السفينة المحتجزة… إلى الحريّة
بعد حوالى الثلاثة أشهر على أزمة السفينة EVER GIVEN التي جَنَحَت في قناة السويس وعطّلت حركة العبور ستّة أيّام، توصّلت هيئة القناة إلى “اتّفاقيّة تسوية” مع الشركة اليابانيّة المالكة للسفينة Shoei Kisen Kaisha، قضى بالإفراج عن السفينة المحتجزة من قبل السلطات المصريّة من دون معرفة كامل التفاصيل عن الاتّفاقيّة المقرّر توقيعها الأربعاء (7 تموز الحالي) بحضور ممثّل عن الجهات المالكة لـ EVER GIVEN والمؤمّنة عليها شركة Stann Marine للاستشارات القانونيّة والبحريّة ومركزها لندن.
ما تسرّب من معلومات عن “اتّفاقيّة التسوية”، أنّ هيئة القناة خفّضت مبلغ التعويض المطلوب لقاء الأضرار الناجمة عن جنوح السفينة، من 916 مليون دولار إلى 550 مليونًا، وإن كان رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع رفض، في تصريح تلفزيوني له، الإفصاح عن مبلغ التعويض، مكتفيًا بالقول أنّ “هيئة القناة حافظت على حقوقها كاملة”.
وما كان لهذه الاتّفاقيّة أن تبصر النّور لولا المناقشات المكثّفة التي جَرَت بين لجنة تفاوض قناة السويس وبين ممثّلي أصحاب السفينة وشركات التأمين، وتمَحْوَرت نقطة الخلاف الرئيسة تحول التعويضات، إلى أن حصل الاتّفاق الذي أشرنا إليه والذي يبدو أنّه رَمَى إلى أبعد من التعويض المادي. لقد رغبت هيئة القناة، بإيعاز من السلطات المصريّة، المحافظة على العلاقات السياسيّة مع اليابان من جهة، ومع الشركة المالكة للسفينة الجانحة من جهة ثانية، آخذة بعين الاعتبار الخدمة المعنويّة الكبيرة التي اكتسبتها القناة من وراء هذا التعطيل القسري لناحية إبراز أهميّة القناة كممرّ بحري يربط بين آسيا وأوروبا ويقلّص مدّة الرحلة ما بين اسبوع إلى اسبوعَيْن، كانت ستحتاجهم السفن للالتفاف حول افريقيا. وكان تعطّل الملاحة قد أدّى إلى ازدحام مروري في القناة، من مظاهره تشكّل طابور انتظار طويل زاد عن 420 سفينة محمّلة لــ 26 مليون طن من البضائع. أمّا الهدية التي تلقّتها هيئة القناة بعد هذه التسوية فكانت عبارة عن قاطرة بقوّة شدّ تصل إلى 75 طنًّا.
يُذكر أنّ السفينة الجانحة EVER GIVEN البالغ طولها 400 متر وعرضها 59 مترًا وحمولتها 224 ألف طن والتي كانت متّجهة من الصين إلى روتردام في هولندا، قد شاركت في تعويمها عشر قاطرات، إضافة إلى جرّافات لحفر قاع القناة، في عملية بالغت التعقيد بسبب الطبيعة الصخريّة للمجرى. وبهذا الصدد، أشار تقرير لشركة أليانز للتأمين، إلى أنّ تعطّل نقل البضائع، نتيجة وقف الملاحة بالقناة، كلّف التجارة العالميّة 6 إلى 10 مليارات دولار في اليوم.
يُشار هنا إلى أنّ خسائر القناة في الأيّام الستّة التي تعطّلت خلالها حركة العبور، تراوحت بين 72 و90 مليون دولار، وهو مبلغ استردّته الهيئة أربعة أضعاف تقريبًا. بحسب إحصاءات العام 2020، فقد بلغ عدد السفن التي عبرت الممرّ الذي يربط بين البحر الأحمر والمتوسّط، نحو 17 ألفًا وأنّ الإيرادات السنويّة لذلك العام تخطّت الـ 516 مليار دولار.
وقد بات معلومًا أن السفينة EVER GIVEN الجانحة، هي من أكبر سفن الحاويات في العالم. وككلّ حادث من هذا النوع، بدأت الجهات المعنية، وبينها شركات التأمين، بإجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة من المسبّب ومَنْ عليه تسديد التعويضات: هيئة القناة لأنّها سمحت للسفينة بالعبور في أحوال جويّة غير مؤاتية، أم السفينة نفسها لأنّ فيها عيوبًا في التصنيع, أم تُراه الربّان هو المسؤول؟
في التحليل المنطقي بعد الوصول إلى “اتّفاقية التسوية” واستبعاد أي خطأ عن هيئة القناة، فإنّ أصابع الاتّهام توجّهت على ما يبدو، إلى القبطان، ربما لأنّه “قام بمناورة خاطئة أدّت إلى إنحراف السفينة بشدّة قبل جنوحها بهذا الشكل”، بدليل أنّ 12 سفينة عبرت القناة في ظروف جوية مشابهة لم تشكّل عائقاً أمام حركة الملاحة. في المقابل، فالشركة المشغِّلة لسفينة EVER GIVEN، رفعت عن نفسها مسؤوليّة أيّ تأخير في نقل البضائع لأنّ الاتفاقيات المبرمة مع العملاء لا تضمن وقت وصول الشحنات، وفق رئيسها إيريك هيسه.
معروف عن قناة السويس أنّها افتتحت في العام 1869، ومذّاك، شهدت عدة مراحل من التوسّع والتحديث من أجل مواكبة تطوّر التجارة البحرية، إذ تؤمّن عبور 10 بالمئة من هذه الحركة الدوليّة. وفي الحادي عشر من أيار (مايو) الماضي، وافق الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي على مشروع لتطوير قناة السويس يشمل توسعة وتعميق الجزء الجنوبي للقناة حيث جنحت السفينة العملاقة، وكذلك تعهّد بشراء كافة المعدّات التي تحتاج إليها القناة لمواجهة الأزمات الطارئة، وكان منها وصول جرافة من هولندا، هي الأكبر والأحدث في الشرق الأوسط وافريقيا، لتنضمّ إلى أسطول معدّات هيئة القناة. وتصل قدرة تجريفها إلى 3600 متر مكعّب من الرّمال في الساعة الواحدة.
بقيَ أن نشير إلى أنّ إيرادات القناة في الشهور الستة الأولى من العام الحالي، بلغت ثلاثة مليارات دولار، أي بزيادة 8.8 بالمئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ما يدفع إلى الاعتقاد أن الإيرادات قد تصل في نهاية السنة إلى ستة مليارات دولار.