لم يسلم بيت أو متجر أو مستشفى أو مدرسة أو جمعية أو مؤسّسة سياحيّة من تداعيات الانفجار الكارثي في 4 آب 2020 الذي ضرب مرفأ بيروت. وإذا كانت الأضرار قد تفاوتت بين منزل وآخر ضمن الدائرة التي تعرّضت لهذا الزلزال الهيروشيمي، كما وُصف، إلاّ أنّها كانت شبه متساوية على صعيدَي المستشفيات والمدارس، وهذان القطاعان حيويّان وأساسيّان خصوصًا في هذه الأوقات الصعبة التي نعيشها في زمن وباء كورونا.
لكن الأضرار المادية تبقى دون الاهتمام إذا ما قيست بالأضرار البشريّة التي نتجت عن هذا الزلزال. فالضحايا والمفقودون بالمئات والجرحى بالآلاف، وهنا تكمن الخسارة الفعليّة والتي لا تقدّر بثمن. وما يزيد من هذه المأساة أنّ نسبة عالية من الضحايا هم من الصّغار والشباب ممّن لم يتخطّوا العقد الثاني من أعمارهم.
هذا طبعًا لا يقلّل من أهميّة الخسائر الاقتصادية والمالية المباشرة وغير المباشرة: من بنى تحتيّة للمرفأ خصوصًا، إلى الأبنية السكنيّة في العاصمة وجوارها، إلى المكتبات والمطاعم والسيارات، فضلاً عمّا أتينا على ذكره في المقدّمة أعلاه أيّ المستشفيات والمدارس التي تعرّضت إلى أضرار جسيمة جدًّا لم يتمكّن أحد من القيّمين عليها أن يحدّد، إلى الآن، قيمتها الفعليّة، باستثناء ما قرأناه من تقديرات. فالبيان الصادر عن رئاسة الجمهورية يشير إلى أنّ أضرار المرفأ وحده تصل قيمتها إلى خمسة مليارات دولار، وهذا ما أكّد عليه أيضًا وزير الاقتصاد والتجارة في الحكومة المستقيلة راوول نعمه، وكذلك محافظ بيروت الجديد القاضي مروان عبود، علمًا أنّ هذا الرقم غير نهائي ولكنّه مجرّد رقم تقديري وقد لا ينقص حتمًا إنّما قد يرتفع، لأنّ هناك مواد استهلاكيّة في العنابر، لم يُصَرْ بعد إلى إحصائها، من دون أن ننسى الخسائر الناتجة عن الطبابة التي ستقدّمها الدولة للمصابين وتعويضات الشهداء التي هي من واجبات وزارة الصحّة، فضلاً عن خسائر غير مباشرة: إذ أكثر من سبعين بالمئة من تجارة لبنان مع الخارج كانت تتمّ عبر المرفأ الذي يُعتبر واحدًا من أهمّ عشرة مرافئ على البحر المتوسط. وأن ننسَ فيجب ألاّ ننسى مداخيل الدولة من هذا المرفق وقد تراجعت أو انتفت، كذلك الصادرات التي كانت تخرج منه، وهي توقّفت بدورها، ما يعني أنّ حجم الأضرار المادية غير المباشرة تصل إلى مليارات الدولارات. والمعروف أنّ الحكومة المعنيّة بتصليح ما تهدّم وتخرّب (سواء من المساعدات إذا أتتها أم من عائداتها)، شكّلت خلية أزمة للكشف عن الأضرار واحصائها وصولاً الى إيجاد آلية للتعويض للمتضرّرين. وستعمل هذه الخلية جنبًا إلى جنب الهيئة العليا للإغاثة.
من المستشفيات والجمعيات الخيريّة التي تضرّرت جرّاء انفجار المرفأ، نذكر “واحة الحياة” Oasis de vie، هذا المركز الرعائي الاستشفائي المتخصّص الذي كان احتفل في الأوّل من تموز الماضي أي قبل شهر وأربعة أيام على حصول الانفجار، بمرور عام على ولادته. ومن المعروف عن هذا المستشفى الذي يقع في الأشرفية (المنطقة الأكثر تضرّرًا) والذي يتألّف من تسع طبقات علوية وستة سفليّة، أنّه فريد من نوعه لرعاية المصابين بالأمراض دون الحادة أو المتوسطة الحدّة، كذلك رعاية المصابين بالألزهايمر ومن هم في المرحلة الأخيرة من حياتهم، فضلاً عن الرعاية الملطّفة التي يوفّرها لمرضاه، إلى جانب العناية بكبار السنّ.
وبحسب بيان صادر عن جمعية الروم الكاثوليك الخيريّة في بيروت (والمستشفى عائد لها)، فإنّ الأضرار التي لحقت بالمستشفى قدّرت بنصف مليون دولار كتقديرات أوّليّة. ونظرًا إلى عدم توافر هذا المبلغ طالبت الجمعيّة بدعم لإصلاح الضرر ولتأمين الأدوية والغذاء. وما يجدر ذكره هنا أنّ مقرّ الجمعية نفسه في منطقة مار ميخائيل المواجه للمرفأ، تعرّض إلى أضرار كبيرة جدًّا بسبب موقعه. ويمكن الراغبين في المساعدة أن يساهموا في الحساب الخاص بالجمعية الذي فُتح في البنك اللبناني الفرنسي، فرع العكاوي بالأشرفية.
نشير هنا إلى أن أضرار “واحة الحياة” كمستشفى أقلّ بكثير من أضرار مستشفى مار جاورجيوس (مستشفى الروم) الذي قدّرت أضراره بـ45 مليون دولار، وأقلّ من أضرار المستشفى اللبناني (المعروف بـ “الجعيتاوي”) وأقلّ من مستشفى الورديّة ومقرّه الجميزة، الذي تعرّض إلى خراب كامل ولهذا قد تفوق أضراره أضرار سائر المستشفيات. وثمة أضرار أصيب بها مستشفى أوتيل ديو ولكنّه لم يقفل أبوابه بل استمرّ في معالجة المرضى وفي استقبال المصابين بوباء Covid-19.
وبالانتقال إلى المدارس، فأضرار مدرسة الحكمة التي يعود إنشاؤها إلى العام 1875، تتخطّى العشرة ملايين دولار، كما تصل أضرار مدرسة البشارة الارثوذكسيّة ومقرّها في مواجهة المرفأ، إلى خمسة ملايين. ومن المعاهد الأثرية المتضرّرة، مدرسة زهرة الأحسان التي أسّست في العام 1882 كواحدة من أقدم المدارس في لبنان. ولم تُحصَ الأضرار بعد ولكنّها كبيرة، وطرحت إدارتها الصوت للمساعدة المادية.
لعلّ ما اشرنا إليه هو غيض من فيض، لأنّ الانفجار دمّر البنايات. ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإنّ نحو 80 ألف طفل لبناني فقدوا منازلهم وأصبحوا نازحين. وفي هذا الإطار ذكرت هذه المنظمة أن أحد الأطفال حديثي الولادة توفي نتيجة تدمير مستشفى للأطفال في منطقة الكرنتينا، كان به وحدة متخصّصة تعالج حديثي الولادة في حالة حرجة. كذلك أشارت إلى أنها تحتاج إلى نحو أربعة ملايين ونصف مليون دولار لتتمكّن من الاستجابة للاحتياجات الضخمة في بيروت وخاصة للأطفال المتضرّرين وعوائلهم.
وإلى ما تقدّم، لحقت الأضرار بنحو 34 مدرسة وكذلك في شبكة الكهرباء في الأشرفية وفي مبنى مؤسّسة كهرباء لبنان، وكذلك في شبكات المياه أيضًا. ولا عجب إن تكشّفت الأيام المقبلة عن مزيد من الضحايا البشرية ومن الخسائر المادية، وعن مفاجآت مذهلة عندما تنتهي التحقيقات وتشير أصابع المحقّقين إلى المتسببّين بهذا الانفحار، الثالث من نوعه في العالم، وعلى امتداد التاريخ.