“التأمين التكافلي” هو العنوان العريض لنشرة الاتحاد المصري ذات الرقم 253. وتجنّبًا لأي ردّة فعل والدخول في متاهات تتصل بهذا النوع من التأمينات المرتبط بالشريعة الاسلاميّة، فقد أوضحت النشرة في المقدمة الأهداف من معالجة هذا الموضوع وهي ثلاثة: خصائص هذا التأمين، تطوّره، وأخيرًا أهمّ الفرص والتحديات التي تواجه هذه الصناعة. أكثر من ذلك، أعلن معدّوها وبالخطّ العريض، أنّ هذه النشرة لا تستهدف بأيّ شكل من الأشكال تقييم نظام التأمين التكافلي من الناحيتَيْن الفنية والشرعية، أو مقارنتها بنظام التأمين التقليدي. وما طَرْق هذا الموضوع إلاّ من منطلق أنّه بات مكوّنًا أساسيًا من مكوّنات صناعة التأمين العالميّة والعربية، بما في ذلك المصريّة.
فماذا في التفاصيل؟
بالاستناد إلى هذه النشرة الأسبوعية التثقيفيّة بامتياز، خصوصًا لأبناء المهنة، من موظفين ومن مدراء ومسؤولين، فإنّ التأمين التكافلي ظهر في نهاية السبعينيات من القرن الماضي كفكرة مكمّلة ومعزّزة للصيرفة أو البنوك الإسلامية، وأوّل من انطلق بها هي السودان تحديدًا من بنك فيصل الإسلامي في العام 1977 الذي أسّس أوّل شركة تأمين لتليها الأمارات بمبادرة من بنك دبي الإسلامي وكان ذلك في العام 1979.
لكنّ التأمين التكافلي ما لبث أن استقلّ عن المصارف الإسلامية، ومع هذه الاستقلاليّة، بدأ بتأسيس العديد من شركات التأمين التكافلي بشكل مستقل على مستوى العالم ووفق قوانين مرعيّة الإجراء، أبرزها:
- صدور أول قانون خاص بتنظيم التأمين التكافلي عالمياً (قانون التكافل 1984) بماليزيا.
- تأسيس هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI عام 1990 ومقرّها مملكة البحرين، وهي هيئة معنية بوضع المعايير الشرعية والمحاسبية للأنشطة المالية الإسلامية ومنها التكافل.
- تأسيس مجلس الخدمات المالية الإسلامية IFSB عام 2002 ومقرّه كولالمبور في ماليزيا وهو مجلس مختص بوضع معايير رقابية وتنظيمية ومعايير مرتبطة بالملاءة المالية والإفصاح والشفافية.
- وبالنسبة للسوق المصري، فقد أُسِّست عدّة شركات تأمين تكافلي في السنوات وصدرت عدّة ضوابط قانونيّة وقرارات تنظيميّة، إلا أن “مشروع قانون التأمين الموحّد” قد أفرد وللمرة الأولى فصلاً مستقلاً لتنظيم التأمين التكافلي (الفصل الخامس من المادة 81 – 88).
فما هي الخصائص الرئيسة للتأمين التكافلي؟ إنّها ثلاث:
- الحوكمة والرقابة الشرعية، الفصل بين أموال حملة الوثائق (المشتركين) وحملة الأسهم وتوزيع الفائض التأميني – الاستثماري على المشتركين.
بالنّسبة للناحية الأولى، فإنّ على شركات التأمين التكافلي تقديم منتجات تتوافق والشريعة الاسلامية، وأن تعمل تحت إشراف هيئة رقابة شرعية من أجل هذه الغاية. وفي ما يتعلّق بالناحية الثانية، فالمطلوب أن يكون في الشركة صندوقان: أحدهما لحملة الأسهم والثّاني لحملة الوثائق، والهدف من ذلك توزيع الأرباح (إذا وُجدت أرباح) بعد تسديد كلّ الموجبات المالية خلال السنة على المشتركين، وهذا ما يُعرف بــ “الفائض التأميني، علمًا أنّ هنالك عدّة نماذج تشغيليّة تحكم العلاقة بين حملة الوثائق وحملة الأسهم، يمكن المهتمّين التعمّق في تفاصيلها بالعودة إلى مراجع متخصّصة في هذا الشأن.
وتشير الأرقام المسجّلة بالنسبة لحجم سوق التأمين التكافلي إلى وصول إجمالي الأقساط المكتتبة إلى ما يقرب من 27.6 مليارات دولار في العام 2021، مع توقّعات بأن تنمو هذه الصناعة بمعدل سنوي مركب يبلغ 13٪ في الفترة ما بين 2022-2027، لتصل الأقساط إلى 49 مليار دولار بحلول عام 2027.
وتأتي نسب النمو المضطردة في التأمين التكافلي من دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلي دول آسيا ولاسيما منطقة جنوب شرق آسيا فضلاً عن وجود سوق واعدة و لكنها مازالت محدودة كنسبة مشاركة في صناعة التأمين التكافلي العالمية، هي السوق الأفريقية. ويلاحظ أن توقّعات النمو المرتفعة (والتي تحقّقت في الماضي أيضاً) تقوم على بعض الافتراضات الناجمة عن طبيعة صناعة التأمين التكافلي.
هذه القفزة المتوقّعة ليست غريبة في قطاع التأمين التكافلي، لأنّ هذه الصناعة باتت مزدهرة، وأقساطها المكتتبة تتزايد عالمياً، وهناك العديد من الفرص التي يمكن لشركات التكافل استغلالها، منها:
- الوعي المتزايد بشأن التأمين التكافلي وخصائصه في مناطق مثل آسيا والمحيط الهادئ ودول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا.
- وصول عدد المسلمين إلى حوالى 1.5 مليار نسمة، يقطن غالبيتهم في دول تعدّ من الاقتصادات الناشئة والفقيرة التي لا تزال تعاني فجوة تأمينية متسعة.
- وجود خدمات التأمين التكافلي متناهية الصغر والتي تناسب الطبقات الفقيرة، والتي لا يمكن خدمتها من خلال منتجات التأمين التقليدي بسبب آراء دينية أو عقائدية.
وفي مقابل هذا الازدهار والتوقّعات بوصول أرقام الأقساط المكتتبة المالية إلى الضعف في العام 2027، إلاّ أنّ تحديات عدّة تواجه صناعة التأمين التكافلي باعتبارها صناعة ناشئة مقارنة بالتأمين التقليدي منها: إنّ الإطار التشريعي التنظيمي للتأمين التكافلي، لا يزال غير مواكب للتطوّر، إذ لا يزال العديد من الدول والأسواق بلا إطار تشريعي مستقل وواضح للتأمين التكافلي.
ومن التحديات أيضًا: المنافسة في الأسواق المختلفة وفقاً للنظام المالي المطبّق ويمكن التفرقة بين عدّة أنظمة في هذا الصدد: النظام المالي المزدوج Dual system الذي يسمح لكل من شركات التأمين التقليدي والتأمين التكافلي بالعمل جنباً إلى جنب ، وهو النظام الأكثر شيوعاً عالمياً. النظام المالي الوحيد Single system الذي لا يسمح إلا بإقامة شركات تأمين تكافلية وهو مطبق في السودان و نظرياً في باكستان.
وثمة دول تسمح لشركات تأمين تقليدية بافتتاح نوافذ أو منصات تكافلية Takaful Window مثل أندونيسيا وباكستان وقطر والمملكة المتحدة، وهذا النظام يسمح للشركات التقليدية منافسة شركات التأمين التكافلي من خلال استغلال أصول وملاءة وتصنيف الشركة الأم دون تخصيص رأس مال أضافي يعادل رأس مال شركة التكافل أو تكبد تكاليف إدارية مماثلة، وهذا هو السبب وراء أن العديد من الدول تشترط تأسيس شركات تأمين تكافلي متخصصة ومنفصلة.
وإلى ذلك، هناك تحديات متعلّقة بالاستثمار، والأسباب عديدة منها أن ما يتّصل بالمنتجات ذات المخاطر المرتفعة، ومنها عدم قدرة الشركات اللجوء إلى الاستثمارات ذات الفائدة الثابتة.
ومن التحديات أيضًا أنّ شركات التأمين التكافلي بشكل رئيسي تواجه عدم كفاية الطاقة الاكتتابية المتاحة من شركات إعادة التكافل، لاسيما في ضوء انسحاب بعض تلك الشركات من السوق العالمية بسبب التصفية لأسباب مختلفة. ورغم وجود هذا التحدي منذ ظهور صناعة التأمين التكافلي إلا أنه يتمّ التغلب عليه من خلال “قاعدة الضرورة” والتي سمحت بموجبها هيئات الرقابة الشرعية باستخدام أسواق إعادة التأمين التقليدية في حالة وجود نقص في الطاقة الاكتتابية المعروضة من قبل شركات إعادة التكافل.
ومن التحديات أيضًا، ندرة الكفاءات والمهارات والخبرة وعدم وجود استراتيجيّة لتسويق منتجات التأمين التكافلي ووجود فجوة بين النظرية والتطبيق.