حشيشة الكنيف نهايتها… مستشفى
دراسة مهمّة جداً أعدّها الإتحاد المصري للتأمين وخصّ بها النشرة الأسبوعية الأخيرة ذات الرقم 246. وتعود أهمية هذه الدراسة، لا الى معلوماتها المتنوّعة وطريقة سَكْبها في قالب من السهل الممتنع الذي يفهمه الجميع، وانما الى الموضوع الذي تطرق اليه: التغطية التأمينية للأمراض النفسية التي كانت شركات التأمين تمتنع، حتى الأمس القريب، عن ادراجها ضمن البوالص الإستشفائية، قائلة لمن يريد هذه التغطية أن عليه إضافتها الى وثيقته وتسديد هو شخصياً، كلفتها كبند اضافي. وقد بات معروفاً أن المرض النفسي وما يتضمن من حالات متعددة، قد ازداد بعد تفشّي Covid 19 وكذلك مع تعاطي الممنوعات التي انتشرت كثيراً في صفوف الشباب والشابات.
فما هو المرض النفسي؟ ما تأثيره على العمل؟ لماذا لم يُدرج في وثائق التأمين الصحي سابقاً، وما هي شروط الشركات لإدخاله اليها؟ ثم كيف يتعاطى الإتحاد المصري للتأمين، مع هذا المرض؟
لهذه الأسئلة وغيرها، اجابات واضحة تُشفي غليل المتعطّش اليها، والمتعطّشون لهذه الأجوبة بالملايين… فإلى أبرز ما ورد في النشرة…
مؤسسة غالوب العالمية التي تعمل فى مجال الاستشارات والدراسات التحليلية، أصدرت تقريرها السنوي عن الصحة النفسية وتأثيرها، ايجاباً وسلباً، على صحة الأفراد على مستوى العالم، وهدفها من هذا التقرير، إلقاء الضوء على المخاطر المتعلقة بهذه الصحة، لما للحالة النفسية من أثر سيء على المجتمع كما على الحالة الإقتصادية. ففي العام 2019 تمّ إفراد فصل كامل في تقرير سابق عن المخاطر العالمية تحت عنوان “العقل والقلب: الجانب الإنساني من المخاطر العالمية”( Heads and Hearts: The Human Side of Global Risks) .
لقد كشف هذا التقرير أن تناقص الرفاهية النفسية والعاطفية لا يُشكل خطراً بحد ذاته فقط وانما يؤثر في المشهد الأوسع للمخاطر العالمية من خلال التأثير على التماسك الاجتماعي والسياسي.
وفى العام 2022، أظهر تقرير المخاطر العالمية أن تدهور الصحة النفسية تُعتبر من المخاطر التي تفاقمت أكثر من غيرها منذ بداية أزمة كوفيد -19، اذ جاءت فى المرتبة الثالثة في قائمة الأخطار الأكثر تأثيراً على المجتمعات. ونتيجة لذلك، طُرح تساؤل حول مدى إمكانية تغطية الصحة النفسية ضمن مزايا التأمين الطبي أو تأمين الرعاية الصحة، سيما أن السنوات القليلة الماضية شهدت زيادة في الوعي بأهمية الصحة النفسية على مستوى العالم، خصوصاً في ظلّ الاضطرابات النفسية مثل الضغط والاكتئاب والقلق التى ازدادت معدلاتها عالمياً بشكل كبير مع تفشّي كوفيد-19.
فما هي الصحة النفسية؟
تجيب النشرة على هذا السؤال بالقول:
–انها تشمل الرفاهية الاجتماعية والعقلية والنفسية للإنسان. فالصحة النفسية تؤثر في طريقة تفكير الشخص وشعوره وتصرفاته، فضلاً عن أنها تُحدّد كيفية تعامل الشخص مع التوتر والتواصل مع الآخرين واتخاذ القرارات. وهي تعّد أحد العوامل المهمة التي لابدّ أن يحرص الشخص على سلامتها في كلّ مرحلة من مراحل حياته: من الطفولة والمراهقة وحتى البلوغ.
ان أهمية الصحة النفسية تعود الى كونها تساعد الشخص في أن يعيش حياته على أكمل وجه بإنتاجية ويستمتع بها، فضلاً عن كونها تقلّل احتمال إصابته بمجموعة واسعة من الأمراض النفسية، ومنها:
1-تحسين الصحة الجسدية، اذ ان إهمالها أو ضعفها يزيد احتمال الإصابة بأمراض عديدة قد تكون خطرةً، منها: أمراض القلب، والسكري.
2-المساعدة في الشفاء من الأمراض العضوية مثل السرطان.
3-تعزيز جودة النوم، لأن الأرق (Insomnia) من المشكلات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصحة النفسية.
4-رفع مستويات الطاقة، لأن الحالة النفسية المتراجعة تؤدي إلى الشعور المتواصل بالتعب والإنهاك الذي لا يتوقف إلا مع علاج المشكلة.
5-زيادة الإنتاجية، لأن الإضطرابات النفسية تضعف هذه الإنتاجية وتؤخرها وتزيد من الإجازات المرضية، فضلاً عن ان الصحة النفسية الجيدة تُحسّن العلاقات مع الآخرين، وتُساعد في التعامل مع المتغيّرات الحياتية، وتحافظ على التفاؤل.
وإيماناً من منظمة الصحة العالمية بأهمية الصحة النفسية، فقد اختارت يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام ليكون اليوم العالمي للصحة النفسية. كما قامت بإصدار دليل ارشادي مصوّر تحت عنوان “القيام بما يهمّ في أوقات الضغط النفسي”، للمساعدة الذاتية للأشخاص وتعليمهم المهارات العملية للتغلّب على الضغط النفسي في شتى المواقف الحياتية التي يواجهها الشخص والتي من ضمنها المواقف التي يتعرضّ لها أثناء العمل.
لقد ألقى الدليل المذكور الضوء على مسبّبات الضغط النفسي، ومنها الصعوبات الشخصية ومشاكل بالعمل والتهديدات الرئيسية في المجتمع كالعنف والمرض وانعدام الفرص الاقتصادية.
كذلك يستهدف هذا الدليل أي شخص يعاني الضغط النفسى، بدءاً من الآباء وانتهاءً بالمهنيين الصحيين الذين يعملون فى أوضاع خطيرة. كما يستهدف الفارّين من أهوال الحروب ومن يُعاني مستويات عالية من الضغط النفسي. كذلك يوفر الدليل المعلومات والمهارات العملية، مستنيراً بالبيانات المتاحة والاختبارات الميدانية المكثّفة، لمساعدة الناس على التعام
ل مع الشدائد ومواصلة الحياة بصحة نفسية جيدة.
ونظراً الى أهميته، فقد قامت منظمة الصحة العالمية بترجمته من اللغة الإنكليزية إلى 21 لغة أخرى من ضمنها على سبيل المثال، اللغة العربية والفرنسية والألمانية والإيطالية والروسية واليابانية.
وتنتقل نشرة الإتحاد الى النقطة الجوهرية من هذا التحقيق: ماذا عن التأمين على الصحة النفسية؟ والجواب:
-على رغم الأهمية القصوى للصحة النفسية، إلا أنها لا تأخذ حيّز الإهتمام ذاته الذي تحصل عليه الصحة البدنية، وبالتالي لم يتمّ إدارج تأمين الصحة النفسية ضمن برامج تأمين الرعاية الصحية في معظم دول العالم بسبب ارتفاع رسوم هذه التغطية، ولذلك تُركت إختيارية. لكن مع إرتفاع زيادة الوعي في ظلّ الاضطرابات النفسية مثل الضغط والاكتئاب والقلق التي ازدادت عالمياً بشكل كبير بعد كوفيد-19، بدأ يتزايد الطلب على هذه التغطية ضمن فرع التأمين الصحي، خاصةً بعدما صرّح أكاديميون نفسانيون بأن الأمراض النفسية أقلّ كلفة من الأمراض العضوية التي يتطلّب علاجها والكشف عنها، أشعةً وفحوصاً وتحاليلَ، ومن ثم مرحلة العلاج أو الجراحات أو غيرها.
كذلك أوضح الخبراء فى مجال فرع التأمين الصحي، أن شركات تأمين باتت تُدخِل هذه التغطية في برنامج خاصة بالأمراض النفسية، إلا أنها تظلّ بنوداً تفضيلية يمكن أن يختارها المضمون اذا شاء وبتكلفة إضافية وعلى نفقته الخاصة، لأن أرباب العمل يرفضون دفع كلفتها الإضافية تجنّباً لإرتفاع رقم الفاتورة..
والى هذا الإحجام، سُجّلت مؤخراً دعوات في بعض الدول مثل الإمارات، الهند، الولايات المتحدة الأميريكية وغيرها، تقضي بإصدار قانون مُلزم بادخال منتجات الرعاية الصحية النفسية في وثائق التأمين، مع رغبة أكثر من 80% من القوى العاملة أن يشمل التأمين تغطية مخاطر الصحة النفسية.
لقد أظهرت العديد من الدراسات العالمية وجود علاقة بين الصحة النفسية والإنتاجية في العمل، اذ تؤثر المشكلات النفسية، كالاكتئاب والقلق، على إنتاجية الموظفين، كذلك، فإن حالات المضايقات والتنمّر التي يتمّ الإبلاغ عنها كثيراً في أماكن العمل، قد يكون لها تأثير سلبي كبير على الصحة النفسية. وتفرض هذه العواقب الصحية تكاليف إضافية على جهات العمل تتمثّل في زيادة معدلات تغيير الموظفين وخفض الإنتاجية والتي قد تصل تكلفتها عالمياً إلى تريليون دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية. لقد قامت دول بوضع برنامج تأمين لتغطية الصحة النفسية.
ويبقى السؤال الأهم: ما هي تغطيات الصحة النفسية؟ والجواب: أي نفقات يتكبدها المضمون في حالة وجود ضرورة تتطلب دخوله المستشفى بسبب أي مرض عقلي أو نفسي، فضلاً عن أتعاب التشخيص والأدوية وتكاليف العلاج وإيجار سيارة الإسعاف، وما إلى ذلك.
ويبدو أن أكثر الأشخاص احتياجاً لهذا النوع من التأمين هم ممن لديهم تاريخ عائلي مرضي أو أي تجربة مؤلمة تزيد من احتمالات أن يصابوا بأحد الأعراض. كذلك فالتغطية تُفيد من يعاني صدمة نفسية مفاجئة أو صدمة ما بعد الحادث بسبب فقدان شخص عزيز. وفي الواقع العملي، فإنه في ظلّ أسلوب الحياة الحالي والظروف المعيشية وما يصاحبها من ضغوط وأعباء نفسية، يمكن أن يكون أي شخص عرضة للإصابة بالأمراض النفسية.
وهل هناك مدة محدودة لوجود المريض النفسي في المستشفى؟ عن هذا السؤال، تجيب النشرة:
-على المريض النفسى أو العقلي أن يبقى 24 ساعة في المستشفى حتى يتمكن من المطالبة بنفقات العلاج الخاصة به.
س: وهل الاستشارات وجلسات الإرشاد النفسي مشمولة في تغطية تأمين الصحة النفسية؟
ج: يغطي عدد قليل جداً من شركات التأمين جلسات الإرشاد النفسى والاستشارات المتعلقة بالأمراض النفسية أو العقلية تحت بند الكشف بالعيادات الخارجية.
س: ما هي الأمراض التي تندرج تحت قائمة الأمراض النفسية أو العقلية التي يغطيها التأمين؟
ج: في ما يلي بعضها: الاكتئاب الحاد، الاضطراب ثنائي القطب، الفصام، اضطرابات الوسواس القهري، اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطراب المزاج والاضطراب الذهاني.
س: ما الذي لا يغطيه تأمين الصحة النفسية؟
ج: تختلف استثناءات التغطية من شركة إلى أخرى، وتعد أبرز الاستثناءات ” عدم تغطية أى مرض نفسي أو عقلي ناتج عن تعاطي المخدرات أو الكحول”، إلا ان ثمة شركات تقدّم تغطية للتعافي من الإدمان تحت مسمّى “علاج اضطراب استخدام المواد المخدرة” (المعروف باسم تعاطي المخدرات).
س: ما هي أبرز التحديات التى تواجه تأمين الصحة النفسية؟
ج: الشعور بالخجل أو الخزي الذي يلازم المريض. وقد يؤثر هذا الشعور في رغبة الشخص في البحث عن الدعم أو المساعدة. وحين لا يحصل على العلاج، قد تتفاقم حالته وتتطوّر إلى مرض جسدي، وتؤثّر في حياته المهنية والشخصية.
اشارة الى أن شركات التأمين مستعدة لدمج مزايا الصحة النفسية في الوثائق التأمين، لكن بعد كوفيد-19 بات عامل السعر يقف عائقاً أمام اتخاذ الكثير من أرباب العمل القرار بدمج هذه المزايا في وثائق تغطيات موظفيهم. ولعل اللافت في الموضوع ان هناك شغفاً للعلاج النفسي السنوي، وحين يستنفد المريض التغطية قد يختار إيقاف العلاج لأن الرعاية النفسية مكلفة وقد تثقل كاهله، لذا فإن تحديد الحدّ السنوي الأدنى يضمن الحصول على تغطية تأمينية أفضل.
أما المطلوب فهو زيادة وعي الكيانات الاقتصادية وتغيير ثقافتها بحيث تتفهم مدى أهمية دعم الصحة النفسية للموظفين، سواء من خلال وثيقة الرعاية الصحية أو مبادرات إدارة الموارد البشرية لتعزيز الصحة النفسية في مكان العمل. فحين يتمتع الموظفون بالصحة والسعادة، سيكونون أكثر إنتاجية ونشاطاً، ما يؤدي لتراجع معدلات التغيّب عن العمل ويؤثر بشكل كبير على الدخل الصافي للمؤسسة أو الشركة، صغيرة كانت أم كبيرة أم متوسطة، على مدار العام. وقد دعت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة تشجيع الحكومات للمبادرات والممارسات الجيدة التي تساهم في تعزيز الصحة النفسية في مكان العمل.
س: ماذا عن دور الاتحاد المصري للتأمين؟
ج: إيماناً منه بأهمية دور التأمين فى إيجاد بيئة مجتمعية سليمة والمساهمة فى تحقيق حياة أفضل للجميع، يسعى الاتحاد دائماً إلى تطوير الفكر التأمينى داخل السوق المصرى ومحاولة تطوير المنتجات التأمينية بحيث تتناسب مع الاحتياجات المتغيّرة للعملاء وتساهم فى المحافظة على سلامة البيئة المجتمعية. ودائماً ما كان الاتحاد معنياً بموضوع الصحة وتقديم خدمات التأمين الطبّي للعملاء خاصة وأن الهدف الثالث من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة يهتم بتحقيق الصحة الجيدة والرفاه للإنسان. لذا قام الاتحاد بالخطوات التالية بهدف تعزيز مساهمة التأمين فى تقديم الخدمات المرتبطة بالصحة. ومن ذلك: تنظيمه بالتعاون مع الاتحاد العام العربى للتأمين والجمعية المصرية لإدارة الرعاية الصحية الملتقى الإقليمى للتأمين الطبي والرعاية الصحية والذي يعقد كل عامين، ويتمّ من خلاله تناول أحدث المستجدات التي تطرأ على منظومة التأمين الطبي والرعاية الصحية، وذلك من خلال المناقشات والمحاضرات التى يلقيها نخبة من الخبراء المحلييين والعالميين أثناء جلسات الملتقى. وقد تمّ حتى الآن تنظيم سبعة ملتقيات، كان آخرها فى بداية هذا العام.
والى ذلك، ساهم الاتحاد في الحوار المجتمعي الذي دار حول “قانون التأمين الصحى الشامل”، اذا تقدّم بعدد من المقترحات لتعديل قانون التأمين الصحي الشامل من بينها أن تسمح الدولة لشركات التأمين بالتعاقد مباشرة مع العملاء، خصوصاً في تغطيات متخصصة قد لا تقدمها المنظومة كنظام الشبكة الطبية على سبيل المثال.
وكان الاتحاد نظّم عدداً من الفعاليات الرياضية والتي من شأنها الدعوة إلى المحافظة على الصحة البدنية والنفسية للانسان من خلال ممارسة الرياضية وكذلك زيادة الوعى التأمينى لدى أفراد المجتمع، وقد بلغ عددها ثلاث مسابقات للجري (ماراثون) خلال عامى 2018 و2019 وقد أُقيم الماراثون الثالث قبل أيام في 2 تموز (يوليو) الماضي بمركز شباب الجزيرة الرياضي. كما يقوم الاتحاد بتنظيم عدداً من المسابقات الرياضية على هامش فعاليات مؤتمر شرم الشيخ السنوى وذلك بهدف إعطاء المشاركين فى المؤتمر الفرصة للحصول على فترة استراحة والتخلص من أعباء وضغوط العمل.
والى ما تقدّم، قام الاتحاد بإنشاء لجنة متخصصة للتأمين الطبي والرعاية الصحية وذلك بهدف مناقشة أحدث المستجدات التى تطرأ على هذا النوع من التأمين، وكذلك محاولة تصميم التغطيات التأمينية التى تلائم إحتياجات العملاء فى هذا الصدد.