلاقاً من إيمانه بأن الإلتزام بالمعايير الدولية في مجاليّ مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يحمي المجتمعات والإقتصادات والمصارف من مخاطر هذه الأعمال.”فهذا الأمر أولوية لدى المصرف المركزي لكونه يعزّز سلامة القطاع المالي والمصرفي ويحميه من المخاطر لا سيما مخاطر السمعة، علماً أن لبنان شريك في الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال، وذلك من خلال مشاركة هيئة التحقيق الخاصة بأعمال المنظمات الدولية والتعاون مع المصارف المركزية والهيئات الرقابية الأجنبية”، على حدّ ما قال. تابع: “وتعزيزاً للشفافية، ولتفعيل الإدارة الرشيدة، طوّر مصرف لبنان من خلال سلسلة من التعاميم، الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي والهيكلية الإدارية للمصارف. فلبنان، أوضح يقظان ، يمر بأوضاع صعبة للغاية نتيجة الصدمات المتلاحقة التي عصفت به مؤخراً، بدءاً بالأزمة المصرفية، مروراً بفقدان السيولة بالعملات الأجنبية، وصولاً إلى أزمة سعر صرف الليرة اللبنانية والإرتدادات السلبية والجدية على الوَضْعين الإقتصادي والإجتماعي. وهنا أشار إلى قرار الحكومة تعليق دفع سندات اليوروبوندز بالدولار الأميركي الذي أدى إلى تخفيض التصنيف الإئتماني السيادي إلى “متعثر .“defaultثم تتالت الأزمات: جائحة كورونا التي كان لها دور في تفاقم الركود في كافة القطاعات الإقتصادية، إضافة إلى إنفجار مرفأ بيروت الذي تسبّب بخسارة لا تعّوض بالأرواح وآثار نفسية مؤلمة في ذاكرة اللبنانيين، فضلاً عن خسائر مادية مباشرة قّدرت بالمليارات. وما فاقم الأزمة تعقيداً، هو عدم النجاح في تشكيل حكومة لأكثر من تسعة أشهر حتى الآن.
أخيراً دعا نائب حاكم مصرف لبنان إلى تكثيف التعاون والتواصل من قبل جميع المصارف في منطقتنا مع البنوك المراسلة لتعزيز الشفافية وتوطيد العلاقات معها، وذلك بوضع سياسات وإجراءات شاملة تلبي متطلبات القوانين وقواعد العمل والتوصيات الدولية والحرص على تطبيقها بشكل فعال، وهذه شروط أساسية لبناء جسور الثقة وتخفيف آثار سياسات تقليص المخاطر وحماية نظامنا المالي.
وفي نهاية المنتدى، قدّم إتحاد المصارف العربية درعاً تكريمية، وفاءً لروح المرحوم السيد شريف عبد الرازق، الرئيس التنفيذي الأسبق “لمجموعة الإلتزام والحوكمة” في البنك الأهلي المصري، تسلمته كريمته، وكان لها كلمة، شَكَرَت فيها الإتحاد.