غروفر يعزف على الكمان في غرفة الإنعاش
بقلم الصيدلي ابراهيم علي ابورمان
هل ينهزم وباء Covid-19 مع اللقاحات الموعودة قبل نهاية 2020، وبالتالي، هل نعود إلى حياتنا الطبيعيّة قريبًا من دون حَجْر أو حظْر للتجوال؟
إذا أخذنا برأي منظّمة الصحّة العالميّة (WHO)، فإنّه من المبكِّر إشاعة أجواء التفاؤل العريض. الأفضل هو الانتظار، وإن كان هذا الانتظار لن يطول. ذلك أنّ التفاؤل يدفع كثيرين إلى التخلّي عن الاجراءات الصحيّة المطلوبة. مع ذلك، فالتفاؤل موجود بدليل تسابق الشركات في مسيرة الانتهاء من تجاربها على اللقاحات للحدّ من انتشار هذا الوباء، ومع أنّ هذا التسابق لم يرسُ بعد على برّ الأمان ولا يمكن تحديد من هي الشركة السبّاقة إلى اكتشاف اللقاح الفعّال لكثرة الدول (العظمى) التي تشتغل على ولادته، إلاّ أنّ ما يمكن قوله أنّ ثمّة أربعة إلى خمسة لقاحات هي حاليًا في حلبة السباق لنَيْل رضى إدارة الأغذية والأدوية (FDA)، الوكالة الأوروبيّة للدواء (EMA) ومنظمّة الصحّة العالميّة (WHO).
الصيدلي الأردني د. ابراهيم علي ابورمان كتب في هذا الموضوع، بطريقة علميّة مبسّطة ومفهومة، بحيث يمكن الجميع الاطّلاع على مسار تجارب اللقاحات وأين وصلت، وماذا ينتظر العالم قبل انتهاء العام 2020 المشؤوم على كلّ الأصعدة.
ــــــــــــــــــــ
قد يكون إيجاد لقاح للوقاية من كوفيد 19 (فيروس كورونا) أفضل أمل لإنهاء هذا الوباء. لذا يعمل الباحثون بشكل حثيث ومتواصل لصنع لقاح.
كما هو معلوم، فإنّ كورونا مجموعة من الفيروسات التي تسبّب أمراضًا مثل الزكام والالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (Sars) ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (Mers). أمّا الفيروس المسبّب لــ Covid-19 وثيق الصلة بالفيروس المسبب لمرض Sars. لهذا السبب ، أطلق العلماء على الفيروس الجديد اسم كوفيد 19. وبعدما أعلنت الصين الشيفرة الوراثية له، سهّل هذا الاعلان للشركات البدء بتطوير لقاحات. ومع أن تطوير اللقاحات قد يستغرق سنوات في العادة، إلا أن الباحثين لم يبدأوا بتطوير لقاح كوفيد 19 من الصفر. فقد ساهمت الأبحاث السابقة حول لقاحات “سارز” و”ميرز” في التعرّف إلى أساليب التطوير الواعدة،ما دفع الشركات الصيدلانية إلى التسابق لانتاج لقاح واعتماده من قبل الجهات الرسمية وهي وكالة الغذاء والدواء الاميركية (FDA) والوكالة الاوروبية للدواء (EMA) ومنظمّة الصحّة العالميّة (WHO). وتضمّ القائمة المعروفة، حتى الان، شركات أميركية والمانية وبريطانية وروسية وصينية، ويوجد تجارب في معاهد الابحاث كاللقاح الذي تجرى عليه التجارب في جامعة اكسفورد بالتعاون مع شركة “استرا زينكا”، بالاضافة الى التجارب والمحاولات الاقليمية لانتاجه، الا ان التكلفة لانتاج لقاح تتعدى المليار، ما يعني ان عدة شركات ستشترك في انتاجه لتقليل الكلف الاقتصادية.
في هذا المجال، أظهرت الأبحاث السابقة حول لقاحات فيروسات كورونا وجود بعض التحديات التي تواجه العلماء خلال سعيهم لتطوير لقاح لكوفيد 19، بما في ذلك: التأكّد من سلامته، إذ اختبر العلماء العديد من لقاحات Sars على الحيوانات أدّى معظمها إلى تحسين معدلات النجاة في الحيوانات، لكنها لم تمنع العدوى. كذلك تسبّبت لقاحات أيضًا في حدوث مضاعفات، مثل تضرر الرئة. لذلك يجب اختبار أي لقاح لكوفيد 19 على نحو دقيق وشامل للتأكّد من أنه آمن على البشر.
لذلك، فالمطلوب توفير وقاية طويلة الأمد. فبعدَ الإصابة بفيروسات كورونا والتعافي منها، من المحتمل الإصابة مجددًا بالعدوى بالفيروس نفسه بعد عدة أسابيع أو سنوات، مع أن الأعراض تكون خفيفة عادة وتحدث لنسبة قليلة من الناس. لذا، وحتى يكون لقاح كوفيد 19 فعالًا، يجب أن يوفِّر للناس مناعة طويلة الأمد ضد العدوى.
ثمّ هناك حماية كبار السن. فالأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عامًا أكثر عرضة لخطر الإصابة بأعراض حادة في حال انتقلت إليهم عدوى كوفيد 19. كما أن استجابة كبار السن للقاحات أقلّ كفاءة من استجابة من هم أصغر عمرًا. السيناريو الأمثل هو صنع لقاح لكوفيد 19 يكون فعالًا لكبار السنّ أيضًا.
لكن ماذا عن مسارات تطوير وإنتاج لقاحات كوفيد 19؟
يوجد عدة تقنيات واساليب تتبعها الشركات المنتجة للقاحات وهي:
- اللقاحات الحية وتتّخذ شكلًا ضعيفًا (واهِنًا) من أشكال الجرثومة المسبِّبة للمرض. يُحفِّز هذا النوع من اللقاحات الجسمَ على تكوين استجابة مناعية من دون الإصابة بالمرض. ويعني مصطلح “واهن” أن قدرة اللقاح على التسبّب بالمرض قد تمّ تخفيضها.
وتُستخدَم اللقاحات الحيّة، عادة، للوقاية من الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والجدري والحماق. ونتيجة لذلك، فإن البنية التحتية اللازمة لتطوير هذه الأنواع من اللقاحات موجودة وقائمة.وغالبًا ما تحتاج اللقاحات الفيروسية الحية إلى اختبارات سلامة واسعة النطاق. إذ يمكن أن ينتقل بعض الفيروسات الحية إلى شخص ليست لديه مناعة. ويدعو هذا الأمر للقلق بالنسبة للمصابين بضعف في جهاز المناعة.
- اللقاحات المعطَّلة وتتّخذ شكلًا مقتولًا (معطلًا) من أشكال الجرثومة المسبِّبة للمرض. يُحفِّز هذا النوع من اللقاحات الجسمَ على تكوين استجابة مناعية دون الإصابة بالعدوى. وتُستخدم اللقاحات المعطّلة للوقاية من الإنفلونزا والتهاب الكبد A وداء الكلَب.والخطورة تكمن بالتعامل مع كميات كبيرة من الفيروس المعدي.
- اللقاحات المهندَسة وراثيا، وهي ذات نمط معدّل وراثيًا من حمض الريبونيوكليك أو حمض الديوكسي ريبونيوكليك الذي يحتوي على تعليمات عمل نسخ من البروتين S الذي يحفّز على حدوث استجابة مناعية للفيروس في الجسم. فمن خلال هذه الطريقة، لا يضطر العلماء إلى التعامل مع الفيروسات المعدية نفسها، مع الإشارة إلى أن اللقاحات المهندَسة وراثيًا خاضعة للبحث حاليًا، ولم يتمّ ترخيص أيٍّ منها للاستخدام البشري.
ويبقى السؤال: ما هو المخطط الزمني لتطوير لقاح كوفيد 19 وتوزيعه؟
يمكن أن يستغرق تطوير اللقاحات عدة سنوات. لكن في موضوع الكوفيد 19، اختُصر الامر على استكمال تجارب سابقة على الكورونا عبر الخطوات التالية:
- الاولى، بعد ان يتمّ اختبار اللقاح على الحيوانات لمعرفة ما إذا كان فعالًا وآمنًا أم لا. وتستغرق هذه الاختبارات عمومًا ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر. كما يجب التقيّد بممارسات الجودة والسلامة خلال تصنيع اللقاحات.
- الثانية، هي اختبار اللقاح على البشر بعد التأكّد من سلامته. تُجرى تجارب سريرية مصغَّرة لاختبار هذه السلامة. وخلال المرحلة، يتمّ ضبط تركيبة اللقاح وجرعته للتحقّق من فعاليته.
- تبقى المرحلة الثالثة التي يجب التأكد فيها من سلامة وفعالية اللقاح من خلال اختباره على مجموعة أكبر من الناس. ونظرًا لخطورة كوفيد 19، فقد تقوم الجهات الرقابية المسؤولة عن اللقاحات بتسريع بعض هذه الخطوات. في الولايات المتحدة الأميركية، يمكن إدارة الغذاء والدواء (FDA) أن تُصدر ترخيصًا طارئًا لاستخدام أحد لقاحات كوفيد 19 إذا أظهرت نتائج المرحلة الثالثة من التجارب السريرية أن اللقاح آمن وفعال وأن فوائده تفوق مخاطره. حتى لو صَدَر ترخيص طارئ، فإن المتوقع هو أن تستمر الجهة المطوِّرة للقاح في جَمْع معلومات السلامة.
فماذا عن اهم المحاولات العالمية لانتاج لقاح للكوفيد 19؟
في البداية، قامت شركة BioNTech ومقرّها في Mainz الألمانية، باختبار مشترك مع شركائها شركة Pfizer الاميركية بتجربة اللقاح على متطوّعين في أميركا الجنوبية، وذلك على خلفية ارتفاع عدد الإصابات في البرازيل بشكل مهول في الأشهر الأخيرة. ويأمل الباحثون في الحصول على نتائج إيجابية بشكل أسرع، كما يسعون لمعرفة ما إذا كانت اللقاحات قد تساعد على حماية الأشخاص المعرّضين لخطر العدوى أكثر من غيرهم، مثل سائقي الحافلات أو المواصلات، على اعتبار أنهم يخضعون لهذه الاختبارت أكثر من غيرهم، لكونهم على تواصل مستمر ويومي مع الناس. وقد اشار Ugur Sahin رئيس مجلس ادارة الشركة، وهو تركي الأصل، أن “الاختبارات السريرية الحالية تحمل نتائج إيجابية، وأنه في حالة التأكيد (من نجاحها)، فإن الحصول على تصريح بتسويق الدواء سيكون قريبًا، ومن الممكن أن يحدث ذلك قبل نهاية هذا العام. وعلى أساس هذه النتائج، يمكن للسلطات الأوروبية إصدار ما يسمى بالموافقة الطارئة.
من ناحية ثانية، فالصين منشأ الكوفيد، كان لها دور في انتاج اللقاحات. فقد أعلنت الحكومة الصينية أن لقاح فيروس كورونا المستجد ”كوفيد 19″، سيكون جاهزاً لعامة الناس بين شهرَيْ تشرين ثاني (نوفمبر) وكانون أول (ديسمبر). وقالت إن تكلفت اللقاح قد تصل إلى 88 دولاراً، أي ما يعادل 600 يوان صيني، وبالطبع ونتيجة للاختلافات الجينية بين البشر، فلا يُتوقّع ان يتمّ تداول اللقاح الصيني على مستوى العالم. وبهذا الصدد، أكدت الحكومة الصينية أنه لا حاجة لإعطاء اللقاح لكل شخص، وأن الأولوية ستكون للعاملين في الصفوف الأمامية. وتتولى الشركات الحكومية الصينية مسؤولية انتاج اللقاح. ومن المتوقّع أن تكون الطاقة الإنتاجية السنوية 610 ملايين جرعة. كذلك أكدت الحكومة أنها ستراعي مستويات الدخل للأفراد بين الريف والمدن. وتُعدّ الصين أكبر منتج ومستهلك للقاحات في العالم، إذ يمكنها توفير أكثر من مليار جرعة من أي لقاح تستهدف إنتاجه سنوياً، من خلال 40 مصنعاً تنتشر في جميع أنحاء البلاد. كما أنه من بين أكثر من 30 لقاحاً تجري تجربتها حالياً على البشر في جميع أنحاء العالم، يأتي تسعة منها من الصين، أكثر من أي بلد آخر. وتقوم شركات صينية بتطوير 4 من أصل 9 لقاحات مرشحة في تجارب المرحلة الأخيرة.
إلى ذلك، هناك لقاح من شركة Moderna الاميركية. فقد أفادت هذه الشركة أنّ الاختبارات السريرية على لقاحها التجريبي الخاص لمواجهة فيروس كورونا، لن تظهر نتائجه قبل 25 تشرين ثاني (نوفمبر)، كما أنّه في حال ظهرت النتائج لن يسوّق تجارياً ما لم تتمّ اجازته رسميا قبل نهاية العام .وفي جميع الحالات ستتقدّم الشركة بعد الحصول على معلومات وبيانات سلامة كافية عن اللقاح، بطلب طارئ لإدارة الغذاء والدواء، للحصول على ترخيص رسمي باستعماله بعد أن تكون بيانات السلامة جيدة، ويُعتبر اللقاح آمنا بعدما تتاكد الجهات الرسمية من البيانات المقدّمة من الشركةً قبل اعطائها الموافقه على تداوله رسميا.
إلى ذلك، دخلت العديد من اللقاحات التجارب السريرية الأميركية في المرحلة الثالثة، من بينها شركتا “فايزر” و”جونسون أند جونسون”، بالإضافة إلى لقاح شركة “مودرنا”، إذ تمّ خلالها حقن عشرات آلاف المتطوعين باللقاح، وعدد مماثل لهم بلقاح وهمي، وذلك للتحقّق من فعالية اللقاح وسلامته. كما أنّ هناك لقاحًا أميركيًا رابعًا دخل المرحلة الثالثة، لكن التجارب السريرية عليه عُلّقت مؤقتاً، وهو لقاح تطوره شركة “Astrazeneca بالتعاون مع جامعة أكسفورد.
وماذا عن اللقاح الروسي؟
لقد كانت روسيا من أوائل الدول التي أعلنت عن انتاج لقاح للكوفيد، وكان يحمل اسم Sputnik V، وتمّت تجربته على المتطوّعين وانتشر الخبر في وسائل الاعلام. وتشير النتائج الأولية لتجارب هذا اللقاح المحتمل لفيروس كورونا الذي جرى تطويره في روسيا، إلى أنه ربما يكون فعالًا بنسبة 92%. وتستند البيانات إلى 20 حالة إصابة بـ”كوفيد-19″ من 16 ألف متطوع أعطوا لقاح Sputnik V أو حقنة وهمية. وبالطبع لن يتمّ اعتماده في الولايات المتحدة او في اوروبا ما لم يحصل على اجازة من الجهات المعنية مثل الغذاء والدواء الاميركية التي تفرض شروطا قاسية للتاكّد من سلامة المنتج.
وبالنسبة إلى مدى نجاح اللقاح، فقد اختلفت النسبة من لقاح الى اخر. فاللقاح الذي تنتجه شركتا “فايزر” و”بيونتيك” يمكن أن يمنع الإصابة بـ”كوفيد-19″ بنسبة 90 في المئة، بناءً على دراسة شارك فيها 43.500 شخص، في حين بلغت نسبة نجاح لقاح موديرنا 95% .
تبقى أسئلة بحاجة إلى إجابات. إذ لا يزال هناك طريق طويل لاجتيازه. فهذه بيانات مؤقتة، ومثل تجربة لقاح “فايزر-بيونتيك”، او “موديرنا” الاميركية، لا يزال يتمّ جمع البيانات ولم تُنشر النتائج الكاملة أو فحصها بعد. ولا تزال هناك أسئلة بحاجة إلى إجابة لكلا اللقاحين . وعلى سبيل المثال: إلى أيّ مدى يحمي كبار السن الأكثر تعرضاً للخطر، وما هي مدة الحماية؟
لا تزال المئات من اللقاحات قيد التطوير منها حوالي 12 في المراحل النهائية من الاختبار، من بينها لقاحات Sputnik V و”فايزر” و”أكسفورد”. حيث تجرى التجارب على عدة لقاحات في آن واحد.
فلقاح “فايزر” يحقن جزءا من الشفرة الجينية للفيروس في الجسم لتدريب جهاز المناعة. ويُستخدم الاثنان الآخران فيروسا غير ضار جرى تعديله وراثياً ليشبه فيروس كورونا.
ظروف التخزين متفاوتة بين اللقاحات، وقد لا تستطيع دول العالم توفيرها مثل التخزين على درجة 80 تحت الصفر.
وفي جميع الحالات سيتمّ اعتماد اللقاح الانسب والاقل كلفة على مستوى العالم، وفق الية محددة كما في الشكل المرفق. (راجع الرسم).