من اليمين السفير د. فوزي كبارة، محمد شقير ورؤوف أبو زكي
البحث عن حلول للأزمة اللبنانية-الخليجية تجاوز المساعي الخجولة التي يبذلها رئيسَي الجمهورية والحكومة وسائر المسؤوليين في إطار السعي لإصلاح ذات البَيْن، لينتقل هذان البحث والاهتمام، إلى القطاع الخاص الأكثر تضرّرًا من هذه الأزمة، والذي يُعتبر نفسه “أب وأم الصبي” كما يقال، وبخاصة أن القيّمين على الشركات والمؤسسات الزراعية والغذائية والصناعية نسجوا علاقات مع تلك الدول تعود إلى عشرات السنين.
صحيح أن آخر الأخبار المتداولة تشير إلى نوع من المقايضة بين كفّ يد القاضي بيطار عن تحقيقات جريمة المرفأ، في مقابل دَفِع وزير الإعلام جورج قرداحي إلى الإستقالة، يليها اعتذار من المماكة تعلنه الحكومة مجتمعة، إلاّ أن هذه المقايضة، على الأقل حتى كتابة هذه السطور، لا تزال في إطار التمنّيات وإن كان ما يشجّع على الأخذ بها دخول رئيس المجلس النيابي نبيه بري على خط المعالجة وهو الذي بقي أيامًا لا يحرّك ساكنًا وبعيدًا عن الأضواء. وقد يكون دخوله على الخط مؤشّرًا جيدًا جدًّا. لكن هذا التطوّر (الايجابي) لم يمنع القطاع الخاص اللبناني من التحرّك بل تفعيل هذا التحرّك، وصولاً إلى ما يمكن أن يوقّف تدهور العلاقات و”رفع سيف“ المقاطعة عن البضائع والموِّردات إلى الخارج.
في إطار هذا التحرّك العائد إلى القطاع الخاص، يمكن إدراج الإجتماع الاستثنائي لمجلس الأعمال اللبناني-السعودي الأخير الذي عُقد في غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان علىلائحة المساعي المبذولة في هذا الإتجاه، بل في مقدّمها، نظرًا إلى جدّيته والوجوه المشاركة فيه، فضلاً عن طابعه الرسمي بمعنى انعقاده في واحدة من أهم الغرف في لبنان، إذ شارك في الإجتماع، كلّ من رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير، سفير لبنان في المملكة العربية السعودية د. فوزي كبارة، النائب نعمة طعمة، رئيس غرفة طرابلس والشمال توفيق دبوسي، نائب رئيس مجلس الأعمال اللبناني-السعودي المهندس سمير الخطيب، رئيس غرفة التجارة الدولية وجيه البزري، نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين جورج نصراوي والعديد من رؤساء الهيئات الاقتصادية اللبنانية وأعضاء المجلس، إضافة إلى رئيس مجلس الأعمال الزميلرؤوف أبوزكي الذي تلا البيان الختامي الصادر عن هذا الإجتماع والذي حمّل المجتمعون فيه مسؤولية هذه الأزمة إلى سياسة عدم إلتزام لبنان بـ “النأي بالنفس“ وانتهاج سياسة خارجية تبعده عن محيطه العربي ولا تتوافق مع مصالح اللبنانيين. وإلى ذلك، استغرب المجلس عدم مبادرة المسؤولين لإيجاد الحلول لهذه الازمة والتي إذااستمرّت سيكون لها تداعيات كبيرة على المستويات الاقتصادية والمالية والإجتماعية، لا قدرة للبنان ولا الجاليات المقيّمة في الخليج على تحملها. كما استغرب المجلس عدم اقدام وزير الاعلام على تحمّل المسؤولية والاستقالة، كمدخل لفتح حوارٍ بنّاءٍ ومسؤول مع المملكة وتصحيح السياسة الخارجية للبنان بما يتوافق مع هويته العربية ومصالح شعبه المتمسّك بأفضل العلاقات مع السعودية والدول الخليجية والعربية كافة، علمًا أن ما تطالب به دول الخليج وتحصر في أمور ثلاثة: تقديم إعتذار رسمي، وقف الحملات العدائية ضدها، واستعادة الدولة سيادتها. وقد ثمّن المجلس موقف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي أكّد على الالتزام بالثوابت اللبنانية والعربية ورفضه المساس باستقلالية القضاء، والسعي إلى أحداث ثغرة في جدار الأزمة والتقدّم بخطوات ملموسة للخروج من المأزق من خلال إعادة تصويب السياسة الخارجية للبنان والحفاظ على انتمائه العربي واستعادة الثقة الخليجية بالبلد.
عن الحلّ لهذه الأزمة، ووفقًا لما ورد في البيان الموزع، فإن خطورة الأزمة تستوجب عقد إجتماع قمة يضمّ الرؤساء الثلاثة لبلورة موقف واضح وإطلاق مبادرة كفيلة بوقف المقاطعة والإضرار. فدول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لا تضمر إلا الخير للبنانيين، بقول البيان، والإعتذار منها واجب وطني.
كذلك نوّه المجتمعون بوزير خارجية المملكة العربية السعودية الذي أكّد أن المملكة تفصل بين الحُكم والحكومة وبين الشعب، بدليل أن الجالية اللبنانية مستمرّة في أعمالها المعتادة، وهذا ما يثبت حرص المملكة وقادتها على مصالح اللبنانيين واستقرارهم. وانطلاقًا من ذلك، تمنّى المجلس على الذين يأخذون لبنان الى خيارات بعيدة من محيطه الطبيعي أن يدركوا وقبل فوات الآوان، مدى المخاطر التي تمثّلها هذه الخيارات، وأن يراعوا مصالح اللبنانيين المقيّمين والمغتربين في دول الخليج والعاملين في السعودية في شكل خاص. وأمل المجلس أن تؤدّي هيئات القطاع الخاص في لبنان والمملكة العربية السعودية ودول الخليج كافة، دور التهدئة والتخفيف من حدّة التداعيات القائمة، إذ أن استمرار وقف التصدير من لبنان يُلحق الضرر بالتجار والصناعيين اللبنانيين والسعوديين على السواء، من هنا أهميّة الحفاظ على المصالح المشتركة والفصل بحدود الممكن ما بين السياسة والاقتصاد، في هذا الوقت الصعب.
أخيرًا، أمل المجلس من المسؤولين انهاء مسلسل تعطيل الحكومة كي تتفرّغ لمعالجة هذه الازمة وتصحيح السياسة الخارجية وإطلاق عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي والالتزام بالاصلاحات المطلوبة من أجل التعافي الاقتصادي الذي يشكّل معبّرًا أساسيًا نحو الازدهار والتقدّم ورفع المعاناة عن كاهل اللبنانيين.