كان من الطبيعي أن يخصّص اتحاد شركات التأمين في مصر نشرته الأسبوعية (رقمها 382) للحديث عن الأخطار الجيوسياسية وعلاقة التأمين بهذه المخاطر، انطلاقاً مما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، تحديداً بين اسرائيل وايران ودخول الولايات المتحدة على خط النزاع وقصف 3 منشآت نووية، نزولأً عند رغبة اسرائيلية، ظاهرياً، ولكن أيضاً برغبة منها بطبيعة الحال لأسباب ظاهربة تُعلنها وأسباب مخفية لا تميط اللثام عنها. ومما يثير الريبة في الموقف الأميركي، ما يُقال عن نقل مخزون اليورانيوم العالي التخصيب والقريب من درجة صنع الأسلحة من فوردو قبل الضربة، وكأّن اتفاقاً غير مُعلن قد تمّ بين الجانبَيْن، اذ كيف يُمكن تصديق نقل هذا المحزون وأجواء ايران تسيطر عليها الطائرات الإسرائيلية والأقمار الإصطناعية؟ ثم كيف لا نُصدّق وجود اتفاقية من هذا النوع، وقد سبق لهذا السيناريو أن شهدنا مثله عندما قرّرت ايران قصف تل أبيب بُعَيْد أحداث ضاحية بيروت والتي كان من نتائجها استشهاد الأمين العام لحزب الله لسيد حسن نصرالله؟.
طبعاً ليس ما ذكرنا هو موضوع النشرة،و انما الواقع الجيوسياسي الذي نشأ بعد الحرب الإيرانية-الإسرائيلية. وبما أن للنشرة طابعاً شمولياً في تغطية الحدث، اعتماداً على حوادث تاريخية، فقد جاء تحقيق اتحاد شركات التأمين المصرية يصبّ في هذا الإتجاه.

فما هي العلاقة أولاً، بين الأوضاع الجيوسياسية، وصناعة التأمين؟ عن هذا السؤال تجيب النشرة:
تتأثر صناعة التأمين بالأوضاع الجيوسياسية من عدة جوانب، منها:
1-زيادة معدلات المخاطر التي تؤدي توتراتها إلى تغيّرات في التوقعات المتعلقة بالخسائر، ما يرفع الأقساط وزيادة الحذر في الاكتتاب.
2-تغيّر شروط إعادة التأمين. ففي حالات النزاعات أو العقوبات الدولية، قد تفرض شركات إعادة التأمين شروطًا أكثر صرامة على الدول المعنية.
-تعطّل سلاسل الإمداد. تؤثر الحروب أو العقوبات على النقل والتجارة العالمية، ما يرفع من قيمة التأمين البحري والنقل.
-زيادة المطالبات. في حالات مثل الغزو أو الاحتلال أو العقوبات، و قد ترتفع بشكل مفاجئ، ما يؤدي إلى خسائر حادة لشركات التأمين.
-صعوبة تسوية المطالبات عبر الحدود. ان قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها تتاثّر بسبب القيود المصرفية أو المالية الناتجة عن النزاعات.
ومن الأمثلة التاريخية على تأثير الأوضاع الجيوسياسية على صناعة التأميننه ذكرت النشرة الآتي:
-أحداث 11 سبتمبر 2001. و كان حدثا مفصليا غّيّر ملامح سوق التأمين العالمي، خاصة التأمين ضد الإرهاب، حيث ارتفعت الأقساط وشهد السوق زيادة في المنتجات التأمينية الخاصة بالكوارث الإرهابية.
-الحرب الروسية الأوكرانية (2022 – حتى الآن).و هي من الأمثلة الحديثة.فقد أدت هذه الحرب إلى تغيّرات حادة في أسعار التأمين على الشحن والنقل البحري في البحر الأسود، إضافة إلى القيود على التعاملات المالية وارتفاع تكاليف إعادة التأمين بسبب توسع المخاطر الجيوسياسية.
-هجمات الحوثيين في البحر الأحمر (2023 – حتى الآن).يُذكر انه في أواخر العام 2023، بدأت سلسلة من الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر من قبل جماعة الحوثي، مما أثر على مسار التجارة العالمية، خصوصًا تلك المارّة عبر قناة السويس. وقد ترتّب على هذا الوضع: ارتفاع أسعار التأمين على الشحن البحري عبر القناة، تحويل العديد من السفن مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، ما أثّر على عوائد القناة، وبالتالي على ميزان المدفوعات المصري، انخفاض حجم الشحن المؤمّن عليه عبر مصر، .ما أثّر على حجم الأعمال المحقّقة لشركات التأمين المحلية

– النزاع الإيراني الإسرائيلي الذي أثر تأثيراً مباشراً على تأمين شحنات النفط والغاز والتأمين على المصانع والمرافق النفطية.
–النزاع في بحر الصين الجنوبي الذي أدّى إلى تهديد الملاحة والتجارة العالمية ورفع تكلفة التأمين البحري في آسيا.
–الانقلابات في أفريقيا وغرب الساحل لقد أثّرت على الاستثمارات الأجنبية، وخاصة في قطاع التعدين والطاقة، ما ينعكس على تغطيات التأمين التجاري والاستثماري.
–العقوبات الغربية على روسيا وإيران وفنزويلا أثّرت في إمكانية التعاقد مع شركات إعادة تأمين غربية وحدّت من تدفقات المطالبات عبر الأنظمة المالية.
وتنتقل النشرة الى الحديث عن التأثيرات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي وصناعة التأمين العالمية. ضمن هذا الإطار، تشير الى أنه في عالم معولم يتشابك فيه الاقتصاد مع السياسة، أصبح من غير الممكن النظر إلى التأمين بوصفه قطاعًا مستقلًا عن السياقات الجيوسياسية. فكل تحوّل سياسي رئيسي أو تصعيد عسكري في منطقة ذات أهمية استراتيجية يُمكن أن يؤدي إلى تغييرات فورية في أسعار إعادة التأمين وشروط التغطية وتقييم الأخطار، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على تكلفة المنتجات التأمينية وثقة العملاء وربحية الشركات.
الى ذلك، تمثّل النزاعات المسلحة والأزمات السياسية أحد أبرز العوامل التي تعطّل حركة التجارة العالمية.على سبيل المثال، تسببّت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت عام 2022 في إغلاق العديد من الموانئ البحرية في البحر الأسود، وأدت إلى تقليص حركة الشحن البحري، وارتفاع تكاليف التأمين على السفن والشحنات العابرة لتلك المنطقة . كما أدى النزاع بين الجانبين الايراني و الإسرائيلي إلى تعطل الكثير من الشحنات الجوية بسبب غلق المجال الجوي لأكثر من بلد و ايضا تفكير الجانب الايراني في غلق مضيق هرمز و الذي يعد أحد أهم شرايين النفط في العالم، ويربط الخليج العربي ببحر العرب، ويمر به قرابة 20 مليون برميل من النفط ومشتقاته يوميا، و هو ما يمثل نحو خمس شحنات النفط العالمية، مما يجعل محاولة إغلاقه تؤثر على أسواق الطاقة. وبناء على ذلك، فرضت العديد من شركات التأمين العالمية حظرًا على تغطية المخاطر في مناطق الصراع أو رفعت أقساط التأمين بشكل كبير، علماً أن التوترات الجيوسياسية العابقة في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي والخليج العربي وأفريقيا، تسّببت في تعطيل حركة الحاويات والبضائع، وأجبرت شركات الشحن على اتخاذ طرق أطول وأكثر تكلفة، ما أدى إلى زيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة البحرية والتأمين ضد مخاطر الحرب والتأمين ضد الخسائر الناجمة عن التأخير.
من جهة ثانية، تشكّل العقوبات الاقتصادية أداة رئيسية من أدوات السياسة الخارجية، وتستخدمها الدول الكبرى كوسيلة للضغط السياسي أو الاقتصادي على دول أخرى. إلا أن هذه العقوبات لا تتوقف عند حدود الدولة المستهدفة، بل تمتد آثارها لتشمل جميع الشركات والمؤسسات العاملة معها، بما في ذلك شركات التأمين وإعادة التأمين. فعندما تُفرض عقوبات على دولة ما، فإن شركات التأمين التي كانت توفّر تغطيات لأصول أو عمليات في تلك الدولة، تجد نفسها أمام خيارين كلاهما صعب : إما التوقف الفوري عن تقديم الخدمة وتعريض نفسها لخسائر قانونية وتعويضات، أو الاستمرار في التغطية مع احتمال التعرض لغرامات مالية ضخمة من الجهات المنظمة الدولية، مثل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC). وفي هذا السياق نذكر أن

التأمين البحري تأثر بشكل خاص بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث أوقفت العديد من الشركات تغطية السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية، وفرضت قيودًا على تغطية الحمولات القادمة من روسيا. كما أن تصنيف مناطق الصراع كمناطق عالية المخاطر من قبل لجنة الحرب المشتركة (JWC) التابعة لسوق لويدز في لندن، أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في تكلفة التأمين على السفن والتأمين ضد الحرب. أما في مجال تأمين الطيران ، فإن المخاطر تشمل احتمال إسقاط الطائرات، أو تقييد المجال الجوي في مناطق معينة، أو تعرّض المطارات لأعمال عدائية. من الأمثلة الصارخة على ذلك، إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 فوق شرق أوكرانيا عام 2014، والذي شكّل نقطة تحول في تقييم شركات التأمين لمخاطر الطيران المدني في مناطق النزاع
أما في مجال تأمين الطاقة، فقد ارتفعت المخاطر نتيجة استهداف المنشآت النفطية و مصافي التكرير و تهديد خطوط الأنابيب . و أدى ذلك إلى زيادة أسعار التأمين على الأصول البترولية في مناطق الخطر (مثل الخليج وبحر قزوين). وزيادة الطلب على التغطيات المتخصصة مثل تأمين الإرهاب، وتعطّل الأعمال بسبب الحروب. بالإضافة إلى تطور نموذج التأمين السيادي في بعض الدول لضمان أمن مواردها الاستراتيجية.
وقد أبرز تقرير لوكالة رويترز توقعات بارتفاع أقساط التأمين بما يتراوح بين3 إلى 8 دولارات إضافية لكل برميل نفط في حال استهداف منشآت نفطية أو حصار المضائق، وأوضح المحللون أن “علاوة الحرب” ستبقى مرتفعة خلال الفترة المقبلة، وقد تتصاعد أكثر حال توسّع الصراع لضمان تغطية مخاطر انقطاع الإمدادات أو الهجمات على السفن.
وفي مجال تأمينات السفر: تؤثر النزاعات الجيوسياسية على تأمينات السفر. فقد أدت الحرب الإسرائيلية الإيرانية إلى إلغاء آلاف الرحلات الجوية في الشرق الأوسط أو تغيير مساراتها، ما أدى إلى زيادة إلغاءات السفر، و الذي انعكس سلبًا على تأمينات السفر. و في حالة استمرار الحرب ستضطر شركات التأمين إلى دفع تعويضات ضخمة بسبب إلغاءات السفر.
والى ما تقدّم، هناك المخاطر الجيوسياسية التي تؤثر على نماذج التسعير والتقييم. فشركات التأمين، كما هو معروف،تقوم باستخدام نماذج اكتوارية تعتمد على عوامل تاريخية وجغرافية واقتصادية.
و في ظلّ الأوضاع الجيوسياسية المضطربة، تلجأ إلى: إدراج أقساط إضافية بسبب “الخطر الجيوسياسي“. وخفض التغطيات في المناطق ذات المخاطر العالية. وزيادة الاعتماد على تقارير المخاطر السياسية المقدمة من مؤسسات متخصصة مثل Marsh، Aon، وLloyd’s.
الى ذلك، تناولت النشرة أمثلة لبعض النزاعات و انعكاسها على صناعة التأمين العالمية، ومنها:
الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة (انطلقت عام 2022) التي تُعدّ من أبرز الأمثلة المعاصرة لتأثير الصراعات الجيوسياسية على التأمين العالمي. فقد أدى الغزو إلى: زيادة أسعار التأمين البحري في البحر الأسود بنسبة تجاوزت 400%، انسحاب عدد من شركات التأمين من السوق الروسي والأوكراني، فرض قيود على التغطية بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، تعليق العمل ببعض وثائق التأمين التي تغطي التجارة الزراعية والطاقة. وبسبب ذلك، واجهت شركات التأمين صعوبات في تسوية المطالبات نتيجة تجميد الأصول الروسية وصعوبة التحويلات المالية. كما ارتفعت المطالبات المتعلقة بتأمين المصانع والممتلكات المتضررة من القصف، ما أثّر على نتائج أرباح شركات التأمين الأوروبية.
ومن الأمثلة أيضاً: التصعيد في الشرق الأوسط (2023- 2025). وتشير النشرة هنا الى أن السنوات الأخيرة شهدت تصعيدًا متسارعًا في الشرق الأوسط، خاصةً في مناطق مثل اليمن، العراق، سوريا، وغزة والآونة الاخير الحرب الايرانية الإسرائيلية حيث انعكست هذه التوترات على أسواق التأمين عبر: ارتفاع تكاليف التأمين البحري والجوي في الخليج العربي والبحر الأحمر، زيادة أسعار التغطيات ضد الحرب والإرهاب، مطالبات متكررة نتيجة قصف منشآت مدنية وصناعية، عزوف شركات التأمين عن تقديم خدمات في بعض المناطق.
أدت هذه الأحداث إلى إضعاف ثقة المستثمرين ودفعتهم لطلب تغطيات تأمينية أكثر مرونة، ما رفع الطلب على منتجات التأمين السياسي.
يبقى المثل الثالث المتمثل بالتوتر في بحر الصين الجنوبي (منذ نهاية القرن الماضي – حتى الآن)، بين الصين وعدد من الدول المجاورة وعلى رأسها الفلبين وفيتنام وماليزيا، إضافة إلى التدخل الأميركي المتكرر. و يمر عبر هذه المنطقة نحو 30% من التجارة البحرية العالمية، وقد أدت التوترات الى رفع أقساط التأمين على السفن التي تمر عبر المنطقة، تصنيف بعض المياه كمناطق خطر عالي، زيادة الطلب على التأمين ضد القرصنة والمصادرة البحرية.
كذلك أبدت شركات الشحن قلقًا من تحول التوترات إلى نزاع مباشر، ما دفعها إلى طلب تغطيات تأمينية مرنة وسريعة التعديل.
عن دور شركات التأمين العالمية في تقييم المخاطر السياسية، ذكرت نشرة الإتحاد أن شركات التأمين العالمية أدركت أن التغيّر المستمر في البيئة الجيوسياسية يتطلب أدوات أكثر تطورًا لتقييم الأخطار ولذلك، بدأت هذه الشركات في توظيف محللين سياسيين، وخبراء أمنيين وأنظمة ذكاء اصطناعي لرصد ومتابعة الأوضاع الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على الأسواق والعمليات. وتقوم شركات مثل ميونيخ ري و سويس ري و هيئة اللويدز بتحديث خرائط الأخطار بشكل دوري، وتصدر تقارير تقييمية عن المناطق الجغرافية الخطرة، وتأثير العقوبات، وإمكانية اندلاع النزاعات و كذلك تعتمد على شراكات مع مؤسسات بحثية وجيوسياسية مثل Eurasia Group وStratfor
ومن اجل ذلك ، أطلقت بعض الشركات منتجات تأمينية متخصصة لتغطية” المخاطر السياسية” و تشمل: مصادرة أو تأميم الأصول، تعطيل العمليات بسبب قرارات حكومية مفاجئة، فرض قيود على تحويل الأرباح أو رأس المال، أعمال الشغب والانقلابات السياسية.
ويتم تسعير هذه الوثائق بناء على معايير دقيقة تتعلق باستقرار النظام السياسي، ومؤشرات الحوكمة، والتاريخ الأمني، والعلاقات الدولية للدولة المستهدفة
والسؤال: كيف تستجيب شركات التأمين للأزمات الجيوسياسية المفاجئة؟ وجواب النشرة: رغم استخدام أدوات تحليلية متقدمة، إلا أن الأزمات الجيوسياسية عادة ما تأتي فجأة، مما يتطلب استجابات مرنة وفورية. و تشمل أبرز الممارسات التي طورتها شركات التأمين في هذا السياق :
– تفعيل بنود الطوارئ في الوثائق. مثل بنود تعليق التغطية أو مراجعة الأسعار تلقائيًا عند تصنيف منطقة معينة على أنها منطقة حرب أو نزاع.
– الانسحاب المؤقت من الأسواق المتأثرة. كما حدث في أوكرانيا وأفغانستان وسوريا، حيث اضطرت شركات تأمين دولية إلى تعليق أعمالها لحماية رؤوس أموالها.
– إعادة التفاوض مع شركات إعادة التأمين. حيث تعمد شركات التأمين المباشر إلى التفاوض مع المعيدين لتحسين شروط التغطية أو إعادة ترتيب محفظة الأخطار.
– زيادة التحوط عبر التأمينات المشتركة: من خلال التحالف مع شركات أخرى لتقاسم المخاطر العالية أو التغطية ضمن مجمعات تأمين مشتركة.
و قد باتت المرونة التنظيمية وسرعة الاستجابة من أهم مؤشرات كفاءة شركات التأمين في بيئة مشبعة بالمخاطر السياسية.
بالنسبة لصناعة التأمين المصرية، تقول النشرة، أن الأوضاع الجيوسياسية تشكّل ضغوطًا متعددة الأوجه على صناعة التأمين في مصر، بدءًا من ارتفاع تكاليف إعادة التأمين، مرورًا بتقلب أسعار الصرف وزيادة معدلات التضخم، وصولًا إلى تغيّر نية المستثمرين وتراجع قيمة المحافظ الاستثمارية
ان شركات إعادة التأمين العالمية شريكًا رئيسيًا لسوق التأمين المصري، نظرًا لأن الشركات المحلية تعتمد بشكل كبير على المعيدين العالميين لتغطية الأخطار الكبرى. وعندما تتأثر الأسواق العالمية بالأزمات الجيوسياسية، كما هو الحال مع الحرب الروسية الأوكرانية، أو التوترات في البحر الأحمر، تتجه شركات إعادة التأمين إلى:
-رفع أسعار أقساط إعادة التأمين، مما يفرض أعباءً إضافية على شركات التأمين المصرية.
-تقليص حدود التغطية أو فرض استثناءات بعض المناطق او القطاعات في إعادة التأمين.
-فرض شروط أكثر تشددًا مثل رفع نسب التحمل أو تقليص فترات الوثائق.
وقد شهد السوق المصري بعد عام 2022 ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار اتفاقيات إعادة التأمين، خصوصًا في قطاعات الطاقة والنقل البحري والتأمين ضد الحريق.
وعن التأثير على أسعار بعض فروع التأمين ، تعطي النشرة الأمثلة التالية:
في التأمين البحري يمثّل التأمين البحري أحد أكثر الفروع تأثرًا بالأوضاع الجيوسياسية نظرًا لاعتماده على التجارة الدولية وخطوط الشحن، تأثرت نتائج هذا الفرع بأحداث مثل : التهديدات في مضيق باب المندب وخليج عدن، الألغام البحرية في البحر الأسود، العقوبات الاقتصادية على روسيا وإيران
وقد أدى تغيير خريطة الشحن البحري إلى ارتفاع أقساط التأمين على السفن والبضائع في مصر، حيث تعتمد التجارة الخارجية بشدة على المرور الآمن عبر قناة السويس، وقد أدى ذلك إلى: رفع تكاليف التأمين على السفن والبضائع العابرة عبر القناة، زيادة الطلب على تغطيات إضافية مثل أخطار الحرب و الشغب و الاضطرابات المدنية.، تغير سياسات الاكتتاب في الشركات المصرية، إذ أصبحت أكثر حذرًا في تسعير وثائق الشحن والاستيراد من مناطق النزاع.
بالنسبة لتأمين الطيران ، فقد قامت شركات الطيران بتعليق أو إلغاء رحلاتها في الشرق الأوسط. وسيمتد تأثير التهديدات الأمنية إلى المسافرين وشركات التأمين على حد سواء. فقد يواجه المسافرون تأجيلات أو إلغاءات متكررة للرحلات، إلى جانب ارتفاع في أسعار التذاكر نتيجة زيادة تكاليف التشغيل والتأمين. كما قد تصبح بعض الوجهات غير متاحة للسفر، مما يقيّد خيارات السفر ويؤثر على حركة السياحة والأعمال.
من جهة أخرى، ستُضطر شركات التأمين إلى إعادة تقييم نماذج تسعير المخاطر، وزيادة الاحتياطيات المخصصة لتغطية الحوادث المرتبطة بالنزاعات المسلحة أو الهجمات السيبرانية، وهو ما سينعكس على شروط التغطية وأسعارها..
وفي ما يلي، آثار الحرب الإسرائيلية الإيرانية على سوق التأمين في الشرق الأوسط
وكالة بلومبرج 18 حزيران 2025: ارتفعت تكلفة التأمين على السفن المبحرة في الخليج العربي، حيث أدت الهجمات بين إسرائيل وإيران إلى زيادة المخاطر التي تتعرّض لها السفن في المنطقة.
تتقاضى شركات التأمين الآن 0.2% من قيمة السفينة للرحلات المتجهة إلى الخليج، ارتفاعًا من 0.125% قبل اندلاع الصراع، وفقًا لماركوس بيكر ، الرئيس العالمي للشحن البحري والخدمات اللوجستية في مارش ماكلينان ، إحدى كبرى شركات وساطة التأمين. أضاف: أن أسعار الرحلات المتجهة إلى البحر الأحمر ارتفعت أيضًا، و أن مدة صلاحية الأسعار تقلصت إلى 24 ساعة بدلا من 48 ساعة، وهو ما يعكس التقلّبات في السوق.تابع: أن هناك زيادة حادة في أسعار السفن التي ترسو في إسرائيل، حيث تضاعفت الرسوم ثلاث مرات لتصل إلى 0.7% من تكلفة السفينة، مقارنة بـ 0.2%. .
وكالة رويترز 17 يونيو 2025: ذكرت مصادر في صناعة التأمين أن الأقساط ضد مخاطر الحرب على الشحنات المتجهة إلى إسرائيل ارتفعت بما يصل إلى ثلاثة أمثال ما كانت عليه قبل أسبوع من بداية الحرب بين إسرائيل وإيران . أضافت: أن تكلفة الرحلة التي تستغرق سبعة أيام إلى الموانئ الإسرائيلية تراوحت بين 0.7% و1.0% من قيمة السفينة، مقابل نحو 0.2% قبل أسبوع.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية
تشير التوقعات إلى أن العالم سيظلّ عرضة لتوترات سياسية ومناطق نزاع متكررة، خاصة في ظل التنافس على الموارد الطبيعية والتحولات المناخية والهجرات الجماعية. وبالتالي، فإن صناعة التأمين ستبقى في حالة تأقلم دائم مع تلك التغيرات، سواء من خلال منتجات تأمين جديدة أو آليات تسعير مرنة أو تعزيز التعاون الدولي في مجال إعادة التأمين.
لذا يوصي الاتحاد بما يلي:
1. إعادة تصميم نماذج التسعير والاستهداف الاكتواري لتشمل المتغيرات الجيوسياسية.
2. التحوّل إلى تنويع مصادر إعادة التأمين من خلال شركات إقليمية أو تحالفات مع معيدي تأمين في آسيا وأمريكا الجنوبية.
3. تعزيز الاستثمار في التكنولوجيا لإتاحة نماذج تقييم مخاطر أكثر مرونة وسرعة التفاعل مع الأحداث العالمية.
4. التوسّع في تأمين مخاطر التوريد وتأمين المخاطر السياسية خصوصًا للمصدرين والمستوردين الذين يتعاملون مع أسواق عالية المخاطر.
5. تطوير منتجات جديدة تتماشى مع المخاطر الجيوسياسية مثل تأمين اضطرابات النقل أو تأمين سلسلة الإمداد الدولية.
6. تفعيل دور صناديق الطوارئ والاحتياطات الفنية بما يتناسب مع اتساع نطاق المخاطر.