مرفأ بيروت المدمّر
في الرابع من آب المقبل، تكون قد مرّت سنة أولى على انفجار مرفأ بيروت الذي ترك وراءه دمارًا وضحايا وأزمة اقتصاديّة غير مسبوقة لا تزال ككرة الثلج تكبر يومًا بعد يوم. وإذا كان ذوو الضحايا وسائر المتضرّرين بدأوا على مشارف انتهاء السنة الأولى، يتلمّسون قَبَسًا من نور في نهاية هذا النفق المظلم أطلقه المحقّق العدلي الجديد القاضي طارق بيطار بسلسلة من الاستدعاءات التي سطّر فيها كتُبًا تمّ إرسالها بالطرق القانونيّة، إلى المستدعين وهم نوّاب وقادة أجهزة أمنيّة، حاليّين وسابقين، فإنّ المخاوف بدأت تتعاظم بالنسبة لمسار التحقيقات، وما قد تؤول إليه في ظلّ تكهنّات قد يكون من بينها ما هو أبعد من التهديد لوقف هذا المسار، وعلى غرار ما جرى مع المحقّق العدلي السّابق القاضي فادي صوان الذي رُمي أمام مدخل منزله، قطٌّ مذبوح، وفق رواية الزميل سركيس نعّوم الذي أصرّ على القول في مقابلة تلفزيونيّة، أنّ هذا الخبر صحيح ولا غبار عليه وأنّ كَشْفه له، لا يعني أنّه يسعى إلى تسجيل خبطة صحفيّة (scoop)، بل قَوْل ما حصل.
في هذا الجو المُلتبس، ثمة اهتمام مماثل، وإن كان الوقت ليس وقته، ينصبّ حاليًا حول من سيتولّى إعادة بناء المرفأ وسط عروض عديدة تقدّمت بها شركات فرنسيّة، بريطانيّة، وكان آخرها شركة روسيّة تبيّن أنّها غير جديرة بالثقة، فصُرِف النظر عنها سريعًا. وغنيّ عن القول أنّ أيّ تحرّك باتّجاه إعادة إعمار المرفأ لا يمكن أن يمرّ إلاّ عن طريق حكومة إصلاح جديدة لا يبدو أنّ ولادتها ستكون مرتقبة قبل نهاية العهد الحالي، ربما لقرب موعد الانتخابات النيابيّة والبلديّة وضرورة تشكيل حكومة لهذَيْن الهدفَيْن، من دون أن ننسى الانتخابات الرئاسيّة التي تصبح على الأبواب بعد أشهر قليلة.
ما لفت في إطار الاهتمام بإعادة إعمار المرفأ، ووفق ما نقلته “سكاي نيوز”، أنّ أربعة فلسطينيين من الحاصلين على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة “بيرزيت” في الضفة الغربية، فازوا بالمركز الأول في مسابقةٍ دوليّة لتصميم وإعادة إعمار مرفأ بيروت، ونالوا بفضل هذا الفوز جائزة Pheonix-2021 التي تُقدمها منظمة iDAR-Jerusalem، وهي منظمة فلسطينية غير ربحية مركزها القدس، تُروّج للهندسة المعمارية عبر الاحتفاء بأفكار التصاميم المبتكرة والبارزة، متفوّقين بذلك على مشروعَيْن لفريقَيْن منافسَيْن: روسي وإيطالي فازا بالمرتبتَيْن الثانية والثالثة بعد إجراء التصنيفات النهائيّة، إذ أنّ فرقًا عدّة من دول مختلفة شاركت في المسابقة، وتأهل منها 13 مشروعاً حاز الفريق الفلسطيني على المركز الأول، والأعضاء المهندسون هم: الآء أبوعوض، ديالا أندونيا، ميس بني عودة ومجد المالكي.
فماذا عن هذا المشروع؟
لقد طرح الأربعة في مشروعهم إعادة بناء عدّة أحياء في مدينة بيروت أبرزها إيجاد منظومة اقتصاد محلي جديدة تعتمد بشكل أساس على نظام التعليم المهني، من خلال توفير مساحات تضم ورش عمل ومصانع إنتاجية ومدارس مهنية وزراعية لتساهم في حل أزمة البطالة واستمرارية العمل، وكلّ ذلك بهدف إعطاء أحقية المواطن بمدينته. ومن ذلك ما قاله المهندس مجد المالكي، عضو الفريق الفائز. لقد ذكر أنّ هذا المشروع يعبّر عن رؤية جديدة ستجعل من بيروت عاصمةً مُنتجة تعتمد على إمكاناتها الخاصة، وإعادة تدوير مواد مثل الحديد والخشب والزجاج المتناثر حول مكان الإنفجار، إذ يُمكن استخدام هذه المواد في عملية إعادة الإعمار. أضاف: “إنّ المشروع يهدف إلى توفير وحدات سكنية مؤقتة سريعاً لـ300 ألف لبناني ممن فقدوا منازلهم في الانفجار. وهذه المنازل المؤقتة ستكون قابلةً للتطوير في المستقبل، حتى تتحوّل إلى أماكن دائمة للسكن أو العمل، وكذلك إلى حفظ وتخليد الذاكرة الجماعية المتجسّدة في الصوامع ومنطقة الانفجار، من خلال الدمج المدروس للأنشطة اليومية مع الذكريات القاسية في المكان، كتذكير دائم بندوب المدينة والأحياء الذين فقدوا في هذا الحادث، لهذا تمّ تحديد منطقة الانفجار والصوامع كنقطة محورية ومركزية للمدينة الجديدة”.
أمّا المهندسة آلاء أبو عوض، أحد أعضاء الفريق، فذكرت أنّ المشروع يركّز على إيجاد المساحات العامة والأسواق الشعبية للسكان المحليين، مع الحفاظ على الذاكرة الجماعية للبنانيين من خلال التركيز على صوامع الحبوب. وقد تطلّب المشروع جهوداً كبرى من جانب أعضاء الفريق الذين استغرقوا أربعة أشهر من العمل والبحث المستمرَّين قبل إنهائه”. أضافت: ” أنّ لبنان يستضيف مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه، لذا فإن مشروع الفريق الفلسطيني هو بمثابة بادرة دعم منّا للشعب اللبناني، علمًا أنّ أعضاء الفريق لم يحصلوا على معلومات مطلوبة عن مدينة بيروت، وأعداد المباني المهدمة، وأوضاع المباني التي لا تزال قائمة. لقد لجأنا إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات حول حجم الأضرار، إلى جانب الخرائط التي حصلنا عليها من لجنة المسابقة”.