عند افتتاح المؤتمر
مع أنّ الملتقى الاقليمي السادس للتأمين الطبّي الذي عُقد في قاعة كليوبترا في فندق سميراميس انتركونتيننتال في القاهرة بين 11 و12 تشرين الأوّل (اكتوبر)، هو في الأساس مخصّص لسوق التأمين في مصر وتاليًا للمصريّين، إلاّ أنّ الأمانة العامة للاتحاد العام العربي للتأمين GAIF، استطاعت أن تجعل منه ملتقى للتأمين الطبّي العربي وليس المصري فقط، وهذا إنجازٌ مهمّ لأنّ التوسّع في طرح موضوع يهمّ كلّ المواطنين العرب ستكون فائدته أشمل وأعمّ لمن يتابعه عبر الوسائل الاعلاميّة المختلفة، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي. حتى أنّ وزير المالية المصريّة الدكتور محمد معيط الذي رعت وزارته هذا الملتقى، ضمّن كلمة الافتتاح التي ألقاها، ما يؤكّد هذا التوجّه التأميني الطبّي العربي الشامل. ومن يتابع كلمة الأمين العام للـ GAIF السيد شكيب ابو زيد يستشفّ هذا التوجّه الذي ارتقى بالملتقى من كونه مخصّصًا لمصر، إلى التوسّع به نحو آفاق تطاول دول الوطن العربي بأسره.
فماذا أوّلاً في الكلمة التي ألقاها وزير المالية وإعطائه هذا الملتقى طابعًا تأمينيًا طبيًا عربيًا شاملاً؟
لقد ذكر الوزير معيط في بداية كلمته بعد الترحيب بالمشاركين وبالقيّمين على هذا الملتقى، أنّ هذا الاجتماع يأتي تزامنًا مع ما يشهده العالم حاليًا من انتشار لجائحة كورونا وسعي الحكومات إلى التخفيف من التداعيات السلبيّة لهذه الأزمة. ثمّ تناول الدور الذي لعبته الحكومة المصرية لمواجهة هذه الجائحة عن طريق اتّخاذها كافة الاجراءات لضمان تحقيق التوازن بين الحفاظ على صحة المواطنين والعودة التدريجيّة للنشاط الاقتصادي، فضلاً عن الارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة لهم، خصوصًا أن موازنة العام المالي 2020-2021 دعمت شبكة الحماية الاجتماعية لتوفير رعاية صحيّة جيّدة للمواطنين لمواجهة Covid-19 وباقي الأمراض التي قد لا توفّر مواطنًا. وهنا ركّز وزير المالية على رؤية مصر للعام 2030 والتي ستترك حيّزًا مهمًّا لنظام التأمين الصحّي الشامل. ومن أجل ذلك، تضمّنت تلك الرؤية أفكارًا عدّة مقرونة بأهداف، منها تقليل الانفاق الجاري الموجّه للدعم والأجور والفوائد في مقابل زيادة الانفاق الاستثماري على التعليم والصحّة وتحقيق تغطية طبية شاملة لجميع المصريين مع ضمان جودة الخدمات المقدّمة. وفي هذا المجال، كشف وزير المالية أنّ هذه الرؤية خصّصت نسبة من الانفاق الحكومي للقطاع الصحّي لا تقلّ عن 3 بالمئة من الناتج القومي الاجمالي، مع العلم أنّ هذه المخصّصات العائدة لهذا القطاع للعام 2020-2021 بلغت 258،5 مليارات، أي بزيادة 83،2 مليار أي بزيادة نسبتها 47 بالمئة عن العام المالي السابق. ومن الأهداف التي تشملها هذه الخطوة ، إنشاء سجل صحّي الكتروني لكافة المتردّدين وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة. وهنا أشار إلى أهمية هذا الملتقى كفرصة جيّدة لتبادل الخبرات في مجال التأمين الطبّي بين القطاعَيْن الخاص والحكومي، وكذلك الاستفادة من خبرات شركات التأمين المصريّة والعربية وشركات الرعاية الصحيّة وشركات الوساطة التأمينيّة والاستفادة من أنظمة العمل والتكنولوجيا المتقدّمة.
ولم تكن كلمة رئيس الاتحاد المصري للتأمين السيد علاء الزهيري بعيدة في مضمونها عن كلمة الوزير، وإن هي تميّزت بتأكيد مصداقيّة مصر في تأمين الرعاية الصحيّة ابتداءً من 21 آذار (مارس) 1964، مع العلم أنّ أوّل وثيقة تأمين تُقدِّم العلاج الطبّي للمضمونين بشركات التأمين المصرية باللغة العربية تعود إلى العام 1957. وتحسّسًا من الاتحاد المصري للتأمين بخطر Covid-19، ومواكبةً للإجراءات التي تقوم بها الحكومة المصرية لمواجهة هذه الجائحة ، فقد تبرّع لصندوق “تحيا مصر” بمبلغ عشرة ملايين جنيه. هذا إلى جانب العديد من الإجراءات ومنها: مساندة العملاء المتوقّفين عن العمل بتوفير الشركات تسهيلات ائتمانيّة لسداد الأقساط لضمان استمرار التغطية التأمينية، فضلاً عن تسهيل إجراءات ترخيص السيارات واستمرار تغطية أي حادث. وإلى ذلك، التزمت 79 بالمئة من شركات التأمين الطبّي في تغطية فيروس كورونا بشكلٍ كامل فيما غطّت الشركات الـ 21 بالمئة الباقية، اختبار الكشف عن المرض PCR. وإذا ثبُت أنّ المواطن المضمون مُصاب بالفيروس، فإنّ الشركة تلتزم دفع القيمة في حين يدفع المواطن قيمة هذا الاختبار إذا كانت النتيجة سلبيّة.
طبعًا لم تقتصر كلمة رئيس الاتحاد على ما أقدمت عليه شركات التأمين، بل تناول أيضًا جديد هذه الشركات ومنها: إصدار وثائق تأمين الكترونية جديدة ومنتجات تأمين متناهية الصِغَر والتوسّع في البَيْع عن طريق الـ Online، إلى ما هنالك من خطوات تطويريّة، وكلّ ذلك ضمن اتّخاذ الاجراءات الاحترازيّة لمنع تفشّي كورونا.
بالانتقال إلى الأمين العام للـ GAIF السيد شكيب أبو زيدـ، نشير إلى أنّ كلمته كانت شاملة في معلوماتها وفي تظهير الواقع على حقيقته. وفي هذا الصدد قال: “المنظومة الطبيّة في كلّ البلدان لم تكن مستعدّة بالشكل الأمثل لمواجهة الجائحة، ولهذا فوجئ الجميع على رغم صحّة التوقعات. وتمثّلت المفاجأة الأكبر في طول مدّة الحجر الصحّي والعواقب الاقتصاديّة التي ترتّبت على هذه الأزمة”.
وبطبيعة الحال، أضاف أبو زيد، “فالتساؤلات الأولى التي فرضت نفسها بقوّة تناولت مدى قدرة المنظومة الصحيّة في مواجهة الأزمة والدور الذي ستلعبه شركات التأمين والرعاية الصحية كونها دعائم أساسيّة للقطاع الخاص، ولها دور مكمّل للدول. وفيما كان القطاع الصحّي الحكومي الخطّ الأوّل في مواجهة الجائحة، فإنّ شركات التأمين كانت تتساءل عن إمكانيّة تغطية فيروس كورونا من عدمها، وتاليًا تحمّل نفقات العلاج. وهنا توضّحت الصورة إذ تبيّن أنّ القطاع الصحّي الحكومي يفتقر إلى الامكانيّات ويكتفي بمعالجة ذوي الدخل المحدود جدًّا والأمراض المستعصية، في وقتٍ بدت شركات قطاع التأمين الخاص متردّدة لناحية التغطية، من دون أن ننسى هنا أن ثمة مجموعات كبيرة من المواطنين غير محميّة بتغطية صحيّة، ولذا وَجُب العمل على إدراج هذه الفئات في نظام تأميني. وبما أنّ لشركات التأمين ومؤسّسات الرعاية الصحيّة دورًا يجب أن تلعبه وهو المشاركة في المجهود الوطني لحماية المواطنين، فقد كان عليها الالتزام بثلاث مسلّمات: أولى، أن تكون تغطياتها واضحة لعموم المضمونين، وأن تكون شبكتها الطبيّة منتشرة على نطاق واسع. ثانيًا، أن تكون التغطيات واضحة لجهة شمول الأوبئة أو استثناء البعض منها وأن تكون البوالص مسعّرة بوضوح. ثالثًا، أن تكون هناك شراكة أساسيّة ما بين القطاعَيْن العام (وزارات الصحّة والشؤون الاجتماعيّة) وشركات التأمين”.
في كلمة الأمين العام الكثير من المعلومات القيّمة عن التأمين الصحّي في المنطقة العربيّة التي يشكّل فيها هذا النوع من التأمينات أهميّة خاصة في المنطقة، علمًا أنّ هناك “تجارب نجحت وأخرى في طور التطبيق”، كما قال، وأعطى بعض الأمثلة. من ذلك أنّ نظام التأمين الصحّي التعاوني في السعودية ألزم الشركات تغطية كلّ العاملين وعائلاتهم وخفّف العبء عن ميزانية الدولة. وفي الإمارات، أصبح كلّ المواطنين والمقيمين تحت مظلة التغطية. في المغرب، فإنّ منظومة التأمين الطبّي الاجباري AMO تغطّي مجموعة كبيرة من الناس. في مصر هناك قرار حكومي واضح لجهة الشروع في تطبيق منظومة التطبيق الصحّي الشامل في العديد من المحافظات، على أن تعمّم هذه المنظومة في فترة زمنيّة محدودة.
ويسأل السيد شكيب أبو زيد، هل لقطاع التأمين الخاص مصلحة في مشروعٍ كهذا؟ طبعًا، يجيب ويدعم رأيه بما أدّت إليه خطوة السعودية بالنسبة للتأمين الصحّي إذا ارتفعت الأقساط فيها بشكلٍ كبير.
وهل للدولة مصلحة في إشراك القطاع الخاص؟ ويجيب: “بالتأكيد، لأنّ هذا التعاون يمهّد لمنظومة صحيّة متكاملة يخفّف الأعباء على ميزانية الدولة، يزيد مداخيل المستشفيات التابعة لوزارة الصحة من خارج ميزانية الدولة، يشمل كلّ المواطنين بهذا التأمين ويساهم في تحسين انتاجية العمّال في كلّ القطاعات ويساهم في الأمن الاجتماعي، إلى ما هنالك من منافع”.
تبقى إشارة إلى أنّ هذا الملتقى الاقليمي السادس خرج بـ 14 توصية تهمّ قطاع التأمين الطبّي والرعاية الصحيّة، من أهمّها: العمل على تحقيق التعاون بين الدولة وشركات التأمين، الاطلاع على تجارب الدول الأخرى، دراسة إنشاء صندوق تأمين عربي لتغطية الأوبئة والأمراض المعدية، تعزيز العمل على تقديم كافة الخدمات التأمينية بالوسائل الالكترونيّة المتنوّعة وتحفيز شركات التأمين على ابتكار منتجات تأمينيّة جديدة.
وفي تقليد جديد يهدف إلى نشر وتشجيع الثقافة التأمينية، قرّرت اللجنة العليا للملتقى عقد مسابقة تأمينية تتضمن الإجابة عن أسئلة متخصصة في التأمين الطبّي للسادة المشاركين على مدار يومي الملتقى 11 و12 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 وتقديم جائزة قيمة لهم. وقد فاز بجائزة اليوم الأول السيد تامر تمام من شركة مصر لتأمينات الحياة، أما جائزة اليوم الثاني فكانت من نصيب السيد مهند مجدي من شركة GIG للتأمين.
أخيرًا لا بدّ من القول أنّ هذا الملتقى فى دورته السادسة كان مميزًا ومختلفًا عن الملتقيات السابقة من حيث آليات التنظيم المتطورة واستخدام التكنولوجيا والنقل المباشر عبر شاشات متحدثين من جميع انحاء العالم، مع الإشارة إلى أنّ معظم الجلسات كانت تدار بالحضور الفعلي على المنصة، بالإضافة الى الحضور الإفتراضي عبر الشاشات، فضلاً عن النقل المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.