الحركة شبه معدومة في أسواق بيروت
في يوم واحد صَدَرَ مؤشّران اقتصاديّان اثنان: الأوّل من بنك لبنان والمهجر حول مدراء المشتريات، والثّاني من جمعيّة نجار بيروت – فرنسبنك عن الفصل الثالث من العام 2021 الحالي لتجارة التجزئة. وللأسف، فإنّ المؤشّرَيْن معًا عكسا، بمضمونهما، الواقع المرير الذي يعيشه لبنان. وإذا كان “المكتوب يُقرأ من عنوانه”، كما يُقال في اللغة العاميّة، فإنّ العنوانَيْن اللذّيْن تصدّرا المؤشّرَيْن معًا، يُنبئان بالكارثة! ففي نشرة بلوم بنك جاء ما يلي: “مؤشّر مدراء المشتريات ينخفض لأدنى مستوى له في تسعة أشهر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021″. وبالنّسبة لمؤشّر جمعيّة تجار بيروت – فرنسبنك، وَرَد في العنوان: “تدهور مستمرّ بالتزامن مع رفع الدعم من دون بديل”.
في التفاصيل، والبداية مع مؤشّر مدراء المشتريات، فقد وردَ في التعليق الذي كتبته السيدة ألين قزّي، محلّلة البحوث في لبنان والمهجر للأعمال، إنّ التأثيرات السلبية السياسية للمستجدات المحلية والإقليمية، أدّت للتدهور السريع وغير المتوقع للعلاقات بين لبنان ودول الخليج، يُضاف إليها حالة الإضطراب السياسي التي تمخّضت عنهاالاشتباكات الدامية في منطقة الطيونة في بيروت، فضلاً عن الأزمة القضائية المستمرة، من دون أن ننسى الظروف الاقتصادية التي ازدادت سوءًا. ونتيجة لذلك، انخفض مؤشر الإنتاج لدى شركات القطاع الخاص اللبناني، الأمر الذي دفعها إلى تخفيض أعداد موظفيها، كما سَجَّلتْ الشركات اللبنانية زيادة في التكاليف الإجمالية لمستلزمات الإنتاج بسبب انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي. وإلى ذلك، انخفضت طلبيات التصدير الجديدة بوتيرة هي الأعلى منذ بداية العام. ورغم ذلك كله، لم تتحمل الحكومة اللبنانية حتى الآن مسؤولياتها في التعامل مع أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان في التاريخ الحديث.
أمّا مؤشّر جمعية تجّار بيروت – فرنسبنك، فقد ركّز على أنّ فصل الصيف الماضي كان قاسياً على الأسواق مرّة أخرى هذه السنة، نتيجة لما شهدته البلاد من تأخيرٍ مقلق في تشكيل الحكومة، وإنعدامٍ لرؤية مستقبلية واضحة، وإستمرار لأزمة الوقود التى بدأت تطاول قطاعات عامة حيوية في البلاد، ومغادرةٍ مبكرة للمغتربين الذين كانوا قد أصرّوا على القدوم الى لبنان والذين كانت الآمال معلّـقة على ضخـّـهم لما يقارب 3 مليارات دولار “فريش“. لكنّ هذه الآمال تبخّرت،ما حال دون تمكّن القطاعات التجاريّة من استلقاط الأنفاس…
وفي ظلّ تلك الأجواء، حلّق مؤشّر غلاء المعيشة ليبلغ مستويات غير مسبوقة. أما لجهة المالية العامة للدولة، فلم تستجدّ أي معطيات نقدية تدلّ على قرب تحسـّـن الأوضاع، مع توقـّـعات تشير الى مزيد من الإنكماش في الناتج المحلي لهذه السنة وتفاقم العجز في ميزان المدفوعات، على رغم هبوط الواردات الى ما يقارب نصف ما كانت عليه سابقاً (أي هبوط من 20 مليار دولار الى حوالي 12 مليارًا).
باختصار، جاء المؤشّر مرة أخرى ليترجم التدهور المستمر في الأوضاع التجارية بشكل خاص والأوضاع الإقتصادية في البلاد عموماً، وسط إرتفاع جنوني في غلاء المعيشة، وفي ظلّ غياب أي إجراء لكبح هذه الحالة الإقتصادية والمالية والإجتماعية الخطيرة التى يعيشها لبنان. وبصورة عامة، يبدو أن قطاعًا واحدًا لم ينجُ من هذه الكارثة، وبات الإنقاذ ملحاً اليوم قبل الغد وقبل فوات الأوان.
ومع تشكيل حكومة الإنقاذ التى لحقت هذه الفترة، إستبشر المواطنون خيراً، إنما يبدو أن المصالح السياسية الفئوية ما زالت، بالرغم من كل ذلك، تفوق مصالح الوطن وتبدّي أولياتها على أوليات المواطنين.