الهبات الحارة من الأعراض الشائعة وكذلك جفاف المهبل
إعداد باسكال هبر بجاني
كثير من الأعراض المرافقة لسنّ اليأس ويمكن تخفيفها بواسطة المعالجة بالتعويض الهرموني. ولكن، هل صحيح أنّ هذه المعالجة تؤدّي إلى عواقب صحيّة أشدّ خطرًا، كالإصابة بسرطان الثديّ؟
معدّة هذه الزاوية السيدة باسكال هبر بجاني، الاختصاصيّة في علم الأحياء، تتناول هذا الموضوع بإسهاب، ردًّا على سؤال وَرَدَها من السيدة ريم . ص (من صيدا)، وكذلك من باب اطلاع المهتمّات خصوصًا والمهتمين عمومًا، على مشاكل سنّ اليأس والطرق المتّبعة لتخفيف آثارها الجانبيّة، لا إعطاء علاج لهذه الحالة الصحيّة التي لن تنجو منها أيّ امرأة، إذ أن الطبيب وحده يعطي العلاج، كما أنّ كلّ سيدة تقرّر الوجهة التي ستختارها لنفسها لأنّ القرار يتعلّق بصحّتها لا بصحّة غيرها!
ج: عندما تهبط المستويات الهرمونيّة في جسم امرأة عند بلوغها سنّ اليأس، فإنّها قد تحسّ بوقع أعراض لم يكن لها عهد بها في سنّ شبابها: هبّات حارة، تقلّبات مزاجيّة وأعراض أخرى. وفي هذه الحالة كثيرًا ما ينهال على المرأة في هذه السنّ فَيض من النصائح: خذي هرمونات كذا وكذا… إيّاكِ أن تتعاطي الهرمونات فإنّها مجلبة للسرطان! الهرمونات تحميك من السرطان! وهلمّ جرا من أمثال هذه “النصائح” التي تترك المرأة أشدّ حيرة من ذي قبل.
هذا التناقض الواسع في الآراء يشير إلى حقيقة لا مجال إلى تجاهلها أو إنكارها، وهي أنّ المعالجة بالتعويض الهرموني (HRT) قد صارت تجارة واسعة رابحة، وأصبحت من الأنباء الطبيّة التي تتناقلها وسائل الإعلام في مختلف أقطار العالم.
إنّ مئات الألوف من النساء – إذا امتدّ بهنّ الأجل – سيصلن إلى سنّ اليأس في السنوات المقبلة. وستجد كلّ واحدة منهنّ نفسها ضائعة أمام هذا السؤال المحيّر: هل أصدّق أقوال مؤيّدي العلاج الهرموني، أم أنّ المعالجة الهرمونيّة يمكن أن تصيبني بأفدح الآفات الصحيّة؟
وممّا يزيد في حيرة النساء، أنّ العلم لم يستطع حتّى الآن أن يقطع برأي في فوائد أو مضار وسائل العلاج الهرمونيّة. وكلّ ما هو معروف، حتّى الآن، حول ذلك، هو الحقائق التالي:
- أوّلاً، اتّخاذ القرار. يتراوح متوسّط الأعمار حاليًا ما بين 60 إلى 80 سنة، أو دون ذلك أو فوقه تبعًا للأحوال الصحيّة العامة في هذا القطر أو ذاك. وأيًّا يكن متوسّط الأعمار، فإنّ بلوغ أيّ امرأة سنّ اليأس هو المرحلة المناسبة من مراحل عمرها التي يفيدها فيها أن تراجع حساباتها وتُحصى ما لها وما عليها، ثمّ تبدأ في اتّباع منظومة حياتيّة وصحيّة جيّدة تصلح لها بالذات. فإذا كان قرارها أن تُعوّض تدنّي المستويات الهرمونيّة في دمها، بأخذ عقاقير هرمونيّة صنعيّة إضافيّة، وبخاصة الاستروجين، وربما البروجيستيرون، وأن تجعل ذلك جزءًا من أنظومتها الحياتيّة الجديدة، فعليها ألاّ تفعل ذلك إلاّ بعد استشارتها طبيبها وأن يفكّر الاثنان مليًّا في هذا الأمر.
إنّ اتّخاذ قرار حول ذلك لا يكون من فراغ، لأنّ هناك عوامل لدى كلّ امرأة، وعليها أن تدخل في حسبانها عوامل الاحتمالات المرضيّة التي تواجهها هي بالذات، وأنواع الأمراض الوراثيّة التي تَسْري في دمها، وكيفيّة شعورها إزاء موضوع اللجوء إلى المعالجات الهرمونيّة أو الانصراف عنها، ذلك أنّه على أساس هذا القرار ستبنى صحّة المرأة خلال ما تبقّى من عمرها.
- ثانيًا، الخيارات القائمة. إنّ الهرمونات الصنعيّة شبيهة بالهرمونات الطبيعيّة لدى المرأة. وأكثر أنواع الاستروجين الصنعي استعمالاً في بعض الأقطار هو “بريمارين” (Premarin) الذي يشتقّ من بَوْل الفرس. أمّا معظم الهرمونات التعويضيّة الطبيعيّة فهو مشتقّ من فول الصويا. وكلا النوعَيْن، الصنعي والطبيعي، يُصنَّع مخبريًا، وكلاهما قادر على تخفيف الأعراض الكريهة التي (يمكن) أن ترافق سنّ اليأس، ويفيد في زيادة كثافة العظام، ممّا يساعد في تفادي بعض العوامل المسبّبة لترقّق العظام، (وبخاصة عظام المرأة). أمّا هرمونات بروجيستيرون الصنعيّة فإنّها أكثر احتمالاً من الاستروجين، لأن تصيب المرأة التي تستعملها بآثار جانبيّة مزعجة، مثل التحسّس الشديد بألم الثدي عند لمسه، واحتباس السوائل بالجسم، والصداع وتقلّب المزاج والشعور بالكآبة وزيادة الوزن. كما أنّ الفروق الكيمائيّة الخفيّة بين الهرمونات الطبيعيّة والهرمونات الصنعيّة، يمكن أن تسبّب فروقًا هائلة بين امرأة وأخرى.
- ثالثًا، الفوائد. كثير من الأعراض الشائعة المرافقة لسنّ اليأس، بما في ذلك الهبّات الحارة، وجفاف المهبل، وتجفّف البشرة، يمكن تخفيفها بواسطة المعالجة بالتعويض الهرموني. كما أنّ هذه المعالجة قد تساعد أيضًا في تخفيف حالة الكآبة والقلق التي قد تُصاب بها (بعض) النساء)إذ أنّه ليس هنالك أي دليل على أنّ سنّ اليأس يسبّب كآبة مرضيّة سريريّة، ولو أن اضطرابات النوم الناشئة عن تعرّق المرأة الزائد بسبب الهبّات الحارة ليلاً، قد تؤدّي إلى كآبة المرأة.
إنّ هرمون الاستروجين الموجود في تركيب أدوية المعالجة التعويضيّة الهرمونيّة، يمكن أن يخفّض احتمالات إصابة المرأة بالآفات القلبية بنسبة يمكن أن تصل إلى 50%. وقد تكون هذه الفائدة عائدة إلى أن الاستروجين يزيد من مستويات الكوليستيرول الصحّي في الدمّ، وهو البروتين الرفيع الكثافة (HDL) ويخفّض مستويات الكوليستيرول الضار، وهو البروتين الشحمي الخفيض الكثافة (LDL)، كما أنّ الاستروجين يعمل على تخفيض مستويات “مُوَلّد الليفين” أو “الفبرينوجين” (fibrinogen)، وكذلك تخفيض لصوقة الصفيحات، وسوى ذلك من المواد أو المؤشّرات الدالّة على تخثّر الدم. كما أنّ المعالجة بالتعويض الهرموني يمكن أن تؤدّي إلى تبطيء أو وقف ترقّق العظام، وذلك بإنقاصها نسبة الخسارة العظيمة المتسربة مع البَوْل وطرح الفضلات. وهذا التقليل لدرجة الخسارة العظميّة في سنّ اليأس بواسطة الاستروجين يتمّ عن طريق عدّة آليات مختلفة، فهو يساعد الإمعاء على امتصاص معدّل الكلس في شتّى الأطعمة، ويؤدّي إلى تباطؤ عمليّة تحلّل هذا المعدن وفَقْد العظام له، كما أنّه يساعد الكليتَيْن على التقليل من طرحهما الكلس في البَوْل، ما قد يساعد على تقليل امكانات تقصّف العظام بنسبة قد تصل إلى 50%. والمعالجة بالاستروجين يمكن أن تقوّي عظام الفكّيْن التي تُمسك بالأسنان، وتوفّر قدرًا من الحماية من أخماج المسالك البوليّة، وتخفّض احتمالات الإصابة بسرطان القولون وداء الخَرَف (الزهايمر).
- رابعًا، المحاذير. لقد لاحظ الأطبّاء في السبعينات من القرن الماضي، حدوث زيادة في حالات الإصابة بسرطان الرحم بين النساء اللواتي يتعاطَيْن هورمون الاستروجين التعويضي. ولكن يبدو أنّ إضافة البروجستين إلى انظومة التعويض الهرموني تؤدّي إلى تخفيض هذا الاحتمال تخفيضًا هائلاً. أمّا بالنسبة للمحاذير من الإصابة بسرطان الثدي من جرّاء هذه المعالجة، فإنّها أقل تأكيدًا من ذلك، إذ أن بعض الدراسات يشير إلى حدوث زيادة طفيفة في نِسَب الإصابة بهذا الداء، ولكن بعضها الآخر لا يشير إلى حدوث مثل هذه الزيادة في احتمال الإصابة. وقد بيّنت الدراسات أيضًا حدوث زيادة نسبتها 50% في إصابات الراشدات بالربو بسبب هذه المعالجة وكذلك حدوث زيادة طفيفة في نسب الإصابة بالحصيات الكلوية.
- خامسًا، الآثار الجانبيّة. بعض النساء اللواتي يلجأن إلى العلاج بالتعويض الهرموني يصبن بواحد أو أكثر بالآثار الجانبيّة لهذا العلاج، مثل تضخّم الثدي، واشتداد حساسية الثديين بالألم عند اللمس، والرغبة الملحّة في تناول بعض الطعمة، والصداع والدوخوة والغثيان والاقياء واحتباس السوائل، والنزف المهبلي الغزير والمغص في المنطقة الحوضية. إنّ كثيرًا من هذه الأعراض قد يكون ناجمًا عن تعاطي البروجستين، لذا فإنّها قد تخفّف عن طريق تبديل الجرعات الدوائيّة أو التحوّل إلى البروجيستيرون الطبيعي.
- سادسًا، طريق إعطاء العلاج. في أوروبا، كان كثير من النساء يفضّلن أخذ العقار الخاص بالمعالجة الهرمونيّة التعويضيّة، بواسطة كريم جلدي، يدهن على الذراعَيْن أو البطن، ويتمّ تسلّم الجسم للعقار بموجب جرعات محدّدة بدقّة. وفي الولايات المتحدة، كان يتمّ نقل العقار بشكل حبوب أو لصائق جلديّة ينتقل الدواء عبرها إلى الجسم، علمًا أنّ الهرمونات الموجودة في اللصيقة، تمتصّ بصورة مباشرة في الدورة الدمويّة. وتوجد أنظومة دورية من عقاقير المعالجة بالتعويض الهرموني، تقلّد الدورة الطبيعيّة الشهريّة تقليدًا دقيقًا، ومعظم النساء اللواتي يتعاطَيْن هذه الأنظومة العلاجيّة، تحدث لديهنّ عودة إلى النزف الشهري. وتوجد أيضًا كريمات مهبلية من الاستروجين، وهي ليست في الواقع معالجة تعويضيّة هورمونيّة، ولكن هذه المعالجة يمكن أن تؤدّي أحيانًا إلى تخفيف مقدار تجفّف وترقّق النسج المهبليّة.
- سابعًا، الفترة التجريبيّة. لا يمكن التهكّن بالكيفيّة التي يكون عليها ردّ فعل المرأة على طريقة المعالجة بالتعويض الهرموني، لذلك فإنّ أمر رصد الأعراض المترتبة على تعاطي الدواء، متروك للمرأة نفسها، وتقدير معاني الأعراض يُترك للطبيب. فإذا استمرّت الهبّات الحارّة بعد العلاج، فإن جسم المرأة عندئذٍ لا يمتصّ الهرمونات امتصاصًا صحيحًا، أو أن الجرعة ينبغي أن يطرأ عليها تعديل. فإذا لم تستفد المرأة من إحدى الانظومات الدوائيّة، فقد تستفيد من التحوّل إلى أنظومة غيرها.
إنّ الاختبارات التالية يمكن أن تساعد المرأة أو طبيبها على تقدير درجة الصحّة العامة واحتمالات الخطورة ودرجة التجاوب مع المعالجة بالتعويض الهرموني. وقبل أن يقوم الطبيب بوصف طريقة المعالجة للمرأة، فإنّه يقوم ببعض التحريات التالية: تدوين تارخ صحّي فردي أو أسروي كامل، إجراء فحص طبّي كامل وبعض الاختبارات الدموية، بما في ذلك تعداد دموي كامل، ومستويات الاستروجين والكوليستيرول، والوظيفة الكبدية، ومستويات ثلاثي الغليسيريد، ووظيفة الغدّة الدرقيّة. وهناك اختبارات إضافيّة تشمل تحليلاً برازيًا لاكتشاف دمّ خفيّ وتصويرًا إشعاعيًا للثدي إذا كانت المرأة تتجاوز الخمسين من عمرها، وتفرّس في الكثافة العظمية وأخذ خزعة بطانية رحمية.
- ثامنًا، البدائل. لجفاف المهبل يستعمل كريم الاستروجين أو كريم للتطرية. ولمنع أو تخفيف الهبّات الحارة، تمارس التمرينات الرياضيّة بانتظام، وتتجنّب المرأة أكل الأطعمة الحرّيفة وتناول الشوكولاته والقهوة وتعاطي المشروبات الكحوليّة، وتكثر من أخذ الدوشات الغائرة. يُسأل الطبيب عن الأدوية التي تفيد في تخفيف الحالات الشديدة من الهبّات الحارّة. بعض خبراء التغذية والمعالجات البديلة يوصون بتعاطي الفيتامينات والأعشاب الدوائيّة مثل الجنسينغ.
ويفيد بعض الاختصاصيّين أنّه بإمكان المرأة الحصول على عقاقير كبيرة من هورمون الاستروجين، من مصادر طبيعيّة. ولتخفيف آثار تناقص المستويات الهرمونيّة، تلجأ بعض النساء إلى Phytoestrogens وهو الاستروجين الطبيعي الموجود في بعض النباتات مثل فول الصويا.