عبد الوهاب ملحّن القصيدة يقبّل تمثال أحمد شوقي في زحلة
في قصيدة أحمد شوقي “يا جارة الوادي” التي شبّه فيها عروسة البقاع زحلة بإمرأة فاتنة أغدق عليها كلامًا جميلاً ورقيقًا في الغزل، استخدم في سياق ما انشَدَ في البيت التاسع تحديدًا، عبارة “وتعطّلت لغة الكلام”…
ومع أنّ المقارنة لا تصحّ أبدًا، إلاّ أنّني ارتأيت استعارة هذه العبارة “وتعطّلت لغة الكلام” لأصف الواقع الحالي الذي نحن فيه.
نعم، لقد “تعطّلت لغة الكلام” لصعوبة أن تُبدي رأيًا في ما يجري على الساحة اللبنانيّة، وقد تداخلت الأمور بعضها بالبعض الآخر، وتشابكتْ وباتتْ فكْفكة العِقَد مهمّة مستحيلة، لا يقوى عليها “عهد قويّ” ولا “شمشون جبّار” ولا حائك صوف يكثر من التطريز والفذلكة.
“تعطّلت لغة الكلام” لأنّك لا تعرف من أين تبدأ وأيّ المشاكل تحتاج أوّلاً إلى معالجة: هل انهيار الليرة إلى أدنى مستوياتها؟ هل الغلاء المُستشري والمتفاقم يومًا بعد آخر؟ هل ارتفاع أسعار المشتقات النفطيّة ووصول سعر تنكة البنزين إلى 400 ألف ليرة؟ هل الكهرباء الذي صُرِفت مبالغ هائلة عليها يقدّرها البعض بنصف دين لبنان، ومع ذلك نعيش في العتمة؟ هل انفجار المرفأ الذي لا يزال التحقيق حوله يراوح مكانها ويتفاقم الجدل بشأنه؟ هل تفكّك الجسم القضائي بعد انهيار المؤسّسات، الواحدة تلو الأخرى؟ هل الأوضاع الاجتماعيّة وأبرزها استحالة الدخول إلى المستشفيات وصعوبة اقتناء الأدوية؟ هل أموال المودعين التي أصبحت في خبر كان؟ هل الانهيارات المتتالية لمقوّمات لبنان الموجودة: كالسياحة الترفيهيّة والسياحة الدينيّة والسياحة الاستشفائيّة؟ هل العلاقات المترنحة بوتيرة تصاعديّة شرقًا وغربًا؟
لقد تعطّلت فعلاً لغة الكلام وامسى الحوار حوار طرشان!
في قصيدة أحمد شوقي “يا جارة الوادي” بعض ما يعيدنا إلى الماضي الجميل، يوم كان لبنان مقصد اخوته العرب ومستشفاهم وجامعتهم وملهاهم ومصرفهم ومصيَفهم ومرقد عنزتهم ومنبرهم الإعلامي ومكان لقاءاتهم واجتماعاتهم ومؤتمراتهم واللائحة تطول…
وبعْدُ ماذا أقول؟
أستعير من أمير الشعراء مطلع القصيدة الرائعة:
يا جارة الوادي طَرِبْتُ وعادني
ما يُشبه الأحلام من ذكراك!
مثّلتُ في الذكرى هواكِ وفي الكرى
فالذكريات صدى السنين الحاكي…
فضلو هدايا