المشاركون بالندوة
الندوة الافتراضيّة الخامسة التي أقامتها الأمانة العامة للاتحاد العام العربي للتأمين، كانت،بحقّ، ناجحة وبكلّ المعايير، بدليل أنّها تخطّت الساعتَيْن من الزمن، وهي الفترة المقرّرة والمحدّدة لها، وكذلك بسبب تزايد عدد المتابعين لها والذي لامس الـ 500 شخص. والأهمّ الأهمّ أن القيّمين على هذه الندوة، وعلى رأسهم الأمين العام السيد شكيب أبو زيد، وكذلك منسّق الندوة السيد أحمد حسني، أشادا بها وشكرا المشاركين فيها على الأفكار التي اقترحوها وطرحوها واستفاضوا في شرحها لناحية تلبية حاجة سوق التأمين العربي إليها.
واللافت أنّ المتكلّمين عرفوا كيف يحبسون أنفاس المتابعين ويجعلونهم متسمّرين على الشاشة الصغيرة وبيدِ كلّ منهم، على الأرجح، قلمٌ لتسجيل ما طُرِح من أفكار، وهذه علامة جيّدة لناحية التفاعل بين المتكلّمين وبين الحضور.
ولا بدّ هنا، تأكيدًا على أهميّة الندوة، من ذكر أسماء المشاركين وجميعهم من الخبراء أصحاب السمعة والشهرة والتقدير الكبير في الأوساط التأمينيّة والاقتصاديّة. فالدكتور مايكل ستيفن، على سبيل المثال، هو خبير استراتيجي وزميل أبحاث ودراسات عائدة للشرق الأوسط في King College لندن. ثمّ هناك السيد خالد سعود الحسن، الرئيس التنفيذي لمجموعة الخليج التي رعت هذه الندوة. وإلى هاتَيْن الشخصيّتَيْن المميّزتَيْن، شارك في الندوة رئيس مجموعة Orient، السيد عمر الأمين، وكبير المسؤولين التنفيذيّين في شركة Ninety للتأمين وإعادة التأمين في منطقة الـ MENA السيد عمر دية.
وكما هي العادة، افتتح الأمين العام السيد شكيب أبو زيد هذه الندوة التي خُصّصت لمناقشة العديد من القضايا الجيوسياسيّة التي يعيشها العالم والمنطقة العربية وتأثيرها على الوضع التأميني العربي العام، وما يمكن أن يقوم به الاتحاد، كما الاتحادات المحليّة، فضلاً عن الشركات، للارتقاء بصناعة التأمين. وتساءل: “إذا كان التأمين في الدول العربيّة لم يرقَ بعد إلى المستوى الذي نطمح إليه، فما هي المعوقات التي تحول دون ذلك؟”
وبطبيعة الحال، فقد كان للندوة شقٌّ سياسي، وهذا طبيعي، لأنّ الحروب العربيّة في اليمن، مثلاً، وسوريا وحتّى العراق، فضلاً عن المشاكل التي يواجهها لبنان، أثّرت ولا تزال على الاقتصاد عامة وعلى قطاع التأمين على وجه الخصوص. وهذا الشقّ السياسي استفاض به د. مايكل ستيفن الذي أشار إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية، بعد انتخاب جو بايدن، بدأت ترسم دورها الجديد في العالم. يحصل هذا بعد عمليّات تطبيع مع إسرائيل، وهنا دخل المحاضر في موضوع حسّاس جدًّا يتعلّق بجوهر المشكلة في المنطقة العربيّة والشرق أوسطيّة بالكامل، ما أثار بعض ردود فعل المتابعين هذه الندوة، مفضّلين أن ينحصر الكلام بالشأن التأميني. ولكن، كما قلنا، فإنّ هذا الشقّ السياسي يفرض نفسه في مؤتمر يعالج المشاكل الجيوسياسيّة وآفاق التطوّر، وإلى درجة أنّ د. مايكل ستيفن تطرّق إلى الموضوع اللبناني بإسهاب، تحديدًا إلى نقطتَيْن: التخبّط في سعر الدولار والتأثيرات التي خلّفتها جائحة كورونا وتأثير الاثنَيْن معًا على الوضع اللبناني الذي لا يزال يواجه مشكلة في تشكيل حكومة ذات ثقة تعيد للبلد مكانته عربيًا ودوليًا.
ولأنّ الصفقة التي أقدمت عليها مجموعة الخليج منذ فترة قصيرة بشرائها عمليّات AXA Gulf ومستقبل هذه المجموعة في ضوء هذه الصفقة، “تسمّرت” الآذان، هذه المرّة، وشخصت العيون لمعرفة ما سيقوله الرئيس التنفيذي لهذه المجموعة السيد خالد الحسن. وهنا جال على وضع المجموعة والمشاريع التي تقوم بها، وكيف جرت عمليّة الاستحواذ في ضوء القدرة الماليّة لهذه المجموعة التي تتواجد في 11 سوقًا تأمينيًا عالميًا، مشيدًا بحكمة الإدارة الجيّدة والعمل المنظّم اللذَيْن مهّدا الطريق لهذَيْن النجاح والصفقة، مثمّنًا العمل الجماعي الذي تضافر لتحقيق كلّ هذه الإنجازات.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ السيد خالد سعود الحسن طالب بدورٍ أقوى وأهمّ للجهات الرقابيّة للحدّ من شراسة المنافسة داخل الأسواق العربيّة، مؤكّدًا في هذا المجال، أهميّة الاستثمار في التكنولوجيا. وغنيٌّ عن القول أنّ جميع المشاركين ركّزوا بشكل أساسي على وجوب مواكبة العصر بالاعتماد على التكنولوجيا، وأكثر المتحمّسين للفكرة التي طرحها خالد الحسن هو السيد عمر الأمين رئيس مجموعة Orient الذي دعا إلى إقامة شركة إعادة عربيّة لا يقلّ رأسمالها عن 3 مليارات دولار أميركي، يشارك فيه القطاع الحكومي بنسبة 50 بالمئة والقطاع الخاص بنسبة مماثلة. وإلى ذلك، تمّ التركيز على ضرورة إنشاء كليّات لتعليم التأمين فقط لتكوين جيل جديد قادر على مواصلة المسيرة ومواجهة التحديّات للارتقاء بصناعة التأمين.
هنا لا بدّ من مداخلة ضروريّة قد تكون غابت عن بال البعض، وهي أنّ معاهد التأمين موجودة في بعض الدول العربية منها لبنان الذي تأسّس فيه المعهد العالي لعلوم الضمان ISSA قبل 24 سنة، لتكرّ السبّحة، في ما بعد، وتُنشأ معاهد في دبي، تونس، مصر، المغرب وحتّى البحرين، وإن كانت هذه المعاهد تُدرِّس مواضيع اقتصاديّة، إلى جانب الموضوع التأميني، وهذا ضروري، لأنّه لا يمكن الفصل بين التأمين ومواضيع أخرى اقتصاديّة وماليّة وسوى ذلك.
يبقى أنّ هذه المواضيع الأربعة: الجيوسياسيّة، الاعتماد على التكنولوجيا، إنشاء شركة إعادة عربية، إطلاق معاهد لتدريس التأمين بدت وحدة متكاملة لا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى، بل تراها كالسلسلة متّصلة الحلقات. من هنا أهميّة هذه الندوة وإن كان الأمل يظلّ دائمًا مرتبطًا بالتنفيذ الذي يبقى وحده خشبة الخلاص للنهوض بقطاع التأمين العربي.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنّ ندوات أربع عُقدت قبلاً، تعويضًا عن مؤتمر الـ GAIF الذي يلتئم مرّة كلّ سنتَيْن، وكانت الجزائر محطّته هذه المرّة، لكنّ الاتحاد صرف النظر عنه بسبب جائحة كورونا، حماية للمشتركين فيه الذين تصل أعدادهم أحيانًا إلى ما يفوق الـ 1500 شخص. والندوات الأربعة هي: أولى عن أسواق التأمين في شمال أفريقيا. ثانية عن تداعيات انفجار مرفأ بيروت. ثالثة عن إعادة التأمين قبل تجديدات 2021. ورابعة عن دور الوسطاء في تطوير أسواق التأمين.