بتاريخ 26/2/2010 (التاسعة صباحًا)، كان المدعي جوزف الأشقر متوجّهًا نزولاً نحو الغرب على طريق ساحل علما بسيارة من نوع نيسان مضمونة لدى شركة Berytus، ومالكها هو المطلوب إدخاله غازي تابت. في تلك اللحظة، كان المدعى عليه جورج حنّا يصعد على طريق علما بسيارة من نوع BMW، مضمونة لدى شركة Security.
ولدى وصول المدعي الاشقر إلى مقابل اوتيل Sunrise على شبه منعطف مائل عن يساره، فوجيء بسائق سيارة النيسان قادمًا من الوجهة المقابلة، منزلقاً نحوه بسبب تبلّل الارض بمياه الامطار ولقرب المسافة وعنصر المفاجأة وعدم التنبّه. أدّى هذا الانزلاق إلى حصول اصطدام بين مقدمة سيارة الـ BMW من جهة وبين مقدمة الـ Nissan من جهة ثانية، وكذلك إلى اندفاع السيارتين جراء الصدمة، نحو جانب الطريق من الجهة الغربية، ما أدى الى اصابة المدعي جوزف الاشقر بتورّم رضّي على الوجنة اليسرى مع جرح تمّ تقطيبه، فضلاً عن كسور في الفقرتَيْن الخامسة والسادسة من العنق، الامر الذي استوجب دخوله الى المستشفى لاجراء الفحوص والصُوَر وأخذ العلاجات اللازمة. ونتيجة لهذه الأضرار الصحيّة، توقّف عن العمل مدة شهرين للمعافاة واسترجاع نشاطه، بناء لتقرير الطبيب المعالج. ولم ينته الأمر عند هذا الحدّ، بل أجريت له ، في مرحلة لاحقة، عمليات جراحية في العمود الفقري استحصل على أثرها على تقرير طبي من الطبيب الشرعي الدكتور سركيس ابي عقل أشار فيه إلى أنّ المدّعي أصيب بشلل جزئي دائم وبنسبة 65% من قواه الجسديّة في الطرف العُلوي الأيمن مع محدودية حركة المفصل حتى درجة 60، إضافة إلى حالة ضعف في الطرف الايسر وضعف في العصب مع شعور بالتنميل وحالة عدم توازن.
وبتاريخ 2/6/2014، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في كسروان حكماً حمل الرقم 403 على 2014، قضى:
١- بإدانة المدعى عليه جورج حنا بمقتضى المادة 565 من قانون العقوبات وحبسه مدة شهرين واستبدال العقوبة، تخفيقاً، سنداً لأحكام المادة 254 عقوبات، بتغريمه بمبلغ خمسماية الف ليرة لبنانية، على أن يُحبس يوماً واحداً عن كل عشرة آلاف ليرة لبنانية في حال عدم الدفع، سنداً للمادة 54 عقوبات.
2- بإدخال شركتَيْ Security وBerytus للتأمين في المحاكمة.
3- برد طلب إدخال شركة Bankers للتأمين شكلاً.
4- برد طلب إدخال المدعو غازي تابت كمسؤول بالمال.
5- برد طلب المدّعي جورج حنا بإلزام المدعى عليه جوزف الاشقر بالتكافل والتضامن مع شركة Berytus للتأمين بالتعويض عليه عن الاضرار اللاحقة بسيارته.
6- بإلزام المدعى عليه جورج حنا بأن يدفع بالتكافل والتضامن مع شركة Security للتأمين للمدّعي جوزف الاشقر مبلغاً قدره عشرون مليون ليرة لبنانية، تعويضًا عن مجمل الاضرار اللاحقة به.
7- برد كل ما زاد أو خالف.
8- بتضمين المدعى عليه جورج حنا الرسوم والنفقات كافة.
وبتاريخ 22/5/2015 تقدّم المدعي جوزف الاشقر بواسطة وكيله المحامي طارق الاشقر طالبًا إسقاط الحكم المستأنَف لناحية التعويض المتوجّب لصالح المستأنِف وقدره عشرون مليون ليرة لبنانية، واعتباره كأنه لم يكن والحكم مجدداً بإلزام المستأنَف عليهم، بالتكافل والتضامن فيما بينهم، بدفع مبلغ مايتي ألف دولار أميركي بدل العطل والضرر بالاضافة الى الضرر المعنوي بقيمة ثلاثة آلاف دولار أميركي. كذلك تضمين المستأنَف عليهم الرسوم والمصاريف واتعاب المحاماة.
وبتاريخ 9/10/2015 تقدّم المدعى عليه جورج حنا بواسطة وكيله المحامي يوسف شقير باستئناف تناول الحكم المذكور أعلاه وطلب فسخ الحكم المستأنَف ونشر الدعوى والحكم مجدداً بإعلان براءة جورج حنا من جرم المادة 565 عقوبات لعدم توافر أي عنصر من عناصر الجرم، ولعدم ثبوت مسؤوليته عن الحادث، واعتبار أن المسؤولية كاملة تقع على عاتق المستأنَف عليه جوزف الاشقر لتسبّبه بهذا الحادث ولقيامه بقيادة سيارة لا يحقّ له قيادتها، واعتبار هذه المحكمة مختصة للنظر بالتعويضات للمستأنف جورج حنا، وإلزام المستأنَف عليه الاشقر والمسؤولين بالمال شركتَيْ Security وBankers للتأمين وغازي تابت بأن يدفعوا للمستأنِف تكاليف إصلاح سيارته، واستطراداً تعيين طبيب شرعي للكشف على وضع الاشقر الصحي واستجواب الطبيب سركيس ابي عقل، وأكثر استطراداً إلزام المستأنَف عليهم دفع أي تعويض قد يصدر عن المحكمة. وفضلاً عن ذلك، تدريكهم الرسوم والمصاريف والعطل والضرر والاتعاب.
وفي جلسة ختام المحاكمة الاستئنافية، حضر المحامي طارق الاشقر والمدعي جوزف الاشقر والمحامي روني عبد الكريم و وجورج حنّا والمحامي جوزف رزق (عن Berytus) طالبًا ردّ الاستئنافَيْن والتصديق، كما حضر المحامي موريس الجميل (عن Security) طالبًا التصديق، ولم يحضر المستأنف عليه تابت وقد تبلغ بالذات فتمت محاكمته غيابياً. كذلك حضر المحامي فارس مخايل (عن Bankers) وطلب ردّ الادخال والتصديق.
وترافع ممثل النيابة العامة وطلب التصديق. وبنتيجة المحاكمة العلنية الاستئنافية، بعد الاطّلاع على الأوراق كافة ولدى التدقيق والمذاكرة، أصدرت محكمة استئناف الجِنَح في جبل لبنان – جديدة المتن المؤلّفة من الرئيس ناظم الخوري مكلّفًا والمستشارَيْن ساندرا اللقيس وانطوان طعمه، ما يلي:
– إن الاستئنافَيْن المقدّمَيْن من المدعي جوزف الاشقر ومن المدعى عليه جورج حنا، وردا ضمن المهلة المفروضة قانوناً واستوفيا الشروط الشكلية كافة، الامر الذي يوجب قبولهما شكلاً.
أمّا في الأساس، وحيث ان فعل المدعى عليه جورج حنا لجهة اقدامه عن اهمال او قلة احتراز او عدم مراعاة القوانين والانظمة على التسبّب بإيذاء المدعي جوزف الاشقر مخالفاً، بذلك، أحكام المادة 11 بند 1 من قانون السير التي توجب على السائق ان يبقى في جميع الحالات يقظاً ومسيطراً على مركبته بشكل يمكنه من اجراء جميع العمليات والمناورات المتوجبة، فإنّ هذه المخالفة تشكّل الجنحة المنصوص عنها والمعاقب عليها بمقتضى المادة 565 من قانون العقوبات، وهذا ما ثبت في التحقيقات الاولية وأقوال الفرقاء، وتقرير الخبير، والتقارير الطبية ومجمل الاوراق ومجريات المحاكمة.
وحيث ترى المحكمة، وفي ضوء ظروف الحادث، وجوب منح المدعى عليه المستأنف الاسباب التخفيفية، سنداً لأحكام المادة 254 من قانون العقوبات.
وحيث بالنسبة لطلب ادخال شركة بنكرز للتأمين، لا وجود في الملفّ لسند قانوني تمّ الارتكاز عليه لادخالها في المحاكمة، خاصة أنّها ضامنة للمدعي جوزف الاشقر في مجال التأمين الصحي الشخصي، وبالتالي لا علاقة لتلك الشركة بحادث السير الحاصل ولا مجال لادخالها، وأيّ دعوى بهذا الشأن لا تقام إلاّ من المتضرر أمام المحاكم المدنية المختصة.
وحيث بالنسبة لمالك السيارة غازي تابتلا يُعتبر مسؤولاً بالمال، إلاّ إذا توافرت أحد الشروط الواردة في المادتين 126 و127 من قانون الموجبات والعقود، الامر الذي يقتضي إخراج المالك غازي تابت من المحاكمة.
وحيث بالنسبة للمطالبة بقيمة الاضرار اللاحقة بسيارة المدعى عليه تقتضي الاشارة الى ان دعوى الحق الشخصي الناتجة عن جرم الإيذاء غير المقصود ترتبط فقط بالتعويضات الجسدية المادية والمعنوية دون التعويضات المادية اللاحقة بالسيارة والتي لا يمكن المطالبة بها أمام المحاكم الجزائية، بل يمكن أن تشكّل سبباً لدعوى مدنية إذا ما توافرت شروطها مما يوجب رد مطالب المدعى عليه لهذه الجهة وإخراج شركة Berytus للتأمين من المحاكمة.
وحيث ان الحكم المستأنف الذي قضى بإدانة المدعى عليه جورج حنا بمقتضى المادة 565 من قانون العقوبات وبتغريمه سنداً لها بعد التخفيف، وبرد طلبَيْ إدخال شركة” بنكرز” وغازي تابت، وبرد طلب المدعى عليه جورج حنا لجهة الاضرار اللاحقة بالسيارة وإلزامه وشركة Security للتأمين بالتكافل والتضامن، دفع تعويض للمدعي جوزف الاشقر قدره عشرون مليون ليرة لبنانية يكون واقعاً في موقعه القانوني السليم ومستوجباً التصديق لجهة الادانة والعقوبة ولجهة رد طلبَيْ إدخال شركة بنكرز وغازي تابت، ولجهة ردّ طلب المدعى عليه حنا المتعلق بالاضرار اللاحقة بالسيارة. أما بالنسبة للتعويضات الشخصية فترى المحكمة تعديلها لتصبح بقيمة أربعين مليون ليرة لبنانية يلزم بدفعها المدعى عليه جورج حنا بالتكافل والتضامن مع شركة سيكوريتي للتأمين.
وحيث بالوصول الى النتيجة المتقدمة يقتضي رد سائر الاسباب والمطالب الزائدة والمخالفة إما لكونها لاقت رداً ضمنياً فيما سبق ذكره، وإما لعدم تأثيرها على النتيجة الواردة، بما فيها طلب تعيين طبيب شرعي وطلب استيضاح الطبيب سركيس ابي عقل،
لهذه الاسباب، وبعد الاستماع الى مطالعة النيابة العامة، تقرِّر المحكمة بالاجماع:
أولاً، قبول الاستئنافَيْن المقدّمَيْن من المدعي ومن المدعى عليه شكلاً.
ثانياً، في الاساس تصديق الحكم المستأنف لجهة الادانة والعقوبة ولجهة رد طلبَيْ إدخال شركة “بنكرز” وغازي تابت، ولجهة رد طلب المدعى عليه حنا المتعلق بالاضرار اللاحقة بالسيارة، وتعديل الحكم لجهة التعويضات الشخصية لتصبح بقيمة أربعين مليون ليرة لبنانية يلزم بدفعها المدعى عليه جورج حنا بالتكافل والتضامن مع شركة “سيكوريتي” للتأمين.