المُحتفى به
سنتيا تبشراني
وراء كل مهنة ذات شهرة واسعة، شخصية محرِّكة لها درجت العادة أن نسميها “الجندي المجهول“. وقد تبقى هذه الشخصية مغمورة إعلامياً، على الأقل، إلى أن يأتي يوم تعود فيه إلى واجهة الأحداث بتكريمها بعد تعداد المآثر التي تركها لمتابعين تتلمذوا على يديه، ولأجيال قد يجدون بخبرته وبالقواعد التي أسسها كركيزة لنجاح العمل، ما يمكن الإستفادة منه.
زكي زاهر واحد من هؤلاء، ليس لأنه لم يكن معروفاً طوال فترة أدائه المهنة التي درسها ومارسها وخبرها ووضع قواعد وأسس لها، عنينا بذلك مهنة التأمين على الحياة، وإنما لأن هذه المهنة كانت بحاجة لشخص مثل زكي زهر ليُخرجها إلى النور ويسلِّط الضوء عليها، لأن التأمين على الحياة هو التأمين على أفراد عائلة فقدت معيلها، والتأمين على حياة ومعيشة أي شخص وفي أي عمر كان، وهو يصارع نوازل الدهر، وما أكثرها في أثناء حياته. وهذا في الواقع ما فعله زكي زاهر، صاحب السيرة الزاخرة بالثقافة والعلم، مع الرغبة في توريثهما للقادرين على متابعة المسيرة على النحو المطلوب.
ولد زكي زهر في فلسطين عام 1924. لكن نكبة 1948 دفعت به، كما سواه، للجوء إلى لبنان، ومن ثم الإنتقال إلى الأردن حيث أسس وكالة أصبحت في فترة زمنية محدودة وكالات، بعد نجاحه في مجال التأمين على الحياة. ونظراً إلى مهارته في أداء هذه المهنة وفي تكبير محفظتها، فقد غادر إلى الولايات المتحدة وحصل على جائزة Life Underwriter Chartered وذلك في العام 1969.
ومَن تابع الندوة الأخيرة الإفتراضية التي أدارها السيّدان: ناجي حداد وجوزيف عيد ورعتها BLIS وMetlife لتكريم زكي زهر وتسليط الضوء على إنجازاته، وكذلك من إستمعوا إلى ما قاله بعض من تتلمذ على يديه أو سار على نهجه، يمكن التعرّف أكثر إلى شخصية هذا الرجل. ففي المداخلة التي قدمها السيد حنين نحاس، المتشار في التأمين على الحياة في شركةMetlife منذ العام 1987، ذكر أن زكي زهر هو “مدرسة في التأمين“، لآنّه علّمنا كيف نؤمن بسحر فرع التأمين على الحياة الذي يجعل العائلة تبقى موحدة، إذ إن قلّة المال قد تفكّك العائلة، ومن هنا أهمية زكي زهر الذي كان يتمتع ببصيرة حادة، إذ كان يؤمن أنه كلّما إشتدت الأزمات كلّما كان الناس بحاجة للتأمين على الحياة وغير الحياة طبعاً. ولذا كم نحن اليوم بحاجة إلى ما يشبه زكي زهر في وقتنا العصيب الحالي وقت يمرّ لبنان بظروف صعبة جداً“.
جو يونان الخبير في التأمين منذ العام 1986 وأحد تلامذة زكي زهر، أشار إلى حادثة يجب الإستشهاد بها. فقد قال يوماً في أحد الإجتماعات حول عدم بيع أيّة بوليصة: أننا لا نستحق أن نأكل إذ لم نَبِعْ شيئاً“. أضاف: “بالنسبة إليّ، فإن زكي زهر هو معلّم ومرشد أيضاً. يزرع الدرس في رأس تلميذه الذي يتأثّر به كثيراً. وفي هذا الصدد كان يقول: إذا أردت أن يكون العمل جيداً، عليك إعطاؤه لشخص منشغل لأنه سيحدّد وقت التنفيذ، ويقوم بالمهمّة بشكل جيد جداً لعدم قدرته، بسبب ضيق الوقت، على القيام بها مرّة أخرى“.
من المشاركين في الندوة أحد تلامذة زكي زهر، هو السيد مازن نصر الممارس مهنة التأمين على الحياة منذ العام 1987. قال عن المحتفى به: “كانت لزكي زهر مواقف إيجابيّة من جميع الأمور التي تحدث معه نتيجة تجاربه الصّعبة منذ النكبة، وإلى حين لجوئه إلى لبنان. كان يردّد كل يوم أنه يريد أن يكون ناجحاً. Zig Ziglar الأميركي الشهير في مجالَيْ التحفيز وتعليم فن إتقان المبيعات، كان مثله الأعلى، خصوصًا لناحية عدم الاستسلام أبدًا“.
وفي مداخلة ثانية للسيد حنين نحاس، ذكر أن “التطوّر المهني في برنامج التأمين على الحياة يعود لزكي زهر صاحب الرؤية التي بقيت بعد وفاته، لذلك فإن إسمه سيبقى لآلاف السنين، مضيئاً في هذا البرنامج. لقد كان زكي زهر مبشراً في التأمين على الحياة“.
عقّب جو يونان على كلام زميله حنين نحاس قائلاً: “إن زكي زهر لم يكن شخصاً عادياً في مجال إختصاصه. كان عنده شغف بمهنته التي أحبّ. لقد كان يهتم بالأفكار لا بالتفاصيل. كان يبيع الأحلام والأفكار لا المشاكل والتعقيدات. وكان مدركاً أنه يجب جعل التأمين حاجة ملحّة لدى الزبائن. كان خارج الزمان وأفكاره وتعاليمه لا تزال تطبّق حتى اليوم“.
من أحلام زكي التي لم يحققها أن ينشر كتاباً يتضمن أصول وقواعد التأمين على الحياة. ولتحقيق حلمه، ارتأى المشاركون في هذا الـ Webinar أن يجمعوا ماكتب وقال وحاضر ليبقى الكتاب مرجعاً لوكلاء التأمين على الحياة.
بقي أن نشير إلى أن راعي هذه الندوة الإفتراضية هو مؤسسة Beirut Life Insurance Seminars (BLIS) التي أسّسها السيد ناجي حداد،. بدأت تنفيذ خطوتها في العام 2018 في أوّل منتدى شارك فيه 450 شخصاً. وفي العام 2019، عقدت مؤتمرها الثاني بحضور 2400 شخص، 800 منهم من خارج لبنان. وفي العام الماضي، ومع إنتشار جائحة Covid-19 أقامت BLIS 17 ندوة إفتراضية بينها واحدة أقيمت في فندق Le Royal – Dbayeh في 3 و4 كانون الأول 2020، وكانت المشاركة حضورياً وعبر الـOnline. وإفتتحت موسمها لهذا العام بندوة عن زكي زهر على أن تقيم كلّ آخر جمعة من شهور هذه السنة ندوة تتمحور حول وكلاء وشركات التأمين ودور كلّ منهما ونظرة المجتمع إلى هذا القطاع. وإلى ذلك، تقوم BLIS بتدريب وكلاء تأمين مواكبة للندوة الأخيرة التي كرّمت فيها عملاقاً في مهنة وكيل تأمين في لبنان منذ العام 1953.