الصاروخ الصيني الذي خرج عن مساره
————————————-——————-——————-
كادت لا تمرّ ساعات قليلة على بيان الاعتذار الذي نشرناه على صفحتَيْنا في فيسبوك و Linkedin حول عدم تزويد القرّاء بالأخبار اليوميّة على موقع “تأمين ومصارف”، كما درجَت العادة، حتّى بادر صاحب المولّد إلى الاتّصال بنا شاكيًا لنا الضنى والعذاب والقهر الذي يعانيه للحصول على مادّة المازوت. ووعدنا بتأمين هذه المادّة ولو من السوق السوداء كي لا يساهم في تعطيل أشغال مشتركين أكثر ممّا هي معطّلة. وبالفعل، ما أن بزغ فجر اليوم الأربعاء حتى عاود، ولو بخجل، مدّنا بطاقة تسمح لبطارية الـ UPS، التي بتنا نعتمد عليها، لأن تُشحن بما يكفي لإدارة أجهزة الكمبيوتر مع إضاءة مروحة ولمبَتَيْن، علمًا أنّ مؤسّسة كهرباء لبنان التي نعوّل عليها كثيرًا، تكتفي هذه الأيّام بمدّنا بالطّاقة ساعة في النهار وأخرى في الليل!
وبالمناسبة، لا يسعنا كفريق عمل، سوى التقدّم بالشكر من قرّائنا في الوطن العربي الذين تعاطفوا معنا، وطبعًا مع لبنان المنكوب الذي نأمل أن يسطع فجره من جديد ليستعيد دوره وأَلَقَه وازدهاره ولو تطلّب الأمر سنوات يقدّرها البعض بعشر!
في ما يلي مقال جديد…
————————————-——————-——————-
خبيرة التأمين السيدة ندى معوّض أبو جمره تتابع الردّ على أسئلة القرّاء ضمن زاوية “فتاوى تأمينيّة”. وفي هذه الحلقة الجديدة، تتناول موضوعًا نادرًا ما تمّ التطرّق إليه: هل هناك عقود تأمين لحوادث الفضاء، انطلاقًا من الذعر الذي دبّ في نفوس البشر مع خروج الصاروخ الصيني Long March 5B عن مساره في أيّار الماضي.
– من القارئ سهيل مقبل (لبنان) الذي كتب إلينا يقول: تابعت عبر الإعلام في شهر أيّار (مايو) الماضي، موضوع خروج الصاروخ الصيني long March 5B عن مساره، والتخوّف من سقوطه في منطقة مأهولة والتسبّب بأضرار ماديّة وبزهْق أرواح، إذ كان يبلغ وزنه واحدًا وعشرين طنًّا وطوله ثلاثين مترًا. لكن لحسن الحظّ، تحطّم الجزء الأكبر من الصّاروخ خلال دخوله الغلاف الجوّي للأرض، ليسقط ما تبقّى منه في المحيط الهندي غرب جزر المالديف.
هذه الحادثة جعلتني اتسأءل: إذا كان لديّ عقد تأمين شامل للأخطار، هل شركة التأمين ستعوّض عليّ في حال سقطت، لا سمح الله، أجزاء من هذا الصّاروخ على منزلي؟
ج: عقود التأمين الخاصّة بالأخطار تتضمّن بنودها، تغطية سقوط الطائرات والأجهزة الهوائيّة غير الحربيّة أو أجزاء منها، لكنّ الحالة التي تتحدّث عنها لا تُعالج بهذه الطريقة وهي تُحلّ بين الدول، حسب معاهدات دوليّة.
فبعد الحرب الباردة، وبعدما بدأت الدول العظمى تتسابق لاكتشاف واستعمال الفضاء الخارجي، وُضِعتْ أُطُر قانونيّة بين الدول تحدّد وترعى الأمور الناجمة عن استعمال الفضاء الخارجي. وتمّ التوقيع على معاهدة 27 كانون الثاني 1967 التي حدّدت هذه الأُطُر، ومن بعدها على معاهدة 29 آذار 1972 التي تناولت موضوع المسؤوليّة عن الأضرار التي قد تسبّبها هذه الأجسام.
وبناءً على هذه المعاهدة، ففي حال حصل ضرر في بلد ما، تُبلَّغ الأمم المتّحدة، ليُعوّض على المواطنين المتضرّرين فيه.
ومنذ تاريخ إعداد هذه المعاهدة حتّى اليوم، تمّ اللجوء إليها مرّة واحدة عام 1978 بعدما وقع قمر صناعي روسي على منطقة في كندا خلّف أضرارًا ولوّث أرضها بمواد إشعاعيّة جرّاء تحطّم محرّكه النووي. يومها، طالبت كندا بتعويض قيمته 11.5 مليون دولار أميركي، وذلك للتنظيف والتخلّص من هذه المخلّفات. وقد رضخَتْ روسيا للأمر وسدّدت المبلغ.
وبما أنّنا نتحدّث عن الفضاء الخارجي، لا بدّ من التطرّق إلى موضوع التأمين على أخطار الفضاء Space Insurance، هذا النوع المميّز والخاصّ جدًّا من التأمين الذي يواكب هذه الصناعة المستجدّة والمعقّدة التي بدأت منذ أربعين عامًا فقط وباتت تشكّل ميدانًا للمنافسة بين الدول الصناعيّة الكبرى. وقد ساهم هذا النوع من التأمينات وبشكل ملحوظ، بالازدهار الاقتصادي والتكنولوجي الذي يشهده العالم في أيّامنا والذي لا يزال مستمرًّا في التطوّر والازدهار، بدليل وصول عدد الأقمار الصناعيّة الموجودة في الفضاء بتاريخ 31/12/2020 إلى 3372 قمرًا صناعيًا.
واجهت شركات التأمين عدّة صعوبات في تحضير عقود تأمين لهذه الأخطار، أوّلها عدم وجود دراسات إحصائيّة عن هذه النشاطات لتعطي الشركات فكرة عن المخاطر والأضرار التي يمكن أن تحصل، وثانيها احتماليّة كبيرة لخسائر جسيمة وعواقب واسعة النطاق. أمّا ثالث هذه الصعوبات فتعود إلى أنّ وقوع حادث في الفضاء، فمن المرجّح أن تكون قيمة الضرر كارثيّة. أخيرًا فهناك احتماليّة حصول أضرار يستحيل الوصول إلى ما تضرّر، بالتالي ينتفي مبدأ الكشف على الضرر الذي يطبّق عادة في التأمين، والاكتفاء بالأسباب غير المؤكّدة غير العواقب العشوائيّة التي قد يصرّح عنها المؤمّن.
إنّ أوّل عقد تأمين من هذا النوع وُلِدَ في العام 1965، وقد صُمِّم لتغطية الأضرار الماديّة التي قد تطرأ للقمر الصناعي Early Bird قبل عمليّة الإطلاق.
أمّا بالنّسبة لحجم هذه الأعمال فهي كالتالي:
– تتراوح القيَم المؤمّن عليها بين 150 و500 مليون دولار أميركي.
– يشكّل قسط التأمين ما بين 15 و25 بالمئة من ميزانيّة المشروع الفضائي، وهذه النِسَب إلى ازدياد.
– مجموع الأقساط التأمينيّة في العام تناهز المليار دولار، أمّا المطالبات فقيمتها أيضًا كبيرة، على سبيل المثال، تضرّر الصّاروخ Space X Falcon 9 سنة 2018 مسبّبًا خسارة قيمتها 200 مليون دولار.
بالعودة إلى أنواع التغطيات التي تقدّمها الشركات الضامنة فهي تقسّم إلى أربعة أقسام كبيرة تواكب غالبيّة المراحل التي يمرّ بها مشروع الأقمار الصناعيّة: التجهيز، الإطلاق إلى الفضاء، التمركز في المدار الفضائي والتشغيل. نذكر من هذه الأنواع على سبيل المثال:
- عقد Satellite Launch للأخطار المتعلّقة بإطلاق القمر الصناعي.
- عقد Satellite In-Orbit لتغطية القمر عند وجوده في المدار الفضائي.
- عقد Spacecraft, pre-transit, transit, pre-launch لتأمين مرحلة قبل الإنطلاق ومرحلة نقل القمر من المكان الذي صنع فيه إلى مكان الإطلاق.
- Space Products هو لتغطية المعدّات المستعملة والمستخدمة في تصنيع القمر الصناعي.
- Satellite loss of reverence وهو لتغطية فقدان الربح، إن لم يؤدّ القمر الصناعي مهمّته بالطريقة المطلوبة.
- Satellite TPL لتغطية الأضرار الجسدية والماديّة التي تصيب الطرف الثالث والتي تكون ناجمة عن القمر الصناعي.
أضف إلى هذه الأنواع تأمين المصانع ومراكز الإطلاق والعاملين فيها.
لكن مع هذا التطوّر ظهرت مشكلة جديدة وهي “المخلّفات الفضائيّة” التي باتت تهدّد سلامة الأقمار الصناعيّة الموجودة في المدار الفضائي، إذ يقدّر العلماء وجود نحو 170 مليون قطعة عائمة في الفضاء ممكن في أي لحظة أن تصطدم بقمر ما وتسبّب له أضرارًا، مع العلم أنّ هناك جهودًا مبذولة لتنظيف هذه المخلّفات، لكن الطريق لا يزال طويلاً، كما لا تزال شركات التأمين تتحمّل هذه المخاطر.
أخيرًا، وللأسف، كلّ خطوة تخطوها البشريّة نحو التطوّر، ترجعها خطوات إلى الوراء في ما خصّ السلامة العامة، كالتلوّث الذي سبّبه الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي، والتلوّث النووي وتردّداته على صحّة الإنسان بالإضافة إلى التلوّث الفضائي…
فهل سنصل، يومًا ما، إلى تمنّي العودة إلى الحياة البدائيّة؟؟