صوامع القمح تتساقط الواحدة بعد الأخرى
لا حديث في لبنان، هذه الأيام، الّا عن انفجار 4 آب (أغسطس) الذي دمّر مرفأ بيروت وجزءاً كبيراً من أبنية هذه العاصمة، التراثية منها والحديثة، وتسبّب، بحسب أرقام قد لا تكون دقيقة، بمقتل أكثر من مئتَيْ شخص، بإصابة حوالي سبعة آلاف مواطن، بتشرّد 8 آلاف مقيم في الجوار، بتأثّر، بطريقة أو بأخرى، حوالى مئة ألف لبناني، ومن دون أن ننسى الدمار الذي قضى على معالم أحياء ومناطق مأهولة بالكامل، وعلى مستشفيات ومدارس ومؤسسات وسيارات في ثوانٍ. واذا كان العلاج الجسدي السريع قد أنقذ مصابين كُثْراً بعدما هَرَع عناصر من الدفاع المدني والصليب الأحمر اللبناني، فضلاً عن متطوعين بالمئات للمساعدة ونقل مَنْ هم في أوضاع خطرة، الى المستشفيات القريبة التي أجرى بعضُها عمليات جراحية على ضوء الشموع، الا أن علاج “الجروح النفسية” لا تزال عاصية على الشفاء من هذا العَصّف الذي عُدّ شبيهاً بما جرى في مدينة هيروشيما جرّاء الإنفجار النووي في 6 آب (أغسطس) عام 1945!
ومن سنتين الى اليوم، لم يستطع القضاء اللبناني أن يحرّك ساكناً جرّاء خلافات داخلية على طريقة محاكمة نواب ووزراء استدعوا للإستماع الى شهاداتهم، وكذلك في ظلّ خلافات حول نقل الملف الى العدالة الدولية لإجراء تحقيقات شفافة ومحايدة لكشف الحقائق، في وقت لا يزال يقبع في السجون، موقوفون على ذمّة التحقيق والإستجواب، ولم يُفرج عنهم حتى الساعة وكأن العدالة تعطلّت أو هي في وضع “تعليق الأحكام”.
خسائر هذا الإنفجار، وفق محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، وصلت الى 15 مليار دولار، استناداً الى تقارير هندسية وصلته، لكن شركات التأمين بقيت المتضرّر الأكبر، ومن ناحيتين: الأولى أنها بَدَتْ ملزمة، انسانياً وأدبياً، بالتعويض على زبائنها المتضررين ولو بالقدر التي تسمح به امكانياتها، والثانية ان بعض شركات الإعادة العالمية (وحتى الإقليمية) رَبَطَت تسديد التعويضات الناتجة عن انفجار المرفأ بالإنتهاء من التحقيقات ومعرفة كيف تم تفجير المرفأ: هل قضاء وقدراً (وهنا يكون التسديد سهلاً، ويحصل تلقائياً)، أو نتيجة عمل إرهابي مفتعل (وفي هذه الحالة لا تعويضات)، أو نتيجة إهمال وتخلٍّ عن المسؤوليات (وفي هذه الحالة، فإن شركة الإعادة تنظر الى الحُكُم من منظار خاص بها لناحية الأدلاء بموقفها تجاه دفع التعويضات…).
وبسبب هذا الإهمال الحكومي الكبير بإزاء تحريك عجلة القضاء للبت بـ “جريمة العصر”، كما سميت من غير دولة وطرف، أطلق رئيس جمعية شركات الضمان ايلي نسناس في الندوة التي أُقيمت، قبل أيام، في مبنى ACAL عبارة شهيرة معبرة وباتت تلازمه، مفادها أن “التأخير في تحقيقات انفجار المرفأ وعدم اصدار الأحكام يحرمان المجتمع اللبناني من مليار ومئتي مليون دولار فريش!”
وفي وقت أعلنت فيه وكالة التصنيف العالمية AM Best أن شركات إعادة التأمين في لبنان واجهت خلال السنتين المنصرمتَيْن مخاطر تشغيلية عالية المستوى، على رغم أنها جمعت ميزانيتها العمومية بتعليق دفع التعويضات الناتجة عن انفجار المرفأ، كان ثمة اجماع من قبل عدد من رؤساء مجالس الإدارة والمدراء العامين في شركات تأمين لبنانية، على أن هذا القطاع لا يزال رغم كلّ التحديات، الأقوى بين سائر القطاعات، بما فيها القطاع المصرفي الذي فَقَدَ وَهْجَهُ السابق، وبدأ قطاع التأمين يعمل على “سرقة” هذا الوهج بهدوء وبتأنٍ..
وفي ظلّ هذا الوضع المرتبك على مستوى الدولة والقضاء والذي تجسّد بعدم القدرة على اتخاذ أي قرار أو تحريك أي قطعة على رقعة الشطرنج، وصولاً الى ربح معركة كشف الحقيقة، بادرت شركات تأمين عدة، كما مصارف، الى “إغراق” مواقع التواصل الإجتماعي بصُوَر تُعبّر عن مشاركتها في الحزن الذي عمّ دول العالم أجمع وليس لبنان فقط. وثمة مصارف (قليلة) حَذَت حَذوَ شركات التأمين، ربما من باب “رفع العتب”، كما يُقال.
على أن الخبطة الصحفية المهمة التي شهده هذا النهار، فتمثلت بمبادرة “ألباس بيروت ثوب الحياة”، ضمن حملة Redress Lebanon بالتعاون مع Impact BBDO. وقضت المبادرة التي أقدمت عليها رئيسة تحرير صحيفة “النهار” نائلة التويني، بالطلب الى المصمم العالمي زهير مراد تصميم فستان فريد من الشَبَك المستعمل في ترميم الأبنية المتضرّرة جرّاء انفجار 4 آب (أغسطس) . وسيُباع بطريقة رقمية NFT، على أن يعود ربع المبيع، كما ذكرت نائلة التويني في افتتاحية العدد الصادر اليوم (4/8/2022)، الى جمعية “ادراك” لدعم قضية الصحة النفسية ومساعدة المتضررين في الإنفجار.
وبناء على رغبة السيدة تويني بعدم السماح لوسائل الإعلام بنشر الثوب، نكتفي بالطلب الى من يشاء رؤيته، الدخول الى موقع “النهار”. أما بخصوص صُوَر الشركات المنشورة مع هذا النص، فقد لا تكون الوحيدة، بل ربما نشرت شركات تأمين أخرى صُوَراً في هذه الذكرى، ولم نعثر عليها ونحن نقلّب مواقع التواصل الإجتماعي، فاقتضى التوضيح.