كريستين داخل الاستديو
كفاءة لبنانية جديدة تستعدّ للهجرة إلى قطر الخميس المقبل لتلتحق بعملها الجديد في مؤسّسة مصرفية – تأمينيّة كبيرة هي “شرق للتأمين – مجموعة دوحة بنك”.
المعنيّة بهذا الكلام هي الآنسة كريستين حدّاد التي ودّعت مستمعيها الخميس الماضي في حلقة مؤثّرة امتزجت بها دموع الحزن والفرح: الحزن على المغادرة والفرح على تنفُّس الحياة خارج لبنان بعدما ضاقت فيه كلّ السبل، بما في ذلك كميّات الاوكسيجين في الفضاء، وفي المستشفيات، وفي صدور المصابين بفيروس كورونا الباحثين عن رصيفٍ ينتظرون عليه دورهم، لعلّ كأس الموت يبتعد عن شفاههم!
كانت الحلقة الإذاعيّة مقرّرة لاستضافة الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة لتقف منه على مواضيع مصرفيّة وماليّة شتّى أبرزها حديث حاكم مصرف لبنان الأخير الذي تضمّن خبرًا عن إمكانيّة تعويم الليرة، وهو ما أثار ولا يزال يثير ضجّة على المستويَيْن المصرفي والشعبي. ولكن ما كادت كريستين حدّاد تُعلن خبر المغادرة في مقدّمة الحلقة، حتّى انهمرت عليها الاتصالات وعلى مدى ساعة ونصف الساعة من الزمن، هي الفترة المخصّصة لبرنامجها “سامع حالك” على راديو الـ أف. أم. “MBS”. وكان تهافت الاتصالات عليها بديهيًا، لأنّ علاقتها بهذه الإذاعة تعود إلى سبع سنين قدّمت خلالها برنامجًا منوّعًا يسلّط الضوء على قضايا اجتماعيّة وفنيّة واقتصاديّة وحتى سياسيّة في مرّات نادرة.
وكما خسِر متابعو الإذاعة كريستين حدّاد، فإنّ قرّاء مجلة “تأمين ومصارف” سيخسرون أيضًا قلمها ولمساتها الفنيّة على موقع المجلة www.taminwamasaref.com الذي أبصر النور قبل سبعة أشهر، وإن كانت الكتابة في المجلة مرجّحة أن تستمرّ، إذا لم يُبدِ القيّمون على المؤسّسة الجديدة معارضة.
فماذا يعني هذا الانتقال بالنّسبة لكريستين حدّاد نفسها، وبالنسبة للمجتمع اللبناني الذي بدأ يخسر الكفايات في كلّ الحقول ولا سيّما في الحقل الطبّي، وهذا هو الأخطر؟
دموع كريستين على الهواء كانت “خير دليل على اليأس من الحالة التي وصل إليها لبنان أو بالأحرى التي دفع السياسيّون بها ليصل لبنان إلى ما وَصَل إليه”، كما قالت في المقدّمة وهي تبثّ حلقتها الأخيرة. أمّا على مستوى المجتمع، فإنّ هذه المغادرة، كي لا نقول الهجرة ليقيننا أنّ لبنان سيعود ولن يبقى مشرّدًا على قارعة الطريق، تعني هي أيضًا الكثير بالنسبة للعائلات والأهالي ومن تبقّى من الشباب ومن لا يزال يجهد أمام أبواب السفارات للحصول على تأشيرة تسمح له بالمغادرة غير آسف على البقاء في وطنٍ حكمه الفاسدون وأصرّوا على امتصاص آخر نقطة دمّ في أجساد مواطنيه، وعلى غرار ما كان يفعل مصاصو الدماء في بعض القبائل الافريقيّة القديمة.
طبعًا كلّ الخير والتوفيق لكريستين في مهمّتها الجديدة التي انتقلت إليها بطريق المصادفة. لقد استدعتها شقيقتها غريتا المقيمة في الدوحة قبل ثلاثة أشهر لتكون بقربها وهي تستعدّ لإطلاق مولودٍ جديد. وبالفعل، سافرت إلى هناك وما أن حطّت رحالها حتّى وصلها اتّصال من أحد المسؤولين في قسم الموارد البشريّة في المؤسّسة يطلب منها الحضور إلى مكاتب الشركة للتحدّث في موضوع مهني صرف، إذ كان المصرف في طور تجديد هيكليّة شركة التأمين التابعة له، وكان يبحث عن شخصٍ يفهم بالمجالَيْن المصرفي والتأميني. وبما أنّ لكريستين خبرة طويلة في هذا المجال، وبعد لقاءات عدّة معها، عُرِض عليها العمل، فوافقت، ثمّ تمّ التوقيع على عقد وسارت الأمور بسرعة بدليل إلحاح القيّمين على الشركة بأن تبدأ دوامها الرسمي في الأوّل من شباط المقبل.
مع التمنّي لكريستين كلّ التوفيق والنجاح على رغم خسارة لبنان هذا الوجه الذي يجمع بين مِهَنٍ عدّة من بينها الكتابة والعلاقات العامة والإعلام، صحافيًا وإذاعيًا وتلفزيونيًّا، إذ أعدّت وقدّمت قبل سنتَيْن سابقتَيْن برنامجًا لتلفزيون لبنان مع زميلها خبير التأمين نادر شاهين، عنوانه “أمّن حالك”، عدا عن تولّيها المسؤوليّة في شركات تأمين عدّة: “أدير”، “تراست” وغيرهما.
وما يعزّينا كزملاء لكريستين هو أنّ الاستعانة بالكفايات اللبنانيّة في الدول العربيّة الشقيقة، الخليجيّة تحديدًا، هو أن هذه الكفايات لا تزال الأعلى رقمًا في بورصة التوظيف بسبب مميّزات اللبناني في المعرفة والخبرة والمهنيّة فيما يستعجل وطنه بفضل سياسيّيه، الانتحار: الانتحار الذي بدأ بطيئًا، وها هو اليوم يسرّع خطواته!
فضلو هدايا