مهما يكن رأيك برئيس المجلس النيابي نبيه بري، ومهما تكن مآخذك عليه، فأنت حتمًا
لا تستطيع إنكار دهائه السياسي وسرعة البديهة لديه في انتشال الغريق من البئر!
والغريق الذي انتشله الرئيس بري من البئر، قبل أيام، هو المحافظة على المؤسسات في لبنان، ومن خلالها على الاستقرار. إذْ كان سهلاً عليه أن يرفع الجلسة لعدم توافر النصاب وإعادة عقربَيْ الساعة إلى الوراء، ولكن خبرته ووعيه وحسن تدبيره، دفعته كلّها إلى اتخاذ موقف حكيم قلما يتجرّأ أحد على اتخاذه: المضي في الاستماع إلى تلاوة البيان الوزاري من رئيس الحكومة واختصار مناقشة هذا البيان والتصويت على ثقة، ولو هزيلة، تسمح لحكومة الرئيس حسان دياب بتنفيذ برنامجها الاصلاحي وإعادة تحريك دولاب العمل في مؤسسات دولة هَوَتْ إلى القعر وتطالب بإلحاح من ينتشلها.
نبيه بري كان الأكثر وعيًا وإدراكًا بالمخاطر، ونواب المعارضة الذين شاركوا في الجلسة وحجبوا الثقة عنها أبدوا، مثل رئيس المجلس، وعيًا مشكورًا لأنهم وضعوا مصلحة لبنان فوق كلّ اعتبار، متجاوزين الأخطاء، مهما كَثُرتْ وتنوّعتْ ولو كان بعضها يمسّ القوانين المرعية، إذْ ما فائدة أن نحترم شكليات القانون ونخسر البلد الذي نطّبق فيه هذا القانون؟
نجاح الرئيس بري في انتشال لبنان من الرمال المتحرِّكة يثبت، مرة أخرى، مقدرته في التعاطي مع القضايا المصيرية بكثير من الوعي والحكمة، ولا أظنّ عاقلاً يمكن أن يلومه على تصرفاته الحكيمة التي وضعت قطار الحكومة على سكة الانطلاق في ظرف نحن أحوج
ما نكون إلى حكومة قادرة، ولو بالحدّ الأدنى، على توفير “الاوكسجين” لوطن ينزف ويختنق ويكاد يُسلم الروح.
هذا لا يعني أن رئيس الحكومة والوزراء يجب أن يطمئنوا ويستريحوا ويناموا على حرير خشبة الخلاص التي مَنَعتْ غرقهم في الرمال المتحرِّكة، بفضل رئيس المجلس الذي عرف، كما دائمًا، كيف يُدوّر الزوايا ويُصلح ذات البَيْن، بل عليهم أن يكون على قدر المسؤولية التي تحمّلوها وارتضوا بها على رغم معرفتهم المسبقة، كم هي شاقة ومتعبة هذه المسؤولية، لأن كرة النار إذ تُركت وبدأت تلتهم الأخضر واليابس، فإن أوّل من سيتعرّض لهذا الحريق المميت، هو رئيس وأعضاء هذه الحكومة!
وفي الختام، لا يسعنا إلاّ أنّ نتمنّى لهذه الحكومة، على رغم كلّ مآخذنا عليها، وما كُتب قد كُتب وما قيل قد قيل، أن تمدّنا هذه المرة بخشبة خلاص ثانية تنتشلنا من.. رمالنا المتحرِّكة!
فضلو هدايا