سوق الطيب
اللبناني كمال مزوّق، مؤسّس “سوق الطيّب” (أوّل سوق مزارعين في بيروت) في العام 2004، كُرّم، قبل أيّام، في حفل جوائز أفضل 50 مطعمًا في منطقة الـ MENA (الشرق الأوسط وشمال افريقيا)، تقديرًا لابتكاراته في فنون الطهو ومساهماته في التنمية الاجتماعية داخل لبنان وخارجه. ويُعتبر مزوّق واحدًا من أبرز الناشطين اللبنانيين في مجال الأغذية، وقد فاز بجائزة Foodics Icon Award التي سيتسلّمها في النسخة الافتتاحية من حفل توزيع جوائز MENA’s 50 Best Restaurants الذي سيُقام في أبو ظبي في 7 شباط (فبراير) 2022. وتهدف منظمة 50 Best من إقامة هذا الحفل إلى تكريم الشخصيات البارزة في قطاع الأغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وكان كمال مزوّق أسّس أول سوق للمزارعين في بيروت (سوق الطيّب) لتحقيق رؤيته التي تهدف إلى تشجيع صغار المزارعين والمنتجين، ونشر ثقافة الزراعة المستدامة من خلال الاحتفاء بفنون وتقاليد الطهو المحلية، سعيًا إلى توحيد المجتمعات المحلية والحفاظ على الهوية اللبنانية. وقد كان من ثمار إقامة سوق الطيّب افتتاح مطعمه الأول “طاولة” الذي تتولّى الطبخ فيه طاهيات من مناطق لبنانية مختلفة يقمْنَ بإعداد الأطباق الشهية المنزلية التي تشتهر بها مناطقهن، ما يسمح للزبائن تذوّق مجموعة متنوّعة من الأطباق اللبنانية التقليدية. وبعد افتتاحه مطعم “طاولة” في بيروت في العام 2009، أنشأ خمسة مطاعم أخرى، ما أسهم في توفير فرص عمل كثيرة للنساء في جميع أنحاء البلاد. ويشتهر مزوّق بكونه ناشطًا في فنون الطبخ لتبنّيه فكرة طهو أطعمة طبيعية صحية، ونشره ثقافة الزراعة المستدامة.
William Drew، مدير قسم المحتوى في منظمة 50 Best، علّق على فوز كمال مزوّق بجائزة Foodics Icon Award بالقول: “إنّ مساهمته في تعزيز أنشطة منظمة «Slow Food» في لبنان، إضافة إلى تبنيه ونشره ثقافة الزراعة المستدامة من خلال “سوق الطيّب” ومطعمه “طاولة” يُعدّان بحق تجربة ملهمة، وبخاصة بعد التأثير الذي أحدثه في الأوساط الغذائية من خلال رؤيته التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية اللبنانية وإحياء تراث الطهو في لبنان، كلّ هذا يجعله من أكثر المستحقين للفوز بهذه الجائزة”.
على مدار الثمانية عشر عامًا الماضية، تطوّر سوق الطيّب من سوق أسبوعي للمزارعين إلى مؤسسة غذائية تُسهم في تنفيذ برامج تعليمية في المدارس المحلية بهدف زيادة الوعي بأهمية الطعام الصحي، وإقامة مهرجانات للطعام لتسويق المنتجات. ويُعدّ “مطبخ الكلّ” أحدث مشروعات مزوّق التي أقامها في مبادرة منه بدأ تنفيذها بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت لتقديم وجبات طعام للعائلات التي تفتقر إلى الأمن الغذائي في جميع أنحاء بيروت. وبفضل النجاح الذي حقّقه البرنامج الدولي لتبادل خبرات المزارعين في ربط المزارعين اللبنانيين بشبكات المستثمرين الدوليين، يستعد مزوّق حاليًا إلى توسيع سوق الطيّب.
ومزوّق هو ابن الأرض والطبيعة. وُلد في بيت يعشق أهله الزراعة، فتشرّب منهم محبة الأرض منذ طفولته الباكرة، وعندما شبّ، كان دائمًا يردّد “إنّ الأرض لا نرثها من أجدادنا وآبائنا، بل نستعيرها من أولادنا”.
اللافت أنّ مزوّق تخصّص في فن Graphic Design ولكنّه لم يمارس هذه المهنة يومًا. بعدها عمل في مركز ثقافي Art et Culture أُنشئ بعد الحرب اللبنانية، وفي هذا المركز، وكان مقرّه زوق مصبح، تعلّم الكثير، إذ كان يلتقي فيه على مدى 3 أيّام اسبوعيًا مواطنين من مختلف المناطق اللبنانيّة، ما سمح لهم بالتعرّف والتعارف، التعرّف إلى “اللبناني الآخر”… إلى عاداته وتقاليده وثقافته بعدما باعدت الحرب بين المناطق، وتاليًا بين أبناء الوطن الواحد.
بعد سنتَيْن، طُلب منه إعداد كتاب عن لبنان، فزار المناطق كلّها فأغنت زياراته ما كان يحلم به، كما أنعشت ذاكرته محبّة الأرض والزراعة. بعد ذلك، انصرف إلى كتابة مقالات عن السياحة في مجلاّت لبنانية، ومن ثمّ عن الطبخ، غرامه، كما يقول، فتعرّف إلى الطعام الصحّي، وتعلّم مهنة الطهو. أطلق مشروعه العملي الأوّل عام 2004 بإنشائه سوقًا لتصريف المنتجات الزراعيّة مع مجموعة من المزارعين، في بيروت أوّلاً، ثمّ في مختلف المناطق عبر أسواق جديدة…
وفي أواخر أيار (مايو) من ذلك العام، طرح فكرة “سوق الطيّب” ومضى في التنفيذ. ومن “سوق الطيب” انتقل إلى فكرة “الطاولة”، فكان المطعم ثمّ المطاعم التي حملت هذا الاسم، وكان يقدّم فيها الطعام البلدي الذي تتولّى طهوه سيدات منازل يملكنَ الخبرة، وكلّ ذلك تحت إشرافه وسهره…