حركة خجولة داخل مطار بيروت
موسم الإصطياف والسياحة في لبنان لم يعد واعداً، كما كان مؤمّلاً بل مؤكّداً، بعدما أطاحت به الحرب الإسرائيلية-الإيرانية التي لم تكن “لا في البال ولا في الحسبان”، كما يُقال. ومن يستعيد تاريخ هذا الموسم منذ اندلاع الحروب في لبنان، بأنواعها، بدءاً من العام 1975، يستنتج وكأن “عيناً حاسدة” أصابته ولم تُفقأ حتى الساعة!
صحيح أن هذه “العين الحاسدة” كانت تُعرقل في ما مضى وتدفع الموسم الى نصف انهيار، الا أن ما جرى في هذا الصيف يكاد يكون ذروة الصدمات التي تلقاها لبنان، حكومة وشعباً. وما زاد من وطأة هذه الصدمة أن الحكومة كانت تمنيّ النفس بإلغاء دول الخليج قرار منع السفر الى لبنان على غرار ما فعَلَت دولة الإمارات، لكن ما حدث في الأيام الماضية، وفي بداية الموسم، بدا ضربة قاضية لموسم السياحة و الاصطياف لن يتمكّن لبنان من استيعابها و تاليا الوقوف مجدداً على قدميه.. وما زاد في الطين بلة، فوضى قطاع الطيران المدني في المنطقة وإلغاء العدد الأكبر من الشركات الأجنبية رحلاتها إلى بيروت، باستثناء 3 شركات، في ظلّ ضياع قاتل سببه عدم معرفة ما ستؤول اليه هذه الحرب. وبات من المعروف وبإزاء هذا الواقع، أن آلاف السيّاح، الذين كانوا يخططون لتمضية الصيف في لبنان، ألغوا حجوزاتهم، واقتصر ما تبقى من حجوزات على عدد من المغتربين اللبنانيين الذين ما زالوا يأملون أن تتحسّن الأحوال في الأسابيع المقبلة.
يأتي هذا في وقت سارعت دول عربية الى إجلاء معظم رعاياها من لبنان في اليومين الماضيين، ولا تزال تُسيّر بعض الرحلات لإجلاء من تبقى منهم، وان تكن «الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا لا تزال تتروى في دعوة رعاياها إلى المغادرة .

ضمن هذا الإطار، أشار نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة، جان عبود، إلى إلغاء عدد كبير من الحجوزات، سواء على صعيد تذاكر السفر، أو الفنادق والشقق المفروشة، أو إيجار السيارات، لافتاً إلى تراجع حركة الوافدين إلى لبنان بنسبة فاقت 60 في المئة مع إيقاف نحو 50 شركة طيران رحلاتها إلى بيروت واقتصار الرحلات على نحو 3 أو 4 شركات فقط. كذلك أعلن رئيس اتحاد النقابات السياحية، نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر أن “تداعيات السلبية للحرب الدائرة بين ايران واسرائيل بدأت تتكشف على الساحة اللبنانية”. واذ شدّد على أن الحرب قادرة على قتل الموسم السياحي، بدليل الإلغاءات التي طاولت حجوزات القادمين والفنادق وكل ما له علاقة بهذا المرفق الإقتصادي المهم.
ولكن الا توجد مخاوف أخرى غير الحرب الإيرانية-الإسرائيلية؟ نعم بالتأكيد. اذ ان هناك مخاوف كبيرة، في حال غابت السيطرة على هذه الحرب، ان تتوحّد ساحات ما يُعرف بـ”الممانعة”،و أولها ساحة لبنان، وتنطلق منه المساندة النارية لطهران اذا شعرت بحاجة الى هذه المساندة ، وعندها،و وفق التحذيرات الإسرائيلية، سيكون المطار والبنى التحتية والمراكز الرسمية عرضة للقصف والتدمير..
يُذكر ان قطاع السياحة في لبنان كان يُعدّ العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، قديماً وحديثاً، وكان يُدخل أكثر من 8 مليارات دولار سنوياً الى الخزينة قبل العام 2011، مساهماً بنحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه تأثر بشكل أساسي باندلاع الحرب السورية وتبعاتها؛ ما أدى إلى انقطاع الطرق البرية مع دول الخليج وتراجع أعداد السياح الخليجيين، قبل أن تنطلق موجة من التفجيرات الانتحارية عام 2014، وصولاً إلى انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية عام 2019، فتفشي جائحة «كورونا» عام 2020؛ ما أدى إلى توقّف شبه كامل للسياحة، مع إغلاق الفنادق والمطاعم و شلل الرحلات الجوية. وبعدما حاول القطاع التقاط أنفاسه في السنوات القليلة التي تلت، أدى انخراط «حزب الله» في حرب غزة عام 2023، وما تلاه من حرب إسرائيلية موسعة على لبنان الصيف الماضي، إلى تعرّض القطاع لخسائر طائلة، ستضاف اليها خسائر ناتجة عن الحرب نفسها، اذ ان البيئة الشيعية التي تضرّرت، وأي ضرر من الحرب الأخيرة المرتبطة بدعم حزب الله لغزة،كانت تنتظر أن تكون ايران الداعم الأكبر ماديا لإعادة الأعمار ، الا أن ما خلفته الحرب مع اسرائيل من تداعيات وخسائر اقتصادية لن تسمح لها حتماً بتقديم هذه المساعدة، وهذه نكبة جديدة ستصيب المجتمع اللبناني برمته لا البيئة الشيعية فقط.