أركان ورشة العمل
الاتحاد الأفروآسيوي للتأمين وإعادة التأمين FAIR، نظّم في 20 كانون الأوّل (ديسمبر) الحالي، ورشة عمل افتراضية هي الثالثة له هذا العام، بعنوان “استراتيجيّات إدارة المخاطر: الحلول التأمينية”.
والموضوع المُشار إليه والذي تمّ تناوله، هو طبعًا جدير بالاهتمام والمتابعة، لأنّ إدارة المخاطر والدور الذي يلعبه التأمين في هذا المجال، يحتاجان إلى وَقْفَة للدراسة ولمتابعة الشؤون والشجون، وبخاصة في هذه الأيّام التي تشتدّ فيها المخاطر الطبيعيّة على وجه الخصوص، تزامنًا مع تغيّر المناخ الذي أدّى إلى كوارث نالت منطقتنا جزءًا منها لا يُستهان به.
من هنا، فإن دراسة وتطوير فاعلية معايير إدارة المخاطر في المنظّمات والشركات واعتماد الاستراتيجيات التي تتماشى مع أفضل المعايير الدوليّة، هي عملية مستمرّة ويجب أن تستمرّ نتيجة وقوع المخاطر المتتابعة والمتنوّعة، الأمر الذي يتطلّب، في المقابل، ابتكارات مستمرّة لمنتجات التأمين، ولتغطية تلك المخاطر.
ووفقًا لذلك، هدفت ورشة العمل التي أقامها الـ FAIR، إلى التأكيد على الحاجة الماسّة للتعلّم من الخبرات المتنوّعة في مختلف البلدان والأسواق العالمية، وتحديد أفضل المبادئ لتعزيز ثقافة إدارة المخاطر ومنع الخسائر، والمساعدة في الحصول على أنسب خطط واستراتيجيّات التأمين وتطويرها.
لقد تناولت ورشة العمل المذكورة في مناقشاتها، المواضيع الأربعة التالية:
- تقييم وإدارة المخاطر: أدوار شركات التأمين والوسطاء.
- إدارة المخاطر واستخدام التكنولوجيا وإعداد النماذج.
- دور معيدي التأمين في إدارة المخاطر.
- منع الخسائر: إستراتيجيات مبتكرة.
وللإجابة عن هذه الأسئلة المطروحة، تحدّث خلال الورشة، ممثلون عن شركات تأمين وإعادة تأمين وإدارة مخاطر ووساطة تأمين عاملة في المنطقة الأفروآسيوية، وهم السادة:
1- علاء الزهيري، رئيس الاتحاد الأفروآسيوي للتأمين وإعادة التأمين، والعضو المنتدب لشركة GIG مصر.
2- Dr. George E Thomas, Professor (Head Research) Insurance Institute of India
3- زهير عطعوط، الرئيس التنفيذي لشركة APEX، الأردن.
4- Mr. David Piesse, Advisory Board of Ultinate Risk Solutions and Research Board of International Insurance Society
5- Mr. Shankar Garigiparthy, CEO, Lloyds India
6- Mr. Monday Utomwen, Chief Risk Officer, WAICA Re, Sierra Leone
لقد تناول المتحدّثون مواضيع هذه الورشة من جوانب متعدّدة ومتنوّعة، بداية بالإشارة إلى كيفيّة تقييم المخاطر من قبل شركات التأمين عبر إجراء دراسة لها والتوصية بضوابط لتقليل احتمالية وعواقب هذه المخاطر. عندها تصبح مقبولة بالنسبة لشركات التأمين، ما يسمح بتغطيتها، وتاليًا بإفساح المجال لجذب أقساط وشروط وأحكام أفضل.
وإلى ذلك، تناولت الورشة الخطوات المطلوبة لإدارة المخاطر والتي تشمل التواصل والمراقبة والمراجعة من حيث تحديدها وتحليلها، ومن ثم تقييمها والعمل على معالجتها. إنّ هذه المعالجة الاستباقيّة تسمح، إلى حدّ كبير، بتجنّب المخاطر أو تقليلها أو حتّى نقلها.
أمّا التأمين كأداة من أدوات إدارة المخاطر في التعويض المادي، فله فوائد عديدة عند وقوع الخسائر، لا سيّما في مجال التعويضات. وهنا يجب التنويه بدور الوسيط التأميني والذي يتمثّل، خلال العملية التأمينية، في التعرّف إلى العملاء بشكل وثيق، والعمل على دراسة المطالبات السابقة وطرق إدارة المخاطر الفعّالة المتّبعة وتحليلها، بالإضافة إلى المساعدة في إجراءات منع الخسارة وتقديم توصيات لتقليل المخاطر.
إلى ذلك، نوّهت الورشة بأهميّة إعداد النماذج في عملية إدارة المخاطر، فأكّد المحاضرون ضرورة ان تكون شاملة، مستعرضين أمثلة عن نماذج الكوارث الطبيعية وارتباطها بالمخاطر المالية المعروفة باسم DFA (التحليل المالي الدينمي) وتشغيل هذه النماذج في ضوء تشريعات الملاءة مثل Solvency II وRBC (رأس المال القائم على المخاطر). وأوضح هؤلاء أنّه يتعيّن، حاليًا، إضافة مخاطر غير ملموسة مثل الإنترنت والعملات المشفّرة إلى عملية إعداد النماذج، معتبرين هذه الإجراءات جزءًا أساسيًا من إدارة مخاطر المؤسسة.
ولم تنسَ الورشة المهمّ وهو عمليّة إعادة التأمين التي اعتبرها المحاضرون معاملة ليست خالية من المخاطر، متوقّعين أن يكون لدى شركات التأمين عمليات إدارة ومراقبة لتقليل مخاطر فشل إعادة التأمين، مشيرين إلى عدّة خطوات إذا طُبّقت، تزيد فعالية عملية إعادة التأمين في أطار إدارة المخاطر كالسماح للشركات بالاستفادة من ترتيبات إعادة التأمين الخارجية ، بحسب نوعية المخاطر، تطبيق الأحكام القائمة على الحسابات النقابية ورأس المال، عدم اشتراط استراتيجيات إعادة التأمين أو متطلبات نقل المخاطر الظروف العادية، تطوير الإستراتيجيات على مستوى الشركة والأخذ في الاعتبار الاكتتاب وإدارة رأس المال، وأخيرًا وليس آخرًا، مقدار المخاطر ونوعها المسموح بتحمّلها من أجل تلبية الأهداف الإستراتيجيّة لكلّ شركة.
أخيرًا، أوصَتْ الورشة ضرورة وجود نوافذ مهمّة للتطوير المستمر في عملية إدارة المخاطر المتغيّرة والمتجدّدة باستمرار لمواكبتها، وعلى أن تعكس هذه العمليّة أساليب الابتكار في منع الخسارة ومنها:
1- ابتكار المنتجات والخدمات.
2- ابتكار التفاعل مع العملاء.
3- ابتكار نموذج العمل.
4- ابتكار المراسلة.
5- الأعمال (تمكين) ابتكار النظام البيئي.
6- ابتكار منصة الكفاءة.
7- التحالفات وعمليات الاستحواذ والابتكار التعاوني.
8- ابتكار السوق العالمية.
يبقى أن نشيرإلى أنّ مداخلة السيد زهير العطعوط صاحب شركة APEX نالت الكثير من الاهتمام على مستوى المتحدّثين، كما على مستوى متابعي هذه الندوة الثالثة التي يتظّمها السيد علاء الزهيري منذ تسلّمه منظّمة الأفروآسيوي في ختام مؤتمر شرم الشيخ الأخير وتكمن أهميّة هذه المداخلة في أن السيد عطعوط يملك معرفة عميقة في إدارة المخاطر والاستشارات التأمينيّة التي تندرج تحت غطائها تلك المخاطر وكيفيّة إدارتها. وما التوسّع الذي حقّقته شركة APEX على مستوى المنطقة، سواء من خلال مكتبَيْن أساسيّيْن في كلّ من القاهرة ونيروبي، أو عبر مكاتب تمثيليّة في غير دولة عربيّة وأفريقيّة، إلاّ تأكيد على نجاحه في العمل التأميني بشكلٍ عام وإدارة المخاطر على وجه الخصوص.
ففي مداخلته في الـ Webinar المُشار إليه، تناول السيد العطعوط دور التأمين وتحديدًا دور وسيط إعادة التأمين الذي هو أحد أركانه في مجال تجنّب المخاطر والتي منها الطبيعيّة كالفياضانات والأعاصير، والصحيّة كالآفات الصغيرة والكبيرة معًا وأبرزها بطبيعة الحال جائحة كورونا ومتحوّرات هذا الفيروس والمخاطر السياسيّة المتمثّلة بالشغب والحروب، من دون أن ننسى المخاطر البيئيّة الناتجة عن التلوّث وتفجيرات النيترات، صغيرها وكبيرها، وصولاً إلى المخاطر الناتجة عن القنابل النوويّة.
وهل التأمين هو فعلاً حلٌّ لمشكلة المخاطر؟
ردّ السيد زهير العطعوط على هذا السؤال الذي طرحه بنفسه بالقول: “إنّ التأمين ليس الحلّ البديل كليًّا وإنّما هو جزءٌ من هذا الحلّ”. وبرأيه أنّ الوصول إلى شاطئ الأمان يتطلّب من كلّ شركة تقييم المخاطر بشكلٍ دقيق ووضع استراتيجيّات للمستقبل في ما خصّ هذه المخاطر ومتابعة المستجدّات يومًا بيوم استعدادًا لساعة الصفر التي لا يعلمها إلاّ الله وحتّى لا تكون المفاجأة كبيرة جدًّا وتكون المخاطر خارج السيطرة.
وفي محاولة منه لتصنيف شركات التأمين وتسليط الضوء على الواقع التي تعيشه تلك الشركات، وَصَف الكبيرة منها ذات الرأسمال المحترم بأنّ المخاطر تبقى تحت السيطرة لقدرتها على المواجهة، في حين أنّ الصغيرة منها لا بدّ أن تحتاج إلى تبصّرٍ جيّد خوفًا من التهلكة لأنّ أيّ حادث خطر ليس بمقدور الشركة الصّغيرة، ومعها شركة الإعادة، أن تواجهه بإمكانيّاتها الماديّة، يكون مصيرها السقوط في الهاوية، ومن هنا كثُرت الدعوات في المدّة الأخيرة لعمليّات دمج يخضع لها هذا النوع من الشركات لأنّ في تجميع الملاءات يُمكن هذه الشركة، وقد اشتدّ عودها، أن تواجه ايّ خطر يقف في وجهها.
وفي ملاحظة له على هامش هذه المداخلة، أعطى مثلاً جديرًا بالاهتمام، إذ قال: “إنّ صاحب مشروع إقامة بناء قد يطلب من المقاول صفر مخاطر، فيلجأ الأخير إلى شراء بوليصة للتخفيف من الخسائر التي يمكن أن يتكبّدها في حال وقعت كارثة بيئيّة أو طبيعيّة أو حتّى اجتماعيّة أو سياسيّة”. وهنا أشار إلى أنّ شركة التأمين، في حال وقعت أخطار، لا بدّ أن تعوّض عمّا أصاب البناء وهو قيد الإنشاء، لكنّ الشركة لا تستطيع أن تعالج موضوع تراجع اسهم الشركة التي تتولّى إدارة هذا المشروع، وهذا موضوع يجب أن يلحظه طالب التأمين وأن يستوضح كيفيّة المحافظة على قيمة هذه الأسهم من خلال بوليصة ثانية أو أكثر تغطّي هذه الناحية.
هذا ما يمكن قوله عن هذه الندوة الجديرة بالاهتمام والتي سيعقبها حتمًا ندوات بهذا المستوى من المعالجة العميقة. ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنّ السيد علاء الزهيري الذي هو أصلاً رئيس الاتّحاد المصري لشركات التأمين، وقد أعيد انتخابه للمرّة الثانية، يستعدّ حاليًا للملتقى السابع للرعاية الصحيّة نهاية كانون الثاني (يناير) بمشاركة خبراء دوليّين والذي سيُعقد في القاهرة لمعالجة خمسة مواضيع أساسيّة تتعلّق بالرعاية الصحيّة، علمًا أنّ هذا الملتقى سينعقد بالتعاون مع الاتحاد العام العربي للتأمين GAIF بشخص السيد شكيب أبو زيد ومع إدارة الرعاية الصحيّة EHMS التي يترأّسها الدكتور إيهاب أبو المجد.