هل تلحق بهما التدابير المرتقبة؟
بحث ممتع للإتحاد المصري للتأمين في النشرة الأسبوعية ذات الرقم 349، تناول فيه دور شركات التأمين في “الإقتصاد الفضي”، أي الذي يُعنى بـ “كبار السن”. فكيف يمكن شركات التأمين أن تلعب هذا الدور والإستفادة من هذا الإقتصاد الفضي الذي يبلغ 15 تريليون دولار، فيما تبلغ قيمة السوق العالمية لتقنية الرعاية لكبار السن أكثر من 13 مليار دولار؟
هذا ما تجيب عنه النشرة في المقال التالي الذي ننشره كما وصلنا والذي إذا طبقت أفكاره، فمعنى ذلك أن متوسط عمر الأنسان لن يقلّ عن تسعين عاماً، إذا لم يكن أكثر.. فإلى هذا المقال الشيّق والغني بالمعلومات والتوقعات والحلول…
تغيرت تركيبة سكان العالم منذ ثلاثة عقود بصورة يصعب تخيّلها وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى، ما يدفع إلى إعادة التفكير في ما يعرف بـ “اقتصاد كبار السن” أو “الاقتصاد الفضي” الذي يعني بدراسة مسارات إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات التي تهدف إلى استخدام الإمكانات الشرائية للمسنين وتلبية احتياجاتهم الاستهلاكية والمعيشية والصحية.
وطبقًا للتقديرات، فإن اقتصاد كبار السن أو الاقتصاد الفضي يبلغ 15 تريليون دولار، وتبلغ قيمة السوق العالمية لتقنية الرعاية لكبار السن أكثر من 13 مليار دولار، وأصبح القطاعان العام والخاص يدركان أن كبار السن يمثلون فرصة جذّابة، وخاصة بالنسبة للصناعات التكنولوجية والخدمات الرقمية و المالية.
ويُعدُّ ارتفاع معدل الأعمار في العالم حقيقة لا يمكن غضّ النظر عنها، إذ تشير أبحاث الأمم المتحدة إلى أن عدد كبار السن سيتضاعف عالمياً بحلول عام 2050، ليصل إلى ما نسبته 25% من السكان، وتحل اليابان في المرتبة الأولى عالمياً في ارتفاع معدل الأعمار، إذ تبلغ نسبة من تتراوح أعمارهم بين 65 عاماً فما أكبر 26.3 %من السكان، ومن المتوقع أن يصبح ثلث الشعب الياباني بما نسبته 32.2%من كبار السن بحلول عام 2030، تليها دول أوروبا، فمن بين199 مليون أوروبي هناك 39 % منهم فوق سن الخمسين، وبحلول عام 2025 سيصبح عددهم 222 مليونًا أي 43% من سكان أوروبا، وهو ما يؤشر بتغيّر تشكيل الاقتصاد العالمي في المستقبل، وتأتي الولايات المتحدة والصين في مقدمة الدول التي تتزايد فيها نســــب كبار السن، وتُعدُّ الأخيرة أرضاً خِصبة للفرص الاستثمارية لاقتصاد كبار السن، خاصة في قطاعات الصحة والترفيه والسياحة.
ما المقصود بمصطلح “الاقتصاد الفضي”؟
و لماذا يعتبر هذا المصطلح ذا أهمية لشركات التأمين؟
يشير الاقتصاد الفضي إلى الأنشطة والفرص الاقتصادية التي تنشأ من تقدّم عمر السكان. فكون أن هناك عدداً لا بأس به من الأشخاص يعيشون حياة أطول وأكثر صحة، فإن ذلك يعكس حقيقة أن هناك شريحة متزايدة من السكان تزيد أعمارهم عن 60 عاماً. وقد أدى هذا التحوّل الديموغرافي إلى زيادة كبيرة في الطلب على المنتجات والخدمات المصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجات وتفضيلات كبار السن.
ويمكن تقسيم هذا القطاع النابض بالحياة إلى مجموعتين متميزتين : كبار السن (الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و75 عاماً) وكبار السن (الذين تبلغ أعمارهم 76 عاماً أو أكثر). ويصبح إدراك هذا التمايز أمراً محورياً عند صياغة حلول مخصصة تلبي إحتياجاتهم وتتناسب مع أنماط حياتهم ومخاوفهم.
ماذا يعني هذا بالنسبة لشركات التأمين؟
إنه يشير إلى ظهور واقع جديد يتميز بسمات رئيسية:
أولاً، وجود زيادة في نسبة الإعالة، مع انخفاض عدد الأفراد في سن العمل إلى عدد الأفراد كبار السن من 4 في عام 2001 إلى أقل من 2 بحلول عام 2050. ويضع هذا التحول أهمية أكبر على توفير أنظمة دعم قوية لفئة المسنين.
ثانياً، هناك ارتفاع ملحوظ في صافي ثروة الأجيال الأكبر سناً. وفقًا لشركة ماكينزي، من المقرر أن ترتفع قوتهم الشرائية العالمية، لتصل إلى 22 تريليون دولار بحلول عام 2030. وهذا يمثّل زيادة ملحوظة بنسبة 40٪ مقارنة بمستويات أوائل عام 2020، مما يؤكد الإمكانات الاقتصادية الهائلة للاقتصاد الفضي.
أخيراً، يجب أن ندرك الاهتمام الرقمي المتزايد بين كبار السن، وهو اتجاه متسارع مع تقدم الأجيال الجديدة في السن، حيث تستمر طلاقتهم الرقمية وحرصهم على تبني التكنولوجيا في التوسّع، ما يفتح عالماً من الاحتمالات للابتكارات الرقمية المصمّمة خصيصاً لاحتياجاتهم.
إن الاقتصاد الفضي يمثّل في جوهره سوقاً ديناميكية سريعة التطوّر. وبالنسبة لشركات التأمين، من الضروري أن تتفاعل بشكل استباقي مع هذه التركيبة السكانية المتنامية من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية. وهذا يستلزم التعرّف الى المطالب والتطلعات والتفضيلات الفريدة لكبار السن ومواءمة استراتيجياتها لتلبية احتياجاتهم المتطورة، علماً أن كبار السن يعيشون اليوم حياة أطول ويمارسون نشاطهم لفترة أطول من أي وقت مضى. ولكن ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وفجوة حماية التقاعد المتزايدة تترك الكثيرين منهم قلقين بشأن كيفية تمويل تقاعدهم وتأمين مستقبلهم بشكل مناسب، وبالتالي يشّكل كبار السن سوقًا استهلاكية غير مستغلة تبحث بنشاط عن حلول لمساعدتهم على التقدم في السن بشكل جيد. وتعد هذه فرصة جيدة لشركات التأمين لتبتكر وتستغل هذه الفرصة الهائلة. ولكن كيف؟
لقد لعب التأمين على مرّ التاريخ، دورًا حيويًا في حماية الأفراد والشركات من الخسائر المحتملة. فمنذ نشأته لحماية البحارة والتجار من الخسارة الكاملة لبضائعهم، تطور باستمرار لتلبية الاحتياجات المتغيرة للمجتمع. واليوم، مع تقدّم سكان العالم في السن، تواجه شركات التأمين واقعًا جديدًا وهو عدد متزايد من كبار السن النشطين الذين يسعون إلى تجارب جديدة ومثيرة في سنواتهم الأخيرة. ولتلبية احتياجات هذه الفئة السكانية، تتبنى شركات التأمين أساليب مبتكرة وتعمل على تطوير منتجات وخدمات مخصصة.
فكيف تتغير احتياجات كبار السن مع تقدم أعمارهم ؟
لا يوجد جانب واحد لتحديد السمات والتجارب التي تميز “كبار السن” عن الأجيال الأصغر سنا وبخاصة أن رفاهتهم تتأثّر بجوانب مختلفة و متعددة، بما في ذلك صحتهم، واستقرارهم المالي واستقلالهم وإدماجهم الاجتماعي. و من خلال فهم هذه الديناميكيات المتغيّرة، يمكن التعرّف الى التحديات التي تواجه هذه الفئة السكانية واستكشاف كيف يمكن شركات التأمين تخصيص منتجاتها لتوفير حلول شاملة لهم.
–الصحة والرفاهية: ترتبط رفاهية كبار السن ارتباطًا وثيقًا بحالتهم الصحية. وتشكل المشكلات الصحية غير المتوقعة مخاوف كبيرة لهذه الفئة السكانية، مما يستدعي الاهتمام بضمان جودة حياتهم بشكل عام. وعلاوة على ذلك، فإن طول العمر المتوقع لكبار السن يؤكد أهمية الحفاظ على صحتهم طوال فترة حياتهم. وتصبح معالجة احتياجاتهم الصحية وتعزيز التدابير الوقائية جوانب ضرورية لتلبية متطلبات رفاهتهم.
–الاعتبارات المالية: يمكن تقسيم الوضع الاقتصادي للسكان المسنين إلى فئتين: الأولى: تتمتع بالراحة المالية. والثانية تضطر لمواجهة الفقر في سن الشيخوخة. لقد تركت عواقب الأزمة المالية لعام 2008 عددًا كبيرًا من كبار السن مع الحد الأدنى من المدخرات، ما أدى إلى انخفاض معاشات التقاعد إلى ما دون خط الفقر. ومع ذلك، من الأهمية بمكان ملاحظة أن رفاهية كبار السن لا تحددها الموارد المالية فقط. بل إن النهج الشامل الذي يأخذ في الاعتبار الصحة والإدماج الاجتماعي ضروري للتوصل إلى حل شامل.
–التكنولوجيا كوسيط: لقد أبرزت جائحة كوفيد-19 أهمية التكنولوجيا لكبار السن، حيث أصبحت أداة حيوية للحفاظ على الروابط الاجتماعية ومكافحة العزلة. وقد أظهر جيل طفرة المواليد (1946-1964)، على وجه الخصوص، قدرة متزايدة على التكيف التكنولوجي. إن الاعتراف بدور التكنولوجيا كعامل تمكين للمشاركة الاجتماعية والتعلم أمر بالغ الأهمية لشركات التأمين التي تهدف إلى تلبية احتياجات هذه الفئة السكانية بشكل فعال.
–الإدماج الاجتماعي والاستقلال: يتوق كبار السن إلى المشاركة النشطة في المجتمع بشروطهم الخاصة، مع التأكيد على أهمية الإدماج الاجتماعي والاستقلال. و بالنسبة للأفراد الذين تبلغ أعمارهم 75 عامًا أو أكثر، يتحوّل التركيز من أدوات التكنولوجيا إلى المساعدة الشخصية والحماية. يصبح الوجود الإرشادي الذي يساعد في الحفاظ على صحتهم، والتنقل بين المخاطر المحتملة (مثل التهديدات عبر الإنترنت)، وتعزيز الروابط الاجتماعية أمرًا محوريًا.
فما هو النظام البيئي الواسع النطاق من المنتجات والخدمات والأشخاص الذي يناسب الاقتصاد الفضي؟ تخيّل عالمًا يتجاوز فيه التأمين الحدود التقليدية، ويتجاوز دوره التقليدي كشبكة أمان مالية فحسب؛ وذلك عن طريق قيام هذا القطاع الحيوي بتقديم الخدمات التي تتجاوز التأمين، وهو مفهوم يوسع آفاق ما يمكن لشركات التأمين تقديمه للسكان المسنين. فلا يتعلق الأمر فقط بالوثائق والمطالبات؛ بل يتعلق ببناء نظام بيئي مزدهر – تفاعل متناغم بين المنتجات والخدمات والأشخاص – مصمم لتمكين وإثراء حياة كبار السن والمسنين.
وللنظام البيئي أهمية قصوى اذ يعكس وجود شبكة من مقدمي الرعاية الفردية ورعاية الأسر ومقدمي الخدمات وشركات التأمين تتعاون بسلاسة لخلق بيئة شاملة من الدعم والرفاهية لكبار السن؛ حيث يقوم كل شخص بالدور المنوط به على أكمل وجه مما ينتج عنه وجود حياة مرضية وحيوية للسكان المسنين.
ويتكون هذا النظام البيئي من مجموعتين فرعيتين متميزتين:
1-مكون الرعاية، ويدور مكون الرعاية حول المساهمات القيمة لمقدمي الرعاية وأفراد الأسرة، الذين يقدمون الرعاية والدعم الأساسيين. ويعمل هؤلاء الأفراد على سد الفجوة في مجال الرعاية الصحية بين متلقي الخدمة (مثل كبار السن) ومقدمي خدمة الرعاية الصحية (بما في ذلك المستشفيات) والمسؤولين عن الشق المالي (مثل شركات التأمين). من خلال تمكين هذا الجزء من السكان، تتمتع شركات التأمين بفرصة رائعة لتحقيق نتائج صحية أفضل، وتحسين نظام الرعاية الصحية وتخفيف العبء الاجتماعي والاقتصادي الذي تتحمله شركات التأمين نفسها.
2-مكون الشيخوخة النشطة والذي يُعدّ بمثابة عالم خاص يسعى فيه كبار السن إلى مغامرات جديدة وسبل مثيرة للاستمتاع بمتع الحياة. وعادةً ما يتمّ تجاهل هذه المجموعة النابضة بالحياة، حيث تميل الحلول القائمة إلى التركيز على الأفراد الأكثر اعتمادًا على غيرهم. ومع ذلك، فقد بدأ التركيز يتحول إلى المشاركة المجتمعية، والتعلم مدى الحياة، والاستثمارات المثمرة؛ ما يفتح عالماً من الفرص أمام شركات التأمين لتطوير عروضها، وتقديم منتجات وخدمات جديدة تمكن كبار السن من مواصلة رحلة الحياة بدلاً من مجرد البقاء على قيد الحياة.
من هنا يتعين على شركات التأمين أن تتعامل مع احتياجات وتطلعات متنوعة، وتلبي مجموعة واسعة من المتطلبات. ويشمل هذا النهج المتعدد الأوجه المنتجات والخدمات الأساسية التي تغطي جوانب مختلفة من حياة كبار السن. من الحماية ضد الأمراض والحوادث إلى الدعم اليومي، والتمويل وإدارة الثروات وخدمات الاستثمار وحتى عروض الرفاهية التي تشمل الأنشطة الاجتماعية وبناء المجتمع.. حيث تتمتع شركات التأمين بالقدرة على إنشاء نظام بيئي شامل يعالج الاحتياجات الشاملة لكبار السن. لذلك، من الضروري لشركات التأمين استكشاف وفهم والتواصل مع العقد المتعددة للشبكة الفضية وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة تلبي الاحتياجات المتنوعة للسكان المسنين. ومن خلال القيام بذلك، يمكن لشركات التأمين تحسين نوعية الحياة لكبار السن، وتمكين مقدمي الرعاية وأفراد الأسرة، وفي نهاية المطاف تحقيق نتائج صحية أفضل مع توليد فرص عمل جديدة في سوق سريعة النمو.
ومع إمكانات هذا النظام البيئي الواسع، فإن الفرص لا حدود لها. ويمثل هذا التحول النموذجي من التأمين التقليدي إلى نظام بيئي تعاوني مترابط فرصة لتغيير حياة الأفراد وتعزيز مستقبل مشرق لكبار السن. فعلى الرغم من النسيج المعقد للاقتصاد الفضي إلا أنه يكمن بداخله عدد من الإمكانات غير المستغلة.
على أن تحسين خيارات التأمين لكبار السن يمثل فرصة سوقية كبيرة لشركات التأمين، ولكنها تتطلب نهجًا مبتكرًا ودقيقًا. فالاقتصاد الفضي هو سوق ديناميكي يتطور بسرعة ويقدم مجموعة من المنتجات والخدمات التي يجب على شركات التأمين تكييفها لتلبية الاحتياجات الفريدة لكل من كبار السن النشطين وأولئك الذين يحتاجون إلى الرعاية والمساعدة. وعلى رغم من ارتفاع الاستثمارات في الاقتصاد الفضي، إلا أن شركات التأمين لم تغتنم بعد الفرصة الكاملة لدمج تلك الفئة المستهدفة في تجربة عملاء فريدة. وعلى هذا الأساس، فالمطلوب إعادة تصور رعاية المسنين.
صحيح أن عدداً كبيراً من الأدوات المالية لقطاع المسنين يتوافر اليوم، لكن هذا لا يشغل التأمين إلا نسبة ضئيلة . إن تمويل الرعاية وإيجاد الرعاية هما التحديان الرئيسيان اللذان يواجههما هذا القطاع. و في حين أن تمويل الرعاية محفوف بالتحديات، يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في العثور على جانب إيجاد الرعاية إلى حد كبير. لذا يجب أن يركز قطاع التأمين على صياغة منتجات مخصصة لكبار السن لتقديم تجربة رفاهية شخصية. وسيتطلب ذلك أيضًا تعاونًا موازياً مع مقدمي الرعاية الصحية ودور الرعاية والخدمات المالية واستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT) لإنشاء عروض قيمة أكثر ثراءً لهذا القطاع. إن تجميع هذا النظام البيئي بسرعة ودمجه بسلاسة لتوفير تجربة متفوقة لكبار السن أصبح بمثابة تمييز استراتيجي لشركات التأمين.
والسؤال المطروح: ما دور العروض الموجهة التي تستهدف إعادة ابتكار رعاية المسنين؟
تتسم شريحة كبار السن بالتنوع، وتتطلب أنواعاً مختلفة من الدعم. ويرغب كبار السن في العيش مستقلين في منازلهم الخاصة، في محيط مألوف، والاستمرار في التفاعل مع الأصدقاء والعائلة لأطول فترة ممكنة. ويتطلب دعم هذا المطلب إنشاء عروض شاملة موجهة نحو هدف محدد – والغرض من ذلك هو تمكين كبار السن من عيش حياة مستقلة وكريمة في منازلهم.
و تلعب التكنولوجيا دوراً كبيراً في تصميم عروض التأمين الموجهة نحو تحقيق غرض معين. فقد سهلت زيادة الاتصال وتقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي مراقبة وجمع البيانات (بعد الحصول على الموافقة بما يتفق مع لوائح الخصوصية)، والتنبؤ بأنماط السلوك والتعرف على العميل بشكل أفضل، مما مكن شركات التأمين من تصميم الخدمات بشكل أفضل. وسوف يعتمد مستوى المراقبة على ما يحتاج إلى مراقبته لصالح شركة التأمين وكذلك حامل الوثيقة.
وقد يفضل بعض كبار السن أقل قدر من الإزعاج وفي هذه الحالة يمكن استخدام أجهزة الاستشعار لرسم خريطة للأنشطة اليومية بشكل غير ملحوظ وتتبع فترات الحركة والراحة وتناول الأدوية للعميل. ويمكن الاستفادة من الخوارزميات للتعلم من أنشطة الحياة اليومية، واكتشاف الأنماط غير الطبيعية أو المتباينة، وإخطار مقدمي الرعاية المجتمعية تلقائيًا، الذين سيتدخلون بعد ذلك. وإذا كانت هناك حاجة إلى مراقبة المزيد من المعلمات مثل النظام الغذائي أو أنظمة التمارين الرياضية أو الوضعية، فيمكن استخدام ساعة ذكية أو جهاز فيديو – يمكن استخدام جهاز استشعار لكل جانب، ويقتصر ذلك فقط على الراحة والتكلفة. وبناءً على البيانات المستقاة من هذه الأجهزة، يمكن تحفيز كبار السن على عيش حياة صحية. ويتيح هذا النمط الخفي من التتبع لكبار السن أن يعيشوا حياة مريحة ومستقلة مع الاحتفاظ بشبكة أمان دون الشعور بالتدخل الذي يصاحب المراقبة النشطة.
والآن ماذا عن التحديات التي تواجه شركات التأمين في الاقتصاد الفضي؟
خلال المئتي عام الماضية، تضاعف متوسط العمر المتوقع على مستوى العالم وأصبح الآن فوق السبعين عامًا. ويأتي هذا الارتفاع في متوسط العمر المتوقّع مع تحديات جديدة لمجتمعنا، وخاصة لكبار السن الذين يريدون ويحتاجون إلى فرص لحياة أفضل. ولهذا السبب، يقترح الاقتصاد الفضي نماذج أعمال وخدمات جديدة يمكننا تقديمها لكبار السن حتى يتمكنوا من التمتع بحياة أكثر نشاطًا وجودة أفضل. ومن ثم تحتاج صناعة التأمين إلى تحسين عدد من الجوانب المختلفة من أجل تحسين تجربة هذه الفئة من العملاء.
-التحدي الأول هو أن هذا الجيل يضم مجموعات عمرية مختلفة جدًا لديها رغبات وضروريات مختلفة، وبالتالي يتعيّن على شركات التأمين تكييف كل منتج وتخصيصه لمجموعات عمرية مختلفة. ويعد أحد الحلول لمعالجة هذا التحدي هو تكوين شراكات مع كيانات مختلفة متخصصة في كل تخصص حتى يمكنهم تقديم أفضل الخدمات والحلول لكل شريحة.
-الجانب الثاني الذي يجب مراعاته هو أنه في العديد من شركات التأمين يتم التواصل مع المؤمن عليه في حالتين فقط هما: الأول عندما يشتري المؤمّن عليه الخدمة، والثاني عندما يتحقق الخطر المؤمن ضده .
ويمكن أن يمر وقت طويل بين هذين الحدثين، وأحيانًا لا يحدث الأخير أبدًا. وهذا يخلق مسافة في العلاقة بين شركة التأمين والمؤمّن عليه، ما يؤدي إلى نوع من عدم الثقة بينهما.. وفي كثير من الحالات لن يشعر المؤمن عليه بالقيمة التي تضيفها الخدمة إلى حياته. وهنا تنشأ العديد من الفرص، وخاصة من خلال إضافة نظام بيئي من الخدمات لكبار السن حيث يمكنهم الشعور بالقرب والارتباط بشركة التأمين. فما يهم العميل هو أن يشعر بالحماية الحقيقية، وهذا هو المصدر الذي يمكن أن تأتي منه القيمة الحقيقية للتأمين.
تهدف بعض الخدمات إلى بناء علاقة مع العميل حيث يشعر بالإشباع كل يوم من خلال القيام بأنشطة معرفية واجتماعية وجسدية مختلفة، وهنا تتشكل العلاقات الحقيقية. أيضًا، من خلال الاقتراب من العملاء، يمكن للشركات الحصول على بيانات أفضل لتقييم ملف المخاطر الخاص بهم وتقديم خدمات أفضل لهم. بالإضافة إلى ذلك، يصبح العملاء أكثر انفتاحًا على مشاركة بياناتهم ودفع المزيد مقابل خدمات الوقاية من المخاطر. إن قدرة شركة التأمين على تقديم حلول ذات قيمة مضافة وفردية وقابلة للتكيف تؤكد بقوة على الوقاية والحد من المخاطر لها تأثير كبير على ولاء العملاء.
ومن التحديات الأخيرة أن هناك طلبًا متزايدًا على العملاء الذين يبدون اهتمامًا كبيرًا بنماذج التأمين الجديدة،. يُظهر حوالي 58٪ من العملاء اهتمامًا قويًا بنماذج التأمين المبتكرة، ومن هنا تبرز أهمية توفر نماذج الأعمال الجديدة، بما في ذلك النظم البيئية الذكية، وخدمات الوقاية من المخاطر ذات القيمة المضافة وهو ما يمثل لشركات التأمين فرصة الابتكار وتوليد الإيرادات ومساعدة المستهلكين في نفس الوقت. وكما ذكرنا من قبل، يبحث العملاء عن القيمة ويريدون الشعور بالحماية طوال حياتهم، وليس فقط عند وقوع حادث.
لذا تحتاج شركات التأمين إلى إعادة تقييم مسؤولياتها التقليدية وتبني نهج النظام البيئي للسعي إلى الابتكار وتوفير قيمة عالية الجودة لعملائها.
كيف يمكن للشيخوخة أن تكون مصدرًا قويًا للنمو الاقتصادي؟
من الواضح أن هناك وجهين لعملة الشيخوخة وطول العمر التحديات والفرص. فحين يصبح تجمع كبار السن أكبر، يتقلص الجيل الأصغر سنًا في العدد. مع وجود عدد أقل من الأفراد في أوساط العمل، تصبح قوانين التقاعد وأنظمة الرعاية الاجتماعية وأنظمة الرعاية الصحية غير مستدامة. هذا هو التحدي. إن جيل الستين عامًا ليس فقط أسرع مجموعة مستهلكة نموًا؛ بل إنهم يتمتعون أيضًا بقوة إنفاق أعلى بشكل متزايد. وفقًا لشركة ماكينزي، سيمثل القطاع الفضي 60 في المائة من نمو الاستهلاك. ووفقًا للمفوضية الأوروبية، فإن الاقتصاد الفضى في أوروبا هو حاليًا ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين فقط. بقيمة 5.7 تريليون يورو بحلول عام 2050. لذا، فإن اقتصاد الفضة هذا يمثل فرصة ذهبية.”
ما هي الاحتياجات الأساسية للمستهلكين من كبار السن؟
1-الرغبة في الحفاظ على الاستقلالية: يتم تلبية هذه الحاجة من خلال ربط أجهزة المنزل الذكي مع الحلول البتكنولوجية حتى يتمكن كبار السن من الاعتماد على أنفسهم في المنزل لفترة أطول. وعلى سبيل المثال، أنشأت شركة التأمين الإيطالية Reale Mutua منصة شقق سكنية في تورينو، وهي عبارة عن مفهوم مبنى سكني، مع مجموعة من الخدمات المتعلقة بالمنزل، والتي تأتي أيضًا مع خدمات الرعاية الصحية الرقمية. مثال آخر هو شركات التأمين البلجيكية والتي تقدم تفاعلًا بين أجهزة استشعار الحركة والذكاء الاصطناعي لمراقبة استخدام العملاء للأدوية على سبيل المثال وغيرها من الأنشطة الحركية التي يقوم بها الشخص المسن داخل منزله وربط كل ذلك بدائرة الرعاية الصحية له.
-الحاجة الثانية: الصحة. وضمن هذا الإطار، تشجع العديد من شركات التكنولوجيا المستهلكين على البقاء بصحة جيدة. وهذا يؤدي إلى انخفاض حالات دخول المستشفيات، وزيارات العيادات الخارجية، وما إلى ذلك. على سبيل المثال، طورت شركة نيورتراك، وهي شركة ناشئة في مجال الصحة في الولايات المتحدة، تقنية تتبع العين للكشف عن الخرف ومراقبته. في تقييم مدته خمس دقائق، يمكن لتقنية نيورتراك تقييم التدهور المعرفي قبل ظهور الأعراض. وذلك من خلال التنبؤ بفقدان الذاكرة قبل أن يبدأ. كما يتضمن برنامجًا صحيًا بأدوات ونصائح للحد من خطر المزيد من التدهور المعرفي مما ساهم في إنخفاض تكاليف الرعاية الصحية. ومن الجدير بالذكر أن شركة داي-إيتشي لايف، وهى ثاني أكبر شركة تأمين على الحياة في اليابان، تستخدم برنامج نيورتراك وهي تخدم واحدة من أكبر فئات السكان المسنين في العالم.
-الحاجة الثالثة: الرعاية، وهو مصطلح يشير إلى دعم المرضى عن بُعد والرعاية الذاتية، وبالتالي تتحوّل الرعاية إلى بيئة رعاية غير تقليدية في المنزل. ويمكن أن تلعب الأجهزة القابلة للارتداء دورًا محوريًا في هذا.
-الحاجة الرابعة: السلامة، وضمن هذا الإطار، يرغب كبار السن في البقاء في المنزل، بينما يريد أبناؤهم التأكد من أن والديهم آمنون. فعلى سبيل المثال يحتاج الأبناء إلى التأكد من الإغلاق المحكم للأبواب والنوافذ؛ وبالتالي يشكل إنترنت الأشياء وأجهزة الاستشعار والاتصال كلها جزء من الحل بالفعل.
فما الدور الذي يمكن أن تلعبه شركات التأمين؟
من الواضح أن شركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى تلعب دورًا حاسمًا في الشكل الذي ستبدو عليه حياة المسنين في الاقتصاد الفضي. ولكن من الواضح أيضًا أن الاهتمام بدفع المعاش التقاعدي الشهري أو سداد العلاج الصحي غير كافٍ. فإذا كانت شركات التأمين ترغب حقًا في اغتنام الفرص التي يوفرها الاقتصاد الفضي، فعليها تبنى المنتجات التي تهدف إلى تلبية هذه المجالات الأربعة من الاحتياجات: “الاستقلال – الصحة – الرعاية – السلامة”.
وكيف تقوم شركات التأمين بممارسة هذا الدور؟
لا يقتصر دور شركة التأمين على توفير المال فقط بل عليها أن توفر أيضًا مجموعة من الخدمات للتأكد من أن كبار السن يمكنهم البقاء في منازلهم وأن الرعاية متاحة إذا لزم الأمر؛ حيث يمكن لشركات التأمين إنشاء مقترحات جديدة بما في ذلك حلول المنزل الذكي وخدمات العقارات وجميع أنواع خدمات الرعاية الصحية الشخصية.
رأي الاتحاد. على رغم أن المجتمع المصري يُعتبر مجتمعًا فتيًا، اذ تشكل الفئة العمرية أقل من 15 عامًا حوالي ثلث عدد السكان بنسبة 32.6%، [1] ، فيما تمثل الفئة العمرية أكثر من 65 عاماً نسبة 5% فقط، إلا أن ذلك يعني أن عدد الأفراد المنتمين لهذه الفئة يبلغ حوالي 5.6 مليون نسمة وهو عدد يستحق أن توليه صناعة التأمين اهتمامها.
فالمطلوب الآن أن تتبنى شركات التأمين تفكير جديد لخلق بيئة داعمة لهذه الشريحة سريعة النمو. و أن تحرص على توسيع نطاق المنتجات التي تمنح الناس قدراً أكبر من الأمان والثقة حتى يتمكنوا من الإنفاق دون خوف من تجاوز مصدر دخلهم ، وهو أمر مهم للمجتمع ككل .
لذا يسعى الاتحاد من خلال هذه النشرة إلى تحفيز قطاع التأمين على البحث عن المزيد من الفرص لتعزيز وإثراء هذا القطاع عن طريق محاولة إستغلال الفرص غير المستغلة وذلك من خلال إيجاد فئات جديدة من العملاء وتصميم المنتجات التي تلبى إحتياجاتهم مما يزيد من معدل إنتشار التأمين.
المصادر
https://www.tcs.com/what-we-do/industries/insurance/white-paper/silver-economy-insurance-ecosystem
https://www.plugandplaytechcenter.com/insights/how-insurance-companies-adapt-senior-citizen-age
[1] الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الإصدار الجديد من الإسقاطات السكانية المستقبلية لإجمالي جمهورية مصر العربية للفترة (2022 – 2072)