الأميرة على مهبط المروحيات في المستشفى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من يَعرف الأميرة غيداء طلال، رئيسة هيئة أمناء مؤسّسة ومركز الحسين للسرطان في الأردن، لم يتفاجأ بالزيارة الأخيرة التي قامت بها لتفقّد مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي (الروم) والاطّلاع على أوضاعه بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي وإصابة مبناه الحديث وأجهزته الطبيّة المتطوّرة، بأضرار ماديّة هائلة قدّرها البعض بحوالى 40 مليون دولار.
قلنا أنّ من يعرف هذه الأميرة لم يتفاجأ بالزيارة، أوّلاً لأنّها لبنانية من عائلة سياسيّة عريقة (آل سلام)، كان والدها هاني وأعمامها ولا سيما الرئيس صائب سلام، على تواصل دائم مع مطرانية الروم الارثوذكس، ومن البديهي أن يكون تأثّرها بما جرى ناتجًا من تعلّقها بالوطن الذي وُلدت وترعرعت فيه، وكذلك بحكم صداقة العائلة مع المطرانيّة. وثانيًا، لأنّ مستشفى الروم، كما تسميته في لبنان، وبعد إعادة العمل في عددٍ من أقسامه، يتضمّن جناحًا متخصّصًا بعلاج سرطان الأطفال والكبار معًا. وبديهي أن تندفع سموّها لمعرفة ما جرى للمصابين النزلاء وكيفيّة مساعدتهم على نحو ما فعلت وتفعل في ظروفٍ معيّنة، ولا نقول مشابهة لأنّ ما أصاب العاصمة اللبنانية لم يُصِب أيّ عاصمة في العالم.
نشير بداية، وقبل الدخول في تفاصيل هذه الزيارة، إلى أنّ الأميرة غيداء أمضت حياتها في بيروت إلى حين التحاقها بجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأميركيّة حيث درست العلوم السياسية والاقتصادية وحصلت على شهادتَيْ البكالوريوس والماجيستير بمرتبة الشرف، لتبدأ حياتها المهنيّة بالعمل الصحفي الذي امتدّ من لبنان إلى أميركا الجنوبيّة.
ولم يطُل عملها الصحفي، إذ سرعان ما تزوّجت الأمير طلال بن محمد ابن عمّ المغفور له الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. بعد زواجها كلّفها المغفور له الملك حسين بن طلال، تأسيس مكتب الإعلام الدولي في الديوان الملكي الهاشمي وعيّنها رئيسة له.
وفي العام 2001، عيّن الملك عبدالله الثاني الأميرة غيداء رئيسة لمؤسّسة ومركز الحسين للسرطان، ومنذ ذلك الوقت كرّست وقتها وجهودها للكفاح ضدّ مرض السرطان ودعم المرضى في جميع أنحاء الوطن العربي. والمعروف عن هذا المركز الرائد على مستوى الشرق الأوسط، أنّه يوظّف أحدث ما توصّل إليه العلم من سبيل الرعاية الشمولية لعلاج ورعاية المرضى الأطفال والكبار المصابين بجميع أنواع السرطانات.
نعود إلى زيارة الأميرة غيداء لبيروت لنشير إلى أنّها اطّلعت، خلال هذه الزيارة، على أوضاع المستشفى والسرعة التي بُذلت لإعادة العمل في عددٍ من أقسامه، ومنها القسم المخصّص لعلاج سرطان الأطفال. وكان في استقبالها مدير عام المستشفى السيد ادغار جوجو ورئيس قسم سرطان الأطفال الدكتور بيتر نون وأطبّاء آخرين، فضلاً عن مديرة المختبر د. هنادي سماحة. وحضر من خارج المستشفى، مدير مركز السرطان في مستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت د. علي طاهر.
لقد جالت الأميرة وأركان المستشفى في الأقسام وتوقّفت في الطابق التاسع الذي كان مخصّصًا لسرطان الأطفال قبل الانفجار والذي لا يزال مهدّمًا بالكامل. ثمّ توجّهت إلى الطابق الرابع حيث يتواجد الأطفال الذين عادوا مجدّدًا لتلقّي العلاج في القسم المخصّص لهم، فقابلت البعض منهم وذويهم. ثمّ التقت الأطبّاء الذين انضمّ إليهم المدير الطبّي الدكتور اسكندر نعمه للتباحث في سبل التعاون مستقبلاً، بين مركز الحسين في الأردن ومستشفى القديس جاورجيوس، علمًا أنّ مؤسّسة ومركز الحسين للسرطان قدّمتا هبة من الأدوية غير المتوافرة في لبنان بعد الانفجار وتعهّدت بإرسال المزيد منها.
بعد انتهاء الجولة، تحدّثت الأميرة عن هذه الزيارة فقالت: “أنا هنا اليوم للاطمئنان على أطفالنا وأصدقائنا، وعلى الطاقم الطبي الرائع في مستشفى الروم. ولا أعتقد أن أيّ إنسان عاش لحظات انفجار مرفأ بيروت، ولم يشعر فورا بضرورة التحرّك لمساندة الأشخاص الذين تأذّوْا منه. وكلبنانية، وكأردنية ورئيسة مؤسّسة ومركز الحسين للسرطان، فأول ما تبادر إلى ذهني، مع الخبرة الطويلة ومع معاناة مرضى السرطان، كيفية تقديم الدعم والمساندة لهم. وأعتقد أن الجميع شاهد الصُوَر المخيفة التي أُخذت من مستشفى الروم، وكذلك شاهدنا الصُوَر التي رَوَت شجاعة الكادر الطبي والتمريضي وبطولاتهم الذين ضحوا بحياتهم لإنقاذ المرضى”. تابعت تقول: “أنا فخورة بالعلاقات المتينة والمميّزة لمؤسسة ومركز الحسين للسرطان مع مستشفيات بيروت التي تعاملنا مع شركاء رائعين مثل دكتور علي طاهر من مستشفى الجامعة الأميركية، ومثل دكتور بيتر نون من مستشفى الروم”، مشدّدة على أهميّة وجودهما إلى جانب بيروت ومرضى السرطان فيها، معتبرة أيضًا أنه بالتعاطي الإنساني، يمكن التغلّب على صعوبات الحياة والمعاناة والتحديات، كما قالت، “إذ من دون الإنسانية لا يوجد أي معنى للحياة، ولذا أنا موجودة هنا اليوم”.
وإلى ما تقدّم، تحدّثت الأميرة غيداء عن برامج لتأهيل المرضى في مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، والتي لا تقتصر على هذا التأهيل فقط بل تشمل العلاج المعنوي ، جانب العلاج الطبي. وهنا أشارت إلى وجود قسم نفسي واجتماعي لكي يدعم المرضى كبارًا وصغارًا.
بدوره قال مدير عام المستشفى السيد ادغار جوجو بعدما نوّه بزيارة الأميرة وبمبادرتها الإنسانيّة، أن الخسائر بلغت عشرات الملايين، وبانتظار التصليحات الباقية، قرّرت الإدارة حماية النوافذ التي تحطّمت بالخشب درءًا للأمطار المرتقبة، كذلك تمّ تحضير بعض الغرف بشكل أوليّ للتمكّن من استقبال المرضى”. تابع: ” نعاني حاليًا مشكلة في المصاعد لنتمكّن من إعادة فتح المستشفى بالكامل، ونحاول كلّ ما نستطيع لإعادة استقبال أكبر عدد من المرضى، لأنّ الورشة طويلة”. أنهى كلمته بتقديم الشكر إلى جميع المتبرّعين لا سيما مؤسّسة ومركز الحسين للسرطان في الأردن.
أخيرًا، تحدّث الدكتور بيتر نون، رئيس قسم سرطان الأطفال في المستشفى وقال: “إن سمو الأميرة غيداء اتصلت بالمستشفى اثر انفجار بيروت بعدما علمت بالأضرار التي لحقت به. وأيضا تحدثت عن التعاون مع “ماي سكول بلس”، التي ساهمت مع مؤسسة ومركز الحسين لتقديم الأدوية المفقودة بسبب الوضع المستجد. ونأمل أن يتمّ التعاون بيننا وبين مؤسسة الحسين لا سيما أنها رئيسة هيئة امناء مؤسسة رائدة في علاج مرضى السرطان، كما يهمّنا أن نتعاون معا لمزيد من الخبرات والمساعدات لتجديد قسم مرضى سرطان الأطفال في المستشفى ودعمه، خصوصا أن عددًا من مرضانا عاود متابعة علاجه في المستشفى على أمل مزاولة العمل بالكامل. نحتاج إلى الكثير من المساعدات لكي نتمكن من استعادة جميع المرضى، ومساعدتهم على الشفاء. نحن لا ننحني أمام المصائب، ولكن نستعملها للوقوف أقوى من قبل”.
تبقى إشارة إلى أنّ مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي ممثّلاً براعيه المطران الياس عوده ومديره العام ادغار جوجو، وقّع اتفاق تعاون مع المستشفى اللبناني الكندي بشخص النائب الياس بو صعب، يقضي بأن يوضع المستشفى الثاني في خدمة الأوّل بعد الخراب الذي حلّ به جرّاء انفجار المرفأ. وسيكون اللبناني الكندي مخصّصًا للمصابين بفيروس كورونا.