تنقيط الدواء باتّقان
يتابع الصيدلي أنطوان مقبل الكتابة عن الأدوية الجديدة التي تُطرح في الصيدليات للبيع بوصفة طبيّة، حتى ولو كان هذا الدواء غير متوافر في لبنان، استثنائياً، بسبب أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية والإستشفائية المعلومة، في حين توافره، على الأرجح، في معظم الدول العربية. والدواء الجديد الذي يتناوله الصيدلي في هذه الحلقة يُدعى Verkazia الذي يوصف لعلاج قرنية العين والملتحمة من التهاب مزدوج يُصيبهما. فماذا عن هذا الدواء السائل “التنقيطي” في العين، ما هي أعراضه، كيف يُستخدم ويعمل وما هي أهميته وفوائده… هذه الأسئلة وغيرها يُجيب عنها بالتفصيل المقال التالي…
بقلم الصيدلي أنطوان مقبل
ثمة مشاكل صحية تتسبّب بها تغييرات مناخية معيّنة، منها ما هو تقليدي خلال فصول معينة من السنة، ومنها ما هو مستجد، تبعاً لما يُحكى عن تبدّلات مناخية حول العالم. ومن الأمراض التي نسمع عنها كثيراً، هي الإلتهابات الصدرية والإنفلونزا والسُعال في فصل الشتاء، وحساسية تصيب الرئَتَيْن والأنف في فصل الخريف. أما في الربيع فنلاحظ تكاثر أنواع الحساسية في الجلد وفي العينَيْن يصل الى حدّ التهاب مناطق معيّنة فيهما قد تؤدي الى نتائج خطيرة في بعض الأحيان. وفي العادة، تتمّ معالجة هذه الحالات الأخيرة بما يتوافر من أدوية مضادة للحساسية وأخرى مضادة للإلتهابات.
موضوعنا اليوم يتناول دواء جديداً لمعالجة مشكلة خطيرة ناتجة عن التهاب مزدوج يُصيب، بالتزامن، مكانَيْن مميّزين في العين هما: القرنية والملتحمة التي هي الغشاء المبطّن للجفن الذي يُعرف بالإنكليزية باسم Conjunctiva والذي هو عبارة عن طبقة رقيقة من الأنسجة تُغطي الجزء الأمامي من العين بالكامل باستثناء القرنية. وفي حين أن القرنية تلعب دوراً في ايصال النور الى داخل العين، وصولاً الى الشبكية، فإن الملتحمة تؤمّن حماية العين وتُزيّتها (أي تُرطّبُها) من خلال انتاج المادة المخاطية وانتاج الدموع.
وقبل الحديث عن الدواء، أود اعطاء فكرة عن هذا الخلل الذي يُصيب العينين في الربيع والذي لا بدّ من معالجته، تجنّباً لتفاقمه والحاق الأضرار الجسيمة بهما.
يُطلق على هذه الحالة اسم Vernal Kerato Conjuctivitis، علماً أن كلمة Vernal تعني “الربيعي” أي الخاصة بفصل الربيع، وبذلك تُصبح الترجمة الكاملة لهذه الحالة: “الإلتهاب الربيعي للقرنية والملتحمة”، وهي حالة قاسية من الحساسية الإلتهابية التي تتكرّر موسمياً لدى بعض الأشخاص، بحيث تُصيب سطح العينين، كما هي نوع غير مألوف من حساسية العين الذي يُمكن أن يؤدي الى أضرار فادحة في هذه المنطقة، وصولاً الى احداث خِدشْ في القرنية، وبالتالي خسارة النظر، اذا لم تتم المعالجة بالشكل الصحيح.
وتتمظهر هذه الحالة بعدد من أعراض قد تتشارك فيها مع بعض العلامات الأخرى، منها الحكة، فوبيا الضوء (أو الخوف من الضوء)، توهّج وحريق في العينَيْن، احمرار وتورّم، افرازات مخاطية وغيرها، وصولاً الى توقّف العينين عن انتاج الدموع، وجفافهما. وفي حال ترافقت هذه الأعراض مع أوجاع أو تغييرات في الرؤية، عندها تصبح استشارة الطبيب ضرورية.
هذه المشكلة تُصيب غالباً شريحة معيّنة من الناس من صغار السن تتراوح أعمارهم بين أربع وثماني عشرة سنة، معظمهم من الذكور. والإصابة غير معدية لأنها ليست ناتجة عن أي جرثومة من أي نوع كانت (لا بكتيريا ولا فيروس ولا فطريات)، وانما هي نوع من التحسّس تجاه مسبّبات الحساسية المحمولة جواً والتي تتكاثر في فصل الربيع، وبعض الأحيان في الصيف، عندما تتخطّى الحرارة حدوداً مرتفعة، مع العلم أنها قد تستمر عند بعض الأشخاص طوال سنة بكاملها.
وبالعودة الى الدواء الجديد، موضوع مقالنا، فهو يحتوي على مادة “Cyclosporine A” بشكل نقط مخصّصىة للعينيْن. فماذا عن هذه المادة؟ انها معروفة بالأساس باستعمالها لتخفيف أو لتعديل المناعة “Immunity” في بعض الحالات التي تُصبح فيها مضرّة بالإنسان. ولذلك، تُصنّف على أنها “Immuno suppressive أو Immuno Modulator. والمناعة عادة بالحالات الطبيعية هي نوع من جهاز دفاعي يتولّى التصدّي لأي عنصر غريب على الجسم يُمكن أن يُلحق الأذى به، يُسمى باللغة الطبية “Antigen” ويُمكن أن يكون بكتيريا أو فيروس أو فطريات مضرّة أو أي شيء آخر يعتبره الجسم دخيلاً عليه فيَسْتَنْفر أجهزته المناعية للتصدّي له، وهو ما يُسمى Immunity . لكن هذا الجسم الغريب يُمكن أن يكون أيضاً عضواً دخيلاً في الجسم تمّ زرعه فيبدأ بمحاربته لكي يلفظه خارجاً. وهنا يلجأ الطبّ الى استعمال مادة Cyclosporine A للتخفيف من هذه المناعة لكي ينتهي الأمر بتقبّل الجسم هذا العضو البديل المزروع حديثاً، مع مراعاة عدم الوقوع في حالة ضعف المناعة لما يُمكن أن يتسبب به من مشاكل. وقد يسأل البعض ما علاقة مادة Cyclosporine في التصدّي لإلتهاب وتحسّس العينَيْن؟ والإجابة تُضطرني الى تبيان الفرق بين كلمتَيْ Infection و inflammation والإثنتان يتمّ التعبير عنهما باللغة العربية بكلمة التهاب. فالأولى تعني دخول عنصر غريب جرثومي الى الجسم قد يكون بكتيريا أو فيروساً أو فطريات أو أي عنصر آخر يُمكن أن يتسبّب بالأذى والعدوى. أما الثانية (Inflammation)، فهي عملية دفاعية يقوم بها الجسم لمواجهة جرثومة، أو رداً على عدوان خارجي آخر يتمثّل بصدمة أو تلوّث هوائي أو سموم كيمائية أو غيرها من العوامل التي يعتبرها الجسم تهديداً له فيكون الردّ باحمرار أو تورّم أو غير ذلك من المظاهر التي تدلّ على ان هناك شيئاً غير طبيعي قد حصل. وهذا العنصر الخارجي المعتدي يُسمى “Antigen” وهو ما ذكرته سابقاً. وهنا يتبيّن القاسم المشترك بين كلمتَيْ Immunity و Inflammation ، فالأولى تستعمل الثانية كواحدة من آلياتها للدفاع عن الجسم: أي الإحمرار أو التورّم أو غيرها من المظاهر. وعندما يتخطّى هذا الردّ حدوداً معيّنة، يُصبح ضرراً على الجسم يوجب إيقافه. من هنا استعمال الأدوية المضادة للإلتهابات Anti-Inflammatory أو استعمال مادة Cyclosporine A” “ لكبح جماح الأجهزة الدفاعية والتخفيف من حدّتها دون تعريض المريض لأذى نتيجة ضعف أو فقدان المناعة. هذا هو سبب إستعمال Cyclosporine في هذه الحالة.
ويُباع الدواء في الأسواق باسم Verkazia ويتمّ تنقيطه في العين المصابة بمعدل أربع نِقَط في اليوم، واحدة صباحاً وواحدة ظهراً وواحدة عصراً وواحدة في المساء، علماً أنه يحتوي على نسبة (1mg/ml) من مادة Cyclosporine. والدواء لم يُطرح في صيدليات لبنان بعد، علماً أن تنقيط هذه المادة في العين بدأ للمرة الأولى عام 1980 بعد عملية زرع قرنية، خوفاً من أن يقوم الجسم برفضها، ثم تطوّر هذا الإستعمال ليشمل حالات التهابية عدة.
ان هذه المادة تتميّز عن مضادات الإلتهاب الستيروبيديه (أي المشتقة من الكورتيزون) بكونها أكثر أماناً للعيْن وأقل آثاراً جانبية. وقد أثبتت فعاليتها في متلازمة جفاف العين التي هي نتيجة حتمية لإلتهاب القرنية والملتحمة، وهو موضوع المقال. والى ذلك، تعمل على تخفيض التورّم، ما يُسمى بإعادة انتاج الدموع مجدّداً. وقد حازت على موافقة ادارة الغذاء والدواء (FDA) شرط عدم استعمالها لأكثر من سنة، بشكل متتالٍ، لأن الدراسات لم تشمل الفعالية والسلامة في حال استعمالها لمدة تزيد عن السنة. وفي حال الإضطرار لمتابعة استخدامها، فإن الأمر يتطلّب فحصاً منتظماً للعين كل ثلاثة الى ستة أشهر. لذا، وفي حال استمرار الأعراض بعد نهاية الموسم، يُمكن متابعة العلاج إلى حيث بدء التحسُن، عندها يُصار إلى تخفيض الجرعات إلى نقطة مرّتَيْن يوميًا إلى حين زوال الأعراض، عندها يتمّ وقف العلاج على أن يُستأنف في حال تجدّدها. وفي حال ضياع جرعة واحدة نتيجة النسيان، يتمّ التنقيط كالمعتاد دون أية زيادة. ويُحذّر المريض من عدم تجاوز النقطة الواحدة في كلّ مرّة من المرّات. إلى ذلك، لا توجد دراسة حول نتائج استخدام الدواء لدى من هم أقلّ من أربع سنوات، وكذلك لمن تجاوزوا الثامنة عشرة من العمر. كما لم تتمّ دراسة الدواء لدى الذين يعانون خللاً في وظائف الكبد أو الكليتَيْن. ومع ذلك، فلا يتمّ تعديل الجرعات لدى هذه الشريحة من المرضى. وتُشدّد الشركة المنتجة على ضرورة غَسْل اليدَيْن جيّدًا قبل الاستعمال تخوّفًا من الجراثيم بعد خَفْض المناعة الناتج عن المادة. كما نشير إلى ضرورة “خضّ” المستحضر بلطف قبل الاستعمال ويُطلب من المريض إقفال عينَيْه لدقيقتَيْن بعد التنقيط لتلافي خروج المادة إلى الجلد، ما يؤدّي إلى نتيجتَيْن سلبيتَيْن أوّلاهما، نقص في كمية الدواء التي تدخل إلى العين، وبالتالي نقص في الفعالية، وثانيهما إمكانية إمتصاص المادة من قبل الجلد ودخول الدواء في الدورة الدمويّة، ما قد يتسبّب بآثار جانبية قد يكون من الأفضل تجنّها. وفي حال استعمال أدوية أخرى بشكل نقط للعينَيْن، ينبغي الحفاظ على فاصل زمني من 15 دقيقة بين كلّ مستحضر وآخر، على أن يكون “verkazia” آخرها.
وفي دراسات أُجريت على بعض المرضى، ظهر بوضوح تحسُّن في الحكاك بعد الشهر الأوّل من العلاج، كذلك لجهة الخوف من الضوء (فوبيا الضوء) بعد أربعة أشهر. ومن ناحية الافرازات المخاطية، فكانت النتائج جيدة هي الأخرى. وبعد سنة من العلاج، تبيّن للقيّمين على الدراسة سلامة المستحضر على العين بتسجيل نسبة ضئيلة من الآثار الجانبيّة بينها ألم خلال التنقيط لا يلبث أن يزول عند الانتهاء مئة، علمًا أنّ هذا الألم غير معمّم، اذ يُصيب البعض لا الجميع من المرضى. كذلك تبيّن أن آثار الجانبيّة الأخرى كانت أقلّ حصولاً ولم يشعر بها سوى عدد محدود ممّن استعملوا الدواء. وبشكل عام، فإنّ الآثار الجانبيّة للدواء هي أقلّ من الآثار الجانبيّة الناتجة عن استعمال المواد الستيروييدية (أي مشتقّات الكورتيزون). ورغم ذلك، فإنّ ظهور بعض الأعراض الناتجة عن الدواء، ولو كانت نادرة، إلاّ أن تجاهلها قد يكون أحيانًا خطيرًا، أذكر منها: ضعف في الرؤية، أعراض الحساسية القاسية كصعوبة التنفّس أو حصول تورّم في الوجه أو العين أو الفمّ أو اللسان، عند ذلك، تصبح مراجعة الطبيب ضروريّة.
الجدير بالذكر أنّ عدد النقط الواردة في وصفة الطبيب لهذا الدواء، قد لا تكون دائمًا مطابقة حرفيًا لما وَرَد في النشرة الصادرة عن الشركة المنتجة، (أي أربع نقط يوميًا)، نظرًا لعدّة عوامل خاصّة بالمريض، بينها الوزن والوضع الصحّي وسائر الأدوية التي يتناولها ألخ.. لذا، فالمرجع النهائي بالنسبة للجرعات وطريقة الاستعمال هو الطبيب المعالج.
وقبل استعمال الدواء، على المريض إعلام الاختصاصي المعالج بالأدوية التي يتناولها، وعن أية حساسية لديه تجاه أي دواء. وفي وضع النساء، إبلاغ الطبيب عند الحمل أو عن الاستعداد للحمل، أو عن الرضاعة أو أيّ شيء، كما عليه إبلاغه ما إذا كان يعاني أيّ التهاب جرثومي خاصة أنّ مادة cyclosporine تؤدّي إلى انخفاض في المناعة تجاه الجراثيم وهو ما ذكرته سابقًا.
ولهذا المستحضر تفاعل مع أدوية أخرى، لذا وَجُب إعلام الطبيب عن أيّ دواء يتمّ تناوله، بما في ذلك أدوية الأعشاب والمتمّمات الغذائيّة، وكذلك عمّا يتناوله المريض من مشروبات كالقهوة والكحول وما إذا كان من المدخنين.
يبقى أن نشير إلى أنّ هذا الدواء من إنتاج Santen Pharmaceutica اليابانيّة، الشركة العملاقة في صناعة أدوية العيون التي تأسّست منذ العام 1890. وهي تُعدّ واحدة من الشركات الرائدة في هذا المجال بحيث تناع منتجاتها في أكثر من خمسين بلدًا، كما لها فروع لمصانعها في سائر أرجاء العالم.
وفي الختام، إنّ هذا الدواء يعادل أقوى المستحضرات فعاليّة في مكافحة الالتهابات غير الجرثوميّة. ويصنّف بـ Leader Anti-inflammatory، ويتمتّع بشبكة أمان واسعة لا تؤمّنها أية مواد أخرى من مشتقات الكورتيزون، ومع هذا، فالحذر واجب ومواكبة الطبيب لاستعماله هي أكثر من ضروريّة قبل، وخلال وبعد العلاج، للوصول إلى افضل النتائج وأقلّ ما يمكن من المشاكل.