سندات وتوريق
هل بات ممكناً التخلّي أو الأصحّ التخفيف من الإعتماد على شركات التأمين وكذلك على شركات الإعادة؟ مع أن الإجابة عن هذا التساؤل، ليست بالسهولة التي يظنّها البعض، وقد يردّ كثيرون على السؤال بالقول: “لا، لا يمكن”، والـ “لا” هنا جازمة! لكن من يقرأ النشرة الأخيرة للإتحاد المصري للتأمين (رقمها 250) يتأكّد أن التخفيف من الإعتماد على شركات الإعادة ممكن جداً، بل هو مُتاح، وبطرق عدّة، أبرزها “توريق التأمين”، أي نقل مخاطر الاكتتاب إلى أسواق رأس المال، كأحد بدائل تحويل الخطر، وهو ما سنتناوله في الأسطر التالية، استناداً طبعأ على الدراسة التي أعدها الإتحاد والتي تزخر بمعلومات تفيد أصحاب الشركات ومدراءها، كما العاملين في قطاع التأمين.
نُشير بداية، الى أن التعويضات الناجمة عن كوارث عدّة طبيعية (كما الزلزال والحرائق)، كما عن الإرهاب، فَرَضَتْ ضغوطاً كبيرة على قدرة سوق إعادة التأمين على تلبية الطلب المتزايد من جانب كبرى عملائها من شركات التأمين، ما أثّر في الطاقة الإستيعابية لشركات الإعادة، وتالياً في تلبية طلبات التغطيات، ومن هنا كانت الحاجة إلى إيجاد طرق بديلة (غير تقليدية) لنقل المخاطر، وأهمها تحويل الخطر الى البنوك والمؤسسات المالية التي لديها القدرة على تحويل الأخطار التأمينية إلى أخطار مالية، وبمعنى آخر، فإن أي صكّ متعلّق بالتأمين يسمح للمستثمرين في سوق المال أن يكون لهم دور أكبر بصورة مباشرة في توفير التأمين وحماية إعادة التأمين، وهو ما يؤدّي إلى الجَمْع بين فكرة إعادة التأمين وطَرْح سوق المال كأحد أدوات بدائل تحويل الخطر. ولنا من الأمثلة ما يكفي للاستشهاد بها.
فعلى إثــر إعصــار “أندرو” cyclone Andrewالذي ضرب سواحل فلوريدا الأميركية سنة 1992، وخلّف أضرارًا قدّرت بـ 20 مليار دولار بعدما دمّر فلوريدا وساحل الخليج، توقّف بعض شركات التأمين عن العمل، وبعـدها بــ 18 شـهرًا، ضـرب زلـزال آخر بقـوة 6.7 على مقياس ريختر شمـال لـوس أنجلـوس، كــان مــن آثاره 4 آلاف منزل، ووفــاة60 شخصــاً، فضلاً عن أضرار بـــ18 مليــار دولار .
لقد أدى هــذا الحجم الهائل من الخسائر إلى حـدوث تغـيّرات كبـيرة في سـوق التأمين خاصـة في مجـال الكـوارث الطبيعيـة، الأمر الذي أدّى بشركات التأمين إلى تخصـــيص عشـــرات المليـــارات مـــن الـــدولارات مـــن أجـــل التأمين الشـــامل علـــى هـــذا النـــوع مـــن الأخطار.
وعلـــى إثـــر ذلـــك، أنشئت هيئة الـــزلازل بكاليفورنيا لمساعدة شركات التأمين في تحمّل أضـرار الكـوارث الطبيعيـة، وبناء عليه، تمّ إصـدار أول سـندات كـوارث Cat Bonds جرى تداولها في الأسواق الماليـة، وزاد استعمال هذه التقنية من قبل شركات التأمين، وطُبّقتْ على معظـــم الفروع مثـــل تأمين السيارات، الصحة، التأمين على الحياة وغيرها بعدما كانت مقتصرة فقط علـى تغطية الأخطار الطبيعية إذ قد يؤدي وقوعها إلى تراكم الخسائر بشكل قد يستنزف كافة برامج إعادة التأمين و يؤدي إلى صدمات رأس المال .Capital Shock
مثل آخر: لقد أدّت حرائق الغابات والعواصف الثلجية الشديدة إلى تزايد الخسائر المؤمّن عليها من الكوارث الطبيعية حتى بلغت 40 مليار دولار في النصف الأول من عام 2021، وهو أعلى مستوى وصلت إليه منذ عقد مضى. ومع تصاعد أحداث الطقس المتطرفة نتيجة لتغيّر المناخ، بحثتْ شركات التأمين عن طرق جديدة لحماية نفسها من المخاطر المالية المتزايدة، فكانت سندات الكوارث في أسواق رأس المال المغطاة من مستثمرين.
جدير بالذكر أن الحلول البديلة لتحويل الخطر Alternative Risk Transfer ART تحتوي على تقنيات عديدة لتمويل المخاطر، أما السبب في اللجوء الى هذه الحلول، اضافة الى عدم استيعاب شركات الإعادة كل الطلبيات، عدم رضى العميل عن أسعار إعادة التأمين المرتفعة، أو عدم توافر التغطية في السوق المتشدّد hard market. ومن هنا، فإن الطرق البديلة لتحويل الخطر (ART)، تعكس الاتجاه إلى التقارب بين خدمات التأمين وخدمات البنوك وسوق رأس المال وإدارة الخطر. ومن أنواع تلك الحلول: التأمين الذاتي، الشركات المقيدة Captives، المشاركة، عقود الخطر المحدود أو إعادة التأمين المالي، رأس المال الاحتياطي للطوارىْ Contingent Capital، السندات المتصلة بالتأمين مثل سندات الكوارث، والحلّ الأخير هو الذي تناولته نشرة الإتحاد المصري للتأمين بإسهاب للتعريف به، باعتباره الأكثر امكانية للقيام بهذه المهمة.
ان السندات المتصلة بالتأمين (ILS) Insurance Linked Securities ، هي بديل لإعادة التأمين ويقـوم بـدوره بالنسبة لشركات التأمين، بحيث يتمّ تحويل الخطر إلى سندات، اي أخذ التأمين من شركة مباشرة وتحويله في صورة أوراق مالية يمكن شراؤها بواسطة المستثمر، بعيداً من السوق التقليدية لإعادة التأمين، وبذلك يستطيع حامل السند من أن يستثمر أمواله في خطر التأمين وإعادة التأمين بدون أن يكون هو نفسه شركة تأمين وإعادة التأمين.
وتوفر هذه السندات آلية من خلال النظام المالي لتحويل أخطار التأمين إلى أسواق رأس المال وتوفير حماية للمحافظ الاستثمارية، بحيث يستفيد النظام المالي من وجود سندات متصلة بالتأمين، بالإضافة إلى الأنماط الأخرى من بدائل تحويل الخطر.
ونتيجة لأسس المبادلة التي يقوم عليها التوريقsecuritization ، والمشتقات derivatives، تكون شركات التأمين في وضع أفضل لنقل مخاطرها عبر الأسواق المالية، بدلاً من الاعتماد على إعادة التأمين أو الاحتياطات المالية، بحيث يسمح ذلك بالاستخدام الأمثل لرأس المال وضخّ سيولة للنظام المالي. وفي النهاية، يفيد هذا الأمر الأشخاص والمؤسسات ممن يتطلعون إلى حماية تأمينية، ويستفيد، كذلك، المساهمون فى سوق رأس المال من تنوّع المخاطر والعوائد التي لا تعتمد على ذات العوامل التى اعتادت أسواق المال الإعتماد عليها سابقاً.
يُشار الى أن الأسواق المالية وصناعة التأمين احتفظتا بعلاقة مربحة للطرفَيْن بحيث يوّفر المؤمّنون حماية من المخاطر للأفراد والشركات، وفي المقابل توفّر أسواق المال لصناعة التأمين العديد من الاختيارات لكسب أرباح استثمارية وإدارة التمويل الاحتياطي.
كذلك، تُعتبر شركات التأمين من أكبر مشتري سندات الدخل الثابت من أسواق المال، وهو ما يوفّر لأسواق رأس المال سيولة مستدامة وقدرة تجارية معزّزة ويقلّل من تكاليف الاستدانة في ما يخّصّ الدين الحكومي وديون الشركات على حدّ سواء، و بالتالي تلعب شركات التأمين أدوار التأثير والتأثر في أسواق رأس المال. وفي السنوات الأخيرة، تطوّرت العلاقة بين أسواق رأس المال والصناعات التأمينية لتحويل المخاطر عن طريق التوريق securitization، وهو ما عٌرف لاحقاً ببدائل تحويل الخطر.
فما هو التوريق؟
أنه نقل مخاطر الاكتتاب إلى أسواق رأس المال عبر إنشاء الأوراق المالية وإصدارها، أي أنه أداة بديلة لإعادة التأمين يقوم من خلالها المؤمن بتخفيض الأخطار وتحويلها لأطراف أخرى. ويتمّ تصنيفه حسب نوع المخاطر، اذ يوجد توريق لمخاطر الحياة وتوريق لمخاطر الممتلكات وكذلك توريق للمخاطر الكارثية.
ويسمح استخدام التوريق في مجال التأمين بتمويل خسائر الكوارث عند وقوعها لان شركات
التأمين غالبا ما تكون غير قادرة على تعويض جميع الضحايا في الآجال المحدّدة نظراً لكون أموالها و كذلك أموال معيدي التأمين، غير كافية على الأرجح، لتعويض جميع المؤمّن عليهم في نفس الوقت، ونتيجة لذلك، تلجأ شركات التأمين إلى الأسواق المالية حيث يرغب المستثمرون في المضاربة وشراء الأوراق المالية، وبذلك تتمكّن تمويل جزء من الخسائر والذي تمّ تحويله إلى أوراق مالية.
نعود إلى عملية توريق أخطار التأمين بواسطة أدوات مالية لنشير إلى أنّها تتمثّل في سندات التأمين ILS التي هي أداة ماليّة ذات قيمة اسميّة تتعلّق بتحقّق أو عدم تحقّق أخطار التأمين، ومعظم هذه الأوراق المالية تكون مُهَيْكلة في شكل سندات بنسبة فائدة متغيّرة وتتعلّق بالكوارث الطبيعيّة، ويُسمّى هذا النوع الخاص بسندات الكوارث Cat Bonds.
وإلى ما تقدّم، هناك سندات الكوارث Catastrophe Bond كمثال للأوراق المالية المتّصلة بالتأمين، إذ تُستخدم لشراء الحماية التكميليّة في حالات الكوارث عالية الخطورة وقليلة الحدوث. وهذه السندات المتّصلة بالتأمين، تقوم بتحويل مجموعة مخاطر محدّدةمن المؤمّن للمستثمرينعن طريق حسابات مضمونة مخصّصة لهذا الغرض collateralized special purpose vehicles. تتمّ هيكلة سندات التأمين عن طريق عرض عائدات تجنّب رغبة المستثمرين في تحمّل المخاطر. كما أنّها تشمل على نطاق واسع من المخاطر مثل الأعاصير والزلازل. ويُعتبر المستثمرون الأساسيّون في سندات الكوارث بمثابة صناديق التمويل لشركات التأمين وإعادة التأمين والبنوك وصناديق المعاشات (التقاعد). ويصدر السند في شكل “كوبون” مثل سندات وشهادات الحكومة ويتمّ استخدامه من عديد من معيدي التأمين وحتى من بعض الحكومات بعدما ذاع صيت باستخدامه.
ويتم إصدار هذا السند على النحو التالي:
– المبلغ المتفق عليه للسند (مثلاً 100 مليون دولار يسمى Principal).
– يقوم المستثمر Investor بدفع هذا المبلغ كمبلغ للسند.
– يتمّ اتمام عقد ما بين المستثمر ومُصدر السند Sponsor (شركة تأمين أو إعادة تأمين).
– يوجد طرف ثالث وهو كالوسيط مسؤول عن تنظيم هذا العمل وصياغة العقد، وكذلك مسؤول عن وضع مبلغ السند فى حساب مضمون (Collateral Trust Account) يسمىSpecial Purpose Vehicle (SPV).
– في حالة وقوع الحادث يتمّ تسييل هذا السند ويحصل عليه مُصدّره .Sponsor
الجدير بالذكر أن سبب ميل المستثمرين إلى هذا النوع من الاستثمار وتفضيله عن الطرق العادية للاستثمار أنه يحصل من مُصدّر السند على فائدة أكبر بكثير من التي يحصل عليها من فوائد الإستثمار الأخرى. وفي حالة عدم وقوع الحادث يعود المبلغ للمستثمر ويستفيد من سعر الفائدة المرتفع، علماً أن شركة التأمين أو إعادة التأمين، وكذلك الحكومات تميل إلى هذا النوع ايضًا لسببين:
أ- عقد السند لا يمثل عقد تعويض حيث يتم تسييل السند بمجرد وقوع الحادث، بغض النظر عن المبالغ المسدّدة فعليا من مُصدر السند.
ب- يوضع مبلغ السند فى حساب بنكي مضمون وبالتالي لا يمكن أن يواجه مُصدّر السند خطر إفلاس المستثمر من وقت بدء العقد لحين وقوع الحادث. ولمواجهة عجز قدرة إعادة التأمين على تغطية الكوارث، يتمّ اللجوء إلى الأسواق المالية لاحتواء الأزمات التي يتعرّض لها قطاع التأمين.
وبناء على ذلك فإن رسملة الأسواق المالية و السيولة الكبيرة التي تتمتع بها تسمح وتحفّز البحث عن حلول تعوّض عجز النظام التقليدي للتأمين وإعادة التأمين عن طريق استحداث أدوات مالية تعمل على تغطية الأخطار التي تعجز أنظمة التأمين التقليدية على تغطيتها وذلك من خلال عملية التوريق عبر أدوات مالية فى مجال التأمين كالعقود الآجلة للتأمين وخيارات التأمين والسندات المشروطة للتأمين.
جدير بالذكر أن الحلول البديلة لتحويل الخطر Alternative Risk Transfer ART تحتوي على تقنيات عديدة لتمويل المخاطر، أما السبب في اللجوء الى هذه الحلول، اضافة الى عدم استيعاب شركات الإعادة كل الطلبيات، عدم رضى العميل عن أسعار إعادة التأمين المرتفعة، أو عدم توافر التغطية في السوق المتشدّد hard market. ومن هنا، فإن الطرق البديلة لتحويل الخطر (ART)، تعكس الاتجاه إلى التقارب بين خدمات التأمين وخدمات البنوك وسوق رأس المال وإدارة الخطر. ومن أنواع تلك الحلول: التأمين الذاتي، الشركات المقيدة Captives، المشاركة، عقود الخطر المحدود أو إعادة التأمين المالي، رأس المال الاحتياطي للطوارىْ Contingent Capital، السندات المتصلة بالتأمين مثل سندات الكوارث، والحلّ الأخير هو الذي تناولته نشرة الإتحاد المصري للتأمين بإسهاب للتعريف به، باعتباره الأكثر امكانية للقيام بهذه المهمة.
ان السندات المتصلة بالتأمين (ILS) Insurance Linked Securities ، هي بديل لإعادة التأمين ويقـوم بـدوره بالنسبة لشركات التأمين، بحيث يتمّ تحويل الخطر إلى سندات، اي أخذ التأمين من شركة مباشرة وتحويله في صورة أوراق مالية يمكن شراؤها بواسطة المستثمر، بعيداً من السوق التقليدية لإعادة التأمين، وبذلك يستطيع حامل السند من أن يستثمر أمواله في خطر التأمين وإعادة التأمين بدون أن يكون هو نفسه شركة تأمين وإعادة التأمين.
يبقى سؤال مهمّ عن أبرز عيوب هذه التقنية البديلة باعتبار أنّ مزاياها تحدّثنا عنها في سياق هذا المقال. وأهمّ هذه العيوب:
– يمكن أن يُعرّض التوريق المستثمرين فيه لمخاطر لا ترتبط عادة بفئات الاستثمار التقليديّة.
– تميل شركات إعادة التأمين التقليديّة إلى اتّخاذ وجهة نظر طويلة الأجل. في المقابل، غالبًا ما تتطلّب أسواق رأس المال عائدًا فوريًّا ويمكن أن تسحب دعمها في الأوقات الصعبة.
– يمكن أن تكون تكاليف المعاملات عالية، خاصّة بالنّسبة للصفقات الصغيرة.
خلاصة لما سبق عرضه، يرى الاتحاد أن توريق أخطار التأمين يعتبر أكبر ابتكار مالي قامت به الشركات في السنوات الأخيرة، فهذه التقنية هي وسيلة فعالة لإدارة المخاطر في صناعة التأمين، ومكملة لتقنية إعادة التأمين التقليدية. إن التوريق يسمح لشركات التأمين بالتحوّط عن طريق نقل هذه المخاطر إلى الأسواق المالية، كما أنه يحسّن ملاءة شركات التأمين من خلال إدارة رأس المال بكفاءة، والتي هي أكثر قدرة على التعامل مع متطلبات رأس المال الصارمة على نحو متزايد. كما أن توريق المخاطر يوفّر للمستثمرين، إلى جانب مستويات التعويضات الجذابة، ميزة تنويع الاستثمار. ونظرًا لأهمية هذه التقنية، كان الاتجاه أيضا لتكييف مختلف المنتجات المشتقة في مجال التأمين، وتقديم العديد من الأوراق المالية الجديدةا) المنتجات المشتقة) التي تعتبر وسيلة فعالة لتغطية أخطار التأمين، كما تعد أحد الحلول المبتكرة والجديدة والفعّالة لتنويع ونقل وتشتيت الأخطار التي يصعب تغطيتها باستخدام إعادة التأمين التقليدية، كما أنها تحقق مزايا السيولة والسرية والتكلفة المنخفضة مقارنة بأساليب إعادة التأمين التقليدية.
لهذا يجب على شركات التأمين دراسة استخدام تقنية التوريق في صناعة التأمين كنظام مساعد لإعادة التأمين، لتغطية الأخطار التي تتسم نتائج تحققها بالكارثية، والتي يمكن أن تؤثر على ملاءتها المالية.