الاكتواري ابراهيم مهنّا والنقيب السابق ايلي عبود
بقلم فضلو هدايا
بات بحكم المؤكّد أن لبنان أصبح، ظاهريًا، دولة في الطّريق إلى الاهتراء والتحلّل يومًا بعد يوم، وكأنّه سائر إلى الذوبان!
طبعًا يصعب عليّ كلبناني أحبّ وطني أن أقول كلامًا من هذا النوع. ولكن كلمة الحقّ يجب أن تُقال مهما تكن قاسية وموجعة، فلماذا الهرب منها وقد أصبح ما نقوله على شفة ولسان كلّ لبناني؟
إنّ اهتراء الدولة وتحلّل مؤسّساتها لا يعنيان أنّ دور لبنان، صاحب التاريخ المُفعم بالإنجازات على مستوى العالم، قد سقط وزال وبات دولة من زمن فات ولا قيامة له. أبدًا! لبنان يستمرّ ولو في حالة الغيبوبة التي هو فيها، بحيويّة شعبه وعقولهم المنفتحة النيّرة والمُبتكرة، وإنجازاتهم التي لفّت أصقاع الدنيا، شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا، والأمثلة أكثر من أن تُحصى.
أقول هذا الكلام الذي قد يوافقني الرأي عليه كثيرون، لأتحدّث عمّا هو أهمّ: قدرة اللبناني على التكيّف مع الواقع، وإمكانيّة تفوّقه في ميادين المنافسة حيثما حلّ. والأمثلة عديدة سأكتفي بثلاثة، تفاصيلها في هذا العدد:
– المثل الأوّل، استِعانة معظم الدول العربيّة والافريقيّة بالثنائي ابراهيم مهنّا وايلي عبود لتطبيق معيار محاسبي يحمل الرقم 17 في قطاع التأمين العربي (والافريقي)، بدءًا من العام 2023. وأيّ شركة تأمين تتخلّف عن تطبيق هذا المعيار الذي فرضه مجلس معايير المحاسبة الدوليّة، فإنّها ستُعرّض نفسها إلى عقوبات معيّنة تحول دون تمكّنها من الاستمرار في أنشطتها، ما قد يدفعها إلى الإقفال. وما استشهدنا بهذا المثل الحيّ إلاّ لنقول أنّ هاتَيْن الشخصيّتَيْن اللبنانيّتَيْن: الاكتواري ابراهيم مهنّا والنقيب السابق لجمعيّة مدقّقي الحسابات في لبنان ايلي عبود قد استرجعا للبنان بعضًا من هذه الحيويّة التي أجهز عليها السياسيّون محاولين خنْقها، ولكن من دون جدوى! والتفاصيل الكاملة عن هذا الثنائي الذي يشكّل فخرًا للبنان وشعبه على صفحات 4 و5 و6 من هذا العدد.
وعلى نحو مماثل، وهذه المرّة في القطاع المصرفي، وبالتزامن مع الاستعانة بشخصيّتَيْن لبنانيّتَيْن لتطبيق المعيار المحاسبي 17، يبزر اسم رمزي الصبّوري المعروف جيّدًا في الوسط المالي العالمي، وكواحد من أبرز الخبراء في موضوع البطاقات الائتمانيّة محليًّا وفي الخارج. فقد استعين بهذا الخبير لإطلاق أوّل بطاقة بيومتريّة للدفع ستكون بين أيدي الناس في دول الشرق الأوسط وأفريقيا بداية العام 2022. والبطاقة المُشار إليها هي لشركة ZWIPE النروجيّة التي بدأت الإعداد لها منذ العام 2009 حتى العام 2018 قبل الإعلان عنها وسيلة جديدة في الدفع الالكتروني، يرجّح أن تتوافر بين أيدي الناس بعد إطلاقها، بنسبة عالية جدًّا قدّرتها “ماستر كارد” بحوالى 90 بالمئة من أصل أربعة مليارات بطاقة متداولة حاليًا في الدول كافة.
فمبروك للبنان الغني بالكفاءات، على هذا التفوّق المحقّق من قبل أحد أبنائه المَهَرة في حقل اختصاصه (راجع ص 18 و19).
– يبقى مثل ثالث يجب التوقّف عنده: مهارة اللبناني عماد مرعب كحَكَم في كرة الطاولة. لقد كان بعْدُ في العقد الثاني من عمره عندما تمكّن من أن يصبح حَكَمًا دوليًا في كرة الطاولة Ping-Pong وكان ذلك في العام 2000. لم يبهره اللقب يومها، وإنّما أصرّ على المتابعة وتسلّق سلّم النجاح، وجسّد هذا الطموح بحصوله، بعد ثماني سنوات من الممارسة والتدريب، على الشارة الزرقاء التي تُعتبر أعلى مرتبة في التحكيم الدولي حاليًا. ولا تنتهي مهارة عماد (الخبير التأميني في ليبانو-سويس) عند هذا الحدّ، بل اختير قبل أيّام، حَكَمًا فيالمباريات الدوليّة لكرة الطاولة بصفة عضو دائم (full member) وليس عضوًا عند الضرورة (C.M.)، استنادًا إلى خبرته في التحكيم، وبخاصة أنّه يحمل شهادات دوليّة بالتدريب (راجع التفاصيل ص 13). لقد أخرج لبنان من عزلته العربيّة والدوليّة.
* * * * *
هذا غيْض من فيْض الكفايات اللبنانيّة التي ترفع من شأن لبنان كلّما شدّه سياسيوه الفاسدون نزولاً باتّجاه جهنّم. صحيح أنّ الفاسدين ربحوا الجولة في إيصالنا إلى ما نحن فيه اليوم، ولكنّ عليهم أن يعلموا أنّ خسارة معركة لا تعني أبدًا خسارة حرب وأنّه على أكتاف وأيادي وعقول وبُعد نظر اللبناني المجبول بالعلم والحنكة وبُعد النظر والابتكار، سيربح لبنان الحرب مكلّلاً بالغار بعد إزالة آثار العار عنه!
لذا أقول: إطمئنّوا على لبنان، فهو وطنٌ لا يموت!